لمحة تاريخية عن المتحف
سوف نبدأ حديثنا عن المتحف الوطني بدمشق بلمحة سريعة وموجزة توضح لنا كيف نشأ المتحف وما هي المراحل التي مر بها، ظهرت بذور فكرة إنشاء المتحف الوطني بعد جلاء القوات العثمانية عن سوريا إثر انتهاء الحرب العالمية الأولى، حيث أنه بعد الجلاء قد تأسس ما يعرف بديوان المعارف وكان من ضمن أقسام وشعب ذلك الديوان هو الجانب الأثري والتاريخي، فقام الديوان بالبحث عن مكان مناسب لحفظ الآثار التي ستكون نواة لمجموعة الآثار التي سيتم جمعها فيما بعد، فتوصل الجميع إلى أن يكون المكان هو في قاعة المدرسة العادلية الموجودة في حي باب البريد أحد أحياء دمشق القديمة، والذي تبرع بهذه القاعة هي العائلات الكريمة بسوريا حيث كان لديها عدد لا بأس به من الآثار القديمة الواجب المحافظة عليها، فجمعتها في تلك القاعة وأهدتهم لإدارة ديوان المعارف، وقد تم ذلك الأمر في منتصف العام العشرين من القرن العشرين وبعدها أخذ المتحف يكبر شيئًا فشيء.
حتى أصبح من الصعب جمع كل الآثار داخل قاعة مدرسة العادلية، فلم يمر سوى خمسة عشر عام فقط على ذلك حتى صدر قرار بإنشاء متحف جديد على أرض كبيرة، وكانت هذه الأرض هي تابعة لأراضي المرج الأخضر المملوكة لمديرية أوقاف دمشق، فشرعت الحكومة في بناء المتحف على تلك الأرض في العام السادس والثلاثين من نفس القرن، وقد أسندت مهمة التصميم المعماري إلى المهندس إيكوشار ذو الجنسية الفرنسية، وبعدما فرغ من بناء المتحف ودخلت جميع الآثار التي كانت في جعبة ديوان المعارف، جاءت آثار أخرى وكان لزامًا على إدارة المتحف توسيع رقعتها وبما أنها تقع في منطقة واسعة وخالية كان الأمر في غاية السهولة، فقد تم إنشاء العديد من القاعات مع مرور الأعوام حتى أخذ المتحف شكله الحالي، بعدما كان يقتصر على سبعة قاعات أربعة منهم في الطابق السفلي وثلاثة في العلوي، بجانب البهو وجناح المكاتب والرواقين.
أقسام المتحف الرئيسية
يتكون المتحف الوطني بدمشق من خمسة أقسام رئيسية بداخل كل قسم منهم مجموعة تاريخية معينة تندرج ضمن الحقبة التاريخية المذكورة عن القسم، وأولى هذه الأقسام هو قسم ما قبل التاريخ وهو يجمع الآثار القديمة جدًا التي كانت تستخدم من قبل الإنسان البدائي، فيرجع تاريخ بعض الآثار الموجودة بالقسم إلى أكثر من مليون سنة خلت قبل الميلاد، ويتميز هذا القسم بكونه يجمع الآثار المتعلقة بما قبل ظهور الكتابة فقط أما ما بعد ظهورها فهو يتواجد في قسم أخر غير ذلك، فنجد في القسم الأول المثاقب والمطارق التي صنعت من الأحجار، وتوجد أيضًا جماجم قديمة تم العثور عليها في تل الرماد، ولا ننسى الهياكل العظمية التي منها ما عثر عليه في كهف الديدرية القريب من مدينة عفرين، وأيضًا توجد بعض الأشياء التي صنعت من الفخار قبل سبعة آلاف عام مثل التماثيل والأواني الفخارية، وغيرها من الأشياء الأخرى التي توجد في هذا القسم من أقسام المتحف.
القسم الشرقي
أما عن القسم الثاني فهو يختص بالآثار السورية الشرقية القديمة، وهو يحوي بداخله الآثار التي تتعلق بفترة ما بعد ظهور الكتابة وحتى احتلال الإسكندر الأكبر إلى البلاد الشامية، وهي فترة كبيرة جدًا قد جرت بها الكثير من الأحداث التي دونت وحفظت في برديات داخل ذلك القسم من المتحف، هذا بجانب الآثار التي تتعلق بتلك الحقبة الزمنية الكبيرة وخاصة فترة مملكة أوغاريت الكنعانية، فنجد الحروف الأبجدية التي أنتجتها لنا تلك الحضارة العظيمة بعدما كان الإنسان يعتمد في كتابته على الصور، وتتواجد تلك الحروف الأبجدية في رقيم طيني بأحد صناديق الزجاج بالقسم، ولا ننسى الآثار العاجية الخاصة بتلك الحضارة الكنعانية وهي التي عثر عليها عند الساحل السوري، وأيضًا تتواجد قطع أثرية تتعلق بتل العمريت والفينيقيين وتل الكزل ومملكة إبلا، ومن الأشياء البارزة في هذا القسم هو سيف الفرعون المصري العظيم رمسيس الثاني.
قسم الآثار المحلية السورية
نأتي هنا للحديث عن القسم الثالث من أقسام المتحف الوطني بدمشق وهو يحمل اسم الآثار المحلية السورية، ويتواجد في هذا القسم أغلب الآثار التي تتعلق بفترة حكم اليونانيين والرومانيين والبيزنطيين، فمثلًا نجد بعض الآثار التابعة لمدينة تدمر التاريخية والمتمثلة في التماثيل والمنحوتات والمنسوجات الحريرية والكتانية والصوفية، ويوجد داخل هذا القسم مكان مخصص لآثار بعض المحافظات التاريخية في الجمهورية العربية السورية مثل محافظتي درعا والسويداء، ومن قطعهم الأثرية الأحجار البازلتية والتماثيل والموزاييك الفسيفساء التي تجسد لنا الزراعة والفلسفة والثقافة، ويوجد أيضًا في ذلك القسم قسم فرعي خاص بالحلي الذهبي القديم، يعرض فيه العديد من الخواتم والأطواق والخلاخل والأقراط والأساور، وهذه الأشياء تظهر لنا مدى تقدم فن الصياغة في سوريا خلال تلك الفترة الزمنية، ولا ننسى جناح الفن البيزنطي الذي يعرض آثار خاصة بما بعد القرن الرابع الميلادي مثل أشياء مصنوعة من الزجاج، والمباخر المسيحية، النقوش والرسوم الجدارية، وغيرها من الأشياء الأخرى، وأخيرًا يوجد قسم أو جناح النقود الذي يعرض المجموعات النقدية التي عثر عليها واكتشف أنها تعود للمقدونيين، والبطالمة، والسلوقيين، والبيزنطيين، وقبلهم النفوذ الأثنية، كل هذا وأكثر يوجد داخل قسم الآثار المحلية السورية داخل المتحف الوطني بدمشق.
قسمي ما بعد دخول الإسلام
يتبقى في المتحف قسمين رئيسين وهما يختصان بالفترة التي تأتي بعد دخول الإسلام إلى بلاد الشام وحتى يومنا هذا، فقسم منهم لما بعد دخول الإسلام مباشرة والقسم الأخر للفترة الحديثة في القرون المعاصرة، أما عن القسم الرابع فهو يبدأ منذ مجيء الدولة الأموية إلى الأراضي السورية حيث أن الخليفة معاوية بن أبي سفيان مؤسس الدولة جعل مركز الخلافة في دمشق عاصمة الجمهورية العربية السورية، ومن الآثار الموجودة بهذا القسم خزف الرقة التي كانت موجودة في عاصمة الخليفة العباسي هارون الرشيد، ومعروضات زجاجية مثل الأكواب المكتوب عليها اشرب واطرب، وأيضًا توجد واجهة القصر المسمى بالحير الغربي الذي يقع في الجهة الغربية من مدينة تدمر التاريخية وتحديدًا على بُعد ستين كيلو متر منها.
وهناك أيضًا بعض الآثار التي يرجع تاريخها إلى فترة تواجد الدولة المملوكية في سوريا، وأكثر هذه الآثار هي من الحجر الذي نحتت منه العديد من الأشياء مثل تمثال على هيئة طبيب يحمل دواء ما ومكتوب فوقه كل من الله وعافية، وأيضًا القطعة الزجاجية التي تسمى المشكاة والتي تم تزيينها بالميناء ذات الألوان الثلاثية الصفراء والحمراء والزرقاء، وفي نفس القسم الرابع توجد قاعة للمخطوطات تحمل بداخلها العديد من المخطوطات الأثرية، مثل مخطوطة القانون التي كتبها العالم الكبير ابن سينا، ومخطوطة أمراض العيون لابن سيناء أيضًا، ومخطوطة يرجع تاريخها للقرن الحادي عشر الميلادي وهي لأبو القاسم الزهراوي، وغيرها العديد من المخطوطات الأخرى ذات الأهمية العربية الكبيرة.
أما عن القسم الخامس والأخير فهو قسم الفن الحديث والمعاصر وهذا القسم يعرض كل ما انتجه الفنانون في القرون المعاصرة، فتوجد العديد من المنحوتات، واللوحات الفنية، وهناك بعض التماثيل الخاصة بابن رشد وعباس بن فرناس والجاحظ والدرزية الحسناء وغيرهم، وهناك بعض المخطوطات الحديثة أيضًا والعديد من الأشياء الأخرى لفنانين معاصرين سوريين، ولكن بشكل عام القسم الخامس لا يحتوي على مقدار كبير من القطع الأُثرية مثل بقية الأقسام.