فقد قلنا في البداية أن طبيعة تركيا القديمة وكونها في السابق عاصمة الخلافة الإسلامية جعلها تنعم بالعديد من الأمور الخاصة، وذلك مثل المساجد، تمامًا مثلما هو الحال مع دمشق في وقتٍ من الأوقات، فهذين المكانين يحتويان على أهم وأكبر المساجد في العالم، لكن المدهش حقًا في هذا المسجد أنه جاء كتغطية على انتكاسة قد طالت الدولة العثمانية في توقيت بناء المسجد، فقد تعرض السلطان أحمد، الذي قام ببناء المسجد، للعديد من الانتكاسات والهزائم، وكان لزامًا عليه أن يكتب تاريخه بنفسه من خلال بناء مسجد عظيم يُنسي الناس فيما بعد ما حدث من هزائم، وهذا ما حدث بالفعل، فإذا ذُكر هذا المسجد ذُكر السلطان أحمد بكل خير على الرغم من أن عهده قد شهد واحدة من أكبر الانتكاسات في تاريخ الدولة العثمانية، لكن هل كل ما يميز هذا المسجد يتعلق بالمساحة فقط؟ الإجابة بالتأكيد لا، لذا دعونا ندخل هذا المسجد بأنفسنا ونعرف السر.
مسجد السلطان أحمد من الداخل
محمد أغا، هذا هو اسم المُهندس الذي أشرف على بناء مسجد السلطان أحمد سنة 1018، وقد استمرت عملية البناء هذه لعامين كاملين، والحقيقة أن اختيار المهندس محمد أغا جاء بسبب كونه أحد التلامذة المهمين لأحد أكبر المُهندسين الذين مروا بالدولة العثمانية طوال تاريخها، إنه المهندس سنان، وقد اتضحت جدوى هذا الاختيار في تصميم المسجد، فتقريبًا هو المسجد الوحيد في العالم الذي يحتوي على ست منارات ضخمة وهائلة، وهذه المنارات متوزعة بانتظام بين اليمين والشمال، أما قبة، المسجد، والتي تُعتبر بلا أدنى شك الشيء الأكثر تميزًا في أي بناء، فهي قُبة ضخمة بكل ما تعنيه الضخامة من معانٍ، كما أنها تُعتبر كذلك أكبر قبة مسجد في العالم، وقد قلنا لكم مسبقًا أن أهم ما يُميز مسجد السلطان أحمد أن كل شيء فيه يحظى بحجم استثنائي، وهذا كان الهدف الرئيسي من بناء المسجد عندما فكر السلطان أحمد في ذلك، فقد كان يهدف كما ذكرنا إلى شغل الناس، والتاريخ أيضًا، بشيء ضخم وهام يُنسيهم الإخفاقات التي حدثت بعهده.
المسجد أيضًا يحظى بنوع فريد للغاية من البلاط، كما أن الجدران مُزخرفة بالأنوار، وطبعًا لا ننسى الأجواء العثمانية القديمة التي تظهر الآن في شكل مُبهر لكل من يراها، والواقع أن دخول مثل هذه الأماكن لا يكون فقط من أجل الصلاة كما ذكرنا من قبل، وإنما أيضًا مجرد النظر إلى هذه الأشياء والانبهار بعظمتها واحدة من الأمور التي تستحق بالتأكيد الزيارة، ولهذا فإن الزوار لا يكونون من المسلمين فقط، وإنما ثمة سياح أجانب يذهبون إلى مسجد السلطان أحمد رغبة في الخروج برؤية بصرية مُدهشة، وهذا ما يجدونه بالفعل في هذا المسجد، وبعد كل ما سبق فمن المؤكد أنك لن تتردد كثيرًا في زيارة هذا المسجد الهام حال تواجدك في يومٍ من الأيام في تركيا.