طبعًا لا خلاف على أن أي مكان في العالم، مهما كان كِبره أو صِغره، مهما كان تقدمه أو تأخره الاقتصادي، فإنه في النهاية يمتلك شأنًا تاريخيًا وثقافيا، هذا الشأن هو بالأساس ما أدى إلى وجود هذا المكان، وإذا طبقنا نفس هذا الأمر على قارة إفريقيا فسوف نجد أنها قارة عظيمة للغاية، دعكم من الوضع الحالي وانتماء أغلب دولها إلى مناطق العالم الثالث، فهذا الأمر وليد اللحظة الحالية ومن الممكن جدًا أن يتغير بقليل من الاهتمام ومزيد من العلم، لكن الشيء الذي لن يتغير أبدًا مهما حدث هو تاريخ هذه القارة، وكيف أن ذلك التاريخ قد ترك العديد من الملامح التي أثرت وستؤثر عليها حتى زمن بعيد قادم، فما هو يا ترى تاريخ هذه القارة الذي يمنحها كل هذه الأهمية ويجعلها مرفوعة الرأس كما يقولون.
تاريخ قارة إفريقيا
ربما سيندهش البعض من ذلك، لكن المكان الذي بدأ فيه نشوء البشر، أو الجنس البشري على سبيل التدقيق، هو قارة إفريقيا، وذلك وفقًا لما يقوله العلماء المتخصصين بالعلوم الحفرية، فهؤلاء العلماء يرون أن القارة كانت شاهدة على أول كائن بشري قبل حوالي ثمانية ملايين عام، وهذا تاريخ طويل بالطبع لم يتم تأكيد وجود الإنسان خلاله، لكن البعض على الجانب الآخر يقول أن هذا الجنس البشري المذكور ليس هو الجنس الذي تدرج البشر الموجودين حاليًا، وإنما هو جنس آخر مُختلف، في حين أن الجنس الخاص بنا نشأ قبل حوالي مئة وثلاثين ألف عام، لكن لن نختلف كثيرًا، فقارة إفريقيا أيضًا كانت المهبط لهذا الجنس، وهذا يعني ببساطة أن إفريقيا هي الأصل الأصيل في هذا العالم، وهذا إن أردنا الحق أمر يدعو كل إفريقي للفخر، فأن تكون أصل كل جنس موجود في أي مكان في العالم أمر رائع بكل تأكيد، والأروع أن علماء الحفريات يؤكدون أن الحياة انطلقت من قارة إفريقيا، متضمنةً بذلك حياة الحيوانات والنباتات والبشر قبلهم بالطبع.
تاريخ قارة إفريقيا يقول أيضًا أن أول حضارة كاملة مُتكاملة أُقيمت في القارة هي الحضارة المصرية الفرعونية القديمة، والتي كانت موجودة قبل حوالي سبعة آلاف عام، وهناك جدل كبير حول كونها الحضارة الأقدم في العالم، أي الأقدم من الحضارة الإفريقية في أسيا والحضارة اليونانية أو الرومانية في أوروبا، وإن كان الجدل أكبر وأدق بين الفرعونية في إفريقيا والفينيقية في أسيا، لكن، البعض قد يقول إن هذا التاريخ المذكور ما هو في الحقيقة سوى مجرد كلام على الورق، أو بمعنى أكثر دقة، ما هي الدلائل أو الملامح التي تؤكد كون الحضارة الإفريقية بكل هذه الأهمية، بل وكونها كذلك حضارة رائدة بين جميع حضارات العالم، هذا هو السؤال الذي سنحاول الإجابة عليه.
ملامح من التاريخ الإفريقي
إذا ما أرضنا التقاط صور لملامح التاريخ الإفريقي فيُمكننا القول مثلًا أن إفريقيا كانت القارة الأولى في العالم التي عرفت ما الذي تعنيه كلمة الحضارة وتمكنت من إقامتها بالفعل، ونحن هنا نتحدث عن الحضارة الفرعونية المصرية التي طالت قارة أسيا نفسها، أيضًا ملمح الأسواق كان من الملامح الهامة في القارة، فعلى مدار تاريخ طويل ظلت أسواق إفريقيا هي الأشهر عالميًا، وهي التي يأتي إليها البشر من كل مكان في العالم، حتى عندما بسطت الحضارة الرومانية الأوروبية يدها على الكثير من الأماكن في قارة إفريقيا كانت الأسواق الأشهر كذلك في القارة، ومن الملامح الهامة أيضًا الحروب، فالتاريخ يشهد أن هذه القارة هي الأقل من حيث إشعال الحروب، وأن أغلبية الحروب التي خاضتها في تاريخها كانت مجرد ردة فعل وليست فعل، أي أنها لم تكن من تبدأ الحرب، وفي هذا دلالة على الطبيعة المسالمة التي يتمتع بها هذا الشعب، كما أن التاريخ لم يشهد أيضًا وجود أي دولة استعمارية إفريقية كبيرة لها أطماع، وهذا ليس دليلًا على أن إفريقيا قديمًا لم تكن قوية، وإنما نحن نتحدث عن عدم وجود الفكرة من الأساس، وهذا أمر جيد بكل تأكيد.
الثقافة في قارة إفريقيا
الثقافة في القرة السمراء كان لها بالتأكيد وضعًا مميزًا وهامًا، والواقع أننا الآن لا يُمكننا التحدث بشكل كبير عن ثقافة إفريقيا نظرًا لأن بقية القارات قد طغت عليها وأصبحت أفضل منها بهذا الصدد، لكن بالنسبة للماضي، وربما قليلًا في الحاضر، كانت الثقافة في إفريقيا تعتمد على أكثر من منهل، فأغلب المؤرخين كانوا في الأصل إفريقيين، وحتى لو لم يكونوا كذلك فإنهم بالتأكيد كانوا يجدون في إفريقيا أرضًا خصبة لهم من أجل كتابة التاريخ، أما الشعراء والروائيين والكتاب الكبار فكان غالبيتهم أيضًا ينتمون للقارة الإفريقية، وقد حصل أكثر من عالم ومبدع إفريقي على جائزة نوبل الهامة، وكان من بين هؤلاء الأديب المصري العربي الإفريقي نجيب محفوظ، ولا ننسى أيضًا أن إفريقيا تمتلك أكبر عدد من اللغات موجود في قارة واحدة، وهذا أيضًا دليل دامغ على التميز والتنوع الثقافي، وأخيرًا، لا ننسى أيضًا أن المعابد والمتحف التي تركها القدماء كانت كذلك وجهًا آخر من أوجه الثقافة الإفريقية، ولو كانت القارة قد تابعت بنفس المخزون الثقافي حتى الآن لكان من الممكن جدًا أن تكون في مكان آخر مختلف تمامًا عن الذي تتواجد به الآن.
مكونات الثقافة الإفريقية
الثقافة في إفريقيا لها مكونات مثل أي شيء آخر موجود في هذه الحياة، والحقيقة أن أشياء كثيرة قد ساهمت في هذا التكوين، على رأسها مثلًا الحضارات الكثيرة التي مر بها تاريخ القارة، وعلى رأسها الحضارة الفرعونية التي يُمكن القول بثقة أنها كانت أكبر مكون للثقافة الإفريقية، فهذا الإنسان الفرعوني القديم استطاع أن يصل إلى الكتابة، بعد ذلك قام بتدوين أبرز ما عرفه على الجدران، ثم بعد ذلك جاء نفس الإنسان وقام بكتابة الكتب، فهو أصلًا صاحب الفضل في اختراع التدوين عن طريق الكتب باستخدام ورق البردي، ولاحقًا تمكن نفس الإنسان من وضع النقاط على الأحرف في الحياة الثقافية من خلال إنشاء المدارس وأماكن التعليم التي تهتم بتشكيل هوية الشخص، كما أن النظام القديم كان يقوم على وضع المُتعلم المثقف في مكانة تفوق الثري صاحب الأموال، وربما هذا السبب بالذات هو الذي يُفرق الآن بين قارات متقدمة مثل أوروبا وقارات تُحاول مثل أسيا وقارات ضلت الطريق مثل إفريقيا.
مكونات الثقافة في أي مكان بالعالم تتضمن المتاحف والكتب والأشخاص المثقفين أنفسهم، وهذا ما يُمكن القول إن إفريقيا قد نجحت به قديمًا ومؤخرًا بدأ يعود الأمر مجددًا، فقد تزايدت أعداد الكتب المنشورة في إفريقيا لتصل إلى نصف مليون كتاب شهريًا، وأيضًا هناك أكثر من سبعة وثلاثين معرض للكتاب يتم إقامتهم بشكل سنوي في دلالة على الاهتمام بالحركة الثقافية في القارة، بقي فقط أن ترتفع نسبة التعليم في الدول الإفريقية، أو في بعض الدول تحديدًا، والتي لا تعرف بعد أن التأخر عن العالم ليس اقتصاديًا فقط وإنما أيضًا ثقافيًا، وبالمناسبة، ثمة وزارة ثقافة في ثمانين بالمئة من الدول الإفريقية، وهذا انطباع جيد آخر يدل على أن القارة بدأت تسلك الطريق الصحيح.
الفنون في قارة إفريقيا
بالتأكيد الفن كذلك يُعتبر جزء أصيل للغاية من التكوين الخاص بأي قارة، والحقيقة أننا إذا قمنا بترتيب القارات في العالم من حيث التميز في الفنون فسوف نجد أن قارة إفريقيا تأخذ مرتبة متقدمة للغاية، والجميل في الفن في إفريقيا أنه بسيط وغير مُتكلف بالمرة، وهو كما ذكرنا نابع من الموهبة المُتفجرة في هذه القارة، والتي ربما لم يتم استخدامها حتى الآن بالصورة الأمثل، فمثلًا، في أفريقيا تتواجد العديد من المتاحف الفنية والمعارض التي تُقام داخل هذه المتاحف، وهي تهتم بأكثر من نوع من الفنون مثل الرسم والنحت، والاهتمام الكبير طبعًا يكون بالرسم، وهو يظهر في صورة لوحات رائعة، صحيح أنها لا تنافس اللوحات اللاتينية لكنها على الأقل أفضل من اللوحات الأسيوية مع مراعاة الفوارق في الأعداد، كما أن الفنون الإفريقية تشمل أيضًا الزخرفة والعمارة، وبخصوص العمارة، المباني الإفريقية القديمة لم تكن أبدًا مجرد مباني عادية، بل كنت تنم بشدة على إدخال الفن في البناء وإخراج المبنى وكأنه لوحة حقيقية.
نوع آخر من أنواع الفنون يتمثل في السينما والمسرح، وقد كانت إفريقيا أيضًا حاضرة، والحقيقة أنها أيضًا لا تزال، فبالنسبة لفن السينما يُمكن القول أن السينما المصرية والنيجيرية قد قطعا شوطًا كبيرًا في السينما العالمية، وذلك من حيث نوعية الأفلام والممثلين والميزانيات التي تُرصد لها، أما مؤخرًا فقد دخلت سينمات أخرى على الخط مثل التونسية والجزائرية، وبالنسبة للمسرح نجد كذلك تفوق جيد في هذا المجال، فأهم عمالقة المسرح في العالم العربي موجودين الدول العربية الإفريقية مثل مصر، كما يجب ألا ننسى بأن ثمة ممثلين عالميين يحظون بأصل إفريقي مثل عمر الشريف وخالد النبوي وعمرو واكد، وفي الطريق ثمة آخرين غيرهم بالطبع.