تاريخ لبنان

لا يُمكن بأية حال من الأحوال تناول تاريخ دولة عريقة وهامة مثل لبنان دفعة واحدة، وإنما يجب أن يأتي ذلك الأمر من خلال عدة مراحل تاريخية سوف نتعرف عليها بالترتيب، والبداية مع مرحلة ما قبل التاريخ.

ما قبل التاريخ

في الواقع ثمة اختلاف حول تحديد تاريخ بداية هذه الحقبة الهامة من تاريخ دولة لبنان، فهناك من يقول إنها قد بدأت قبل حوالي 5000 آلاف عام من الميلاد، ويُرجح أن يكون مدينة الجبيل هي التي احتضنت هذه البداية وأنها كذلك واحدة من أقدم مدن الأرض، والبعض الآخر يقول إن الأمر قد بدأ قبل سبعة آلاف عام داخل مدينة صور، المهم أن التاريخ يتأرجح بين العصر الحجري والنحاسي كونهما قد شهدا بداية دولة هامة مثل لبنان بالقرب من سواحل البحر الأبيض المتوسط، وهناك بعض الروايات التي تُشير إلى كون سام بن نوح وصلبه أصحاب الفضل في بداية لبنان الحديثة، والتي خضعت قبل بداية التأريخ لحكم الفينيقيين والمقدونيين والكثير من الحضارات الأخرى، لكن في النهاية انتهت مرحلة ما قبل التأريخ الميلادي بما يُمكن وصفه بالاستقرار النسبي، بعد ذلك بدأت مرحلة العصور الوسطى.

مرحلة العصور الوسطى

القرن الرابع هو الذي شهد بداية الأحداث الساخنة داخل دولة لبنان، وخصوصًا بعد أن تبعت الحضارة البيزنطية، وقد استمر هذا الأمر لفترة طويلة قبل أن يأتي القرن السادس ويحمل معه سلسلة من الزلازل الخطيرة للغاية، تلك الزلازل في نهاية المطاف أدت إلى هدم الكثير من الأبنية في لبنان وقتل ثلاثين ألف شخص وتهجير أضعافهم، وهو ما يعني أن لبنان بدأت تفقد الحياة تقريبًا، أضف إلى ذلك عزيزي القارئ تفشي الحكم البيزنطي وزيادة الجزية والضرائب والتنكيل بالشعب، وهنا كان الطريق مفتوحًا لتلك الحضارة القادمة من شبه الجزيرة العربية، إنها ببساطة الحضارة الإسلامية التي انتبهت إلى لبنان مع بداية الثلث الثاني من القرن السابع، وتحديدًا عام 636 في عهد الخليفة الأول أبي بكر الصديق.

لم تنتهي مرحلة العصور الوسطى والحكم الإسلامي الذي صاحبها عند هذه المرحلة، فقد ظهرت الكثير من الخلافات الإسلامية المتعاقبة والتي كانت لبنان جزء رئيسي منها، حتى جاءت الحملة الصلبية التي دقت مسمارًا كبيرًا في الهوية الإسلامية للشعب اللبناني، فعلى الرغم من أن الصليبيين قد غادروا بعد تدخل صلاح الدين ومعركة حطين، إلا أن الفترة التي مكثوها داخل لبنان خلفت الكثير من القلاع والأبنية القطبية، أيضًا داخل في النصرانية عدد لا بأس به من سكان لبنان ولا يزال الأمر يُلقي بظلاله حتى وقتنا الحالي، ففي لبنان نسبة المسيحين تزيد عن الأربعين بالمئة وتقترب سريعًا من النصف!

المرحلة الحديثة

يُمكن القول بكل بساطة أن المرحلة الحديثة من التاريخ اللبناني تبدأ بدخول الأتراك الأراضي اللبنانية في حملة سليم الأول بالقرن السادس عشر، وقد تمكن الأتراك من السيطرة على لبنان لفترة طويلة جدًا حتى جاءت الحرب العالمية الأولى التي كانت خرابًا ودمارًا على لبنان، فعلى الرغم من أن لبنان قبل الحرب كانت تجاهد للانفصال عن الدولة العثمانية أو على الأقل أخذ خيارات أكثر في حكم نفسها إلا أن الحرب العالمية تبعها دخول البريطانيين وكذلك الفرنسيين، صحيح أن البريطانيين قد خرجوا من الأراضي اللبنانية سريعًا إلا أن البريطانيين عاثوا في الأرض فسادًا وتدخلوا في كل شيء عسكريًا، وبعد كر وفر ومحاولات ومعاهدات نالت لبنان استقلالها أخيرًا لتُصبح دولة حاكمة لنفسها بنفسها عام 1946.

لم تفرح لبنان كثيرًا بالاستقلال فعقب ذلك مباشرةً بدأ الصراع العربي الإسرائيلي الذي وجدت لبنان نفسها جزءًا منه، كذلك حصلت بعض الانقسامات الداخلية والصراعات والنزاعات بسبب وجود طوائف دينية متعددة، لكن الأمور قد هدأت بصورة نسبية مع نهاية القرن المنصرم وحتى عام 2005، وهو العام الذي تجدد فيه جرح الوحدة مجددًا وحمى الصراع على الحكم اللبناني لدرجة أن البلاد قد مرت قبل ثلاث سنوات بفترة تُعرف باسم الفراغ السياسي، حيث لم تكن هناك سلطة سياسية معروفة تحكمها، بيد أن هذا الأمر في النهاية قد انتهى وعادت لبنان الدولة العامرة السياحية مرة أخرى.

الثقافة

لا شك أن الثقافة اللبنانية جاءت كجزء أصيل جدًا من التاريخ اللبناني العريق، وبالطبع الثقافة ليست الأدب والتعليم فقط، وإنما أيضًا ثمة وجود لأشياء قد لا تبدو تابعة للثقافة أصلًا من وجهة نظركم، وعلى رأسها المطبخ.

المطبخ

بالطبع لا أحد يختلف على أهمية المطبخ اللبناني في إحياء الهوية الخاصة بهذه الدولة ونشرها، فقد استفادت لبنان كثيرًا من المطابخ المجاورة لها إلا أنها في نفس الوقت كان لها كيانها الخاص في الطاعم، وقد ساعد على ذلك أيضًا تحررها وانفتاحها على أكثر من مطبخ عالمي، وربما هذا الأمر يتضح بشدة من خلال المجموعة الكبيرة من المطاعم الموجودة في لبنان.

الرياضة

الرياضة كذلك شكلت جزءًا كبيرًا وهامًا من ثقافة دولة لبنان، وعندما نتحدث عن الرياضة في هذه الدولة فيجب علينا بالتأكيد التطرق للرياضات الشتوية التي منها السباحة والتزلج، أما فيما يتعلق بالرياضات الشعبية المنتشرة بكل مكان تقريبًا، وأمثلتها كرة القدم وكرة اليد وكرة الماء والكرة الطائرة، أضف إلى ذلك الرياضات الفردية التي يبرع فيها اللبنانيين كذلك، لكنها براعة محلية فقط، إذ أنه لا توجد قامات رياضية عالمية شهيرة من هذه الدولة.

الأدب

الجزء الأهم على الإطلاق في ثقافة لبنان هو ذلك الجزء المتعلق بالأدب، وقد برعت لبنان منذ القدم في أغلب المجالات الأدبية الشهيرة كالشعر والرواية، كذلك المجلات الفنية والأدبية كان لها وجود منذ قديم الأزل داخل دولة لبنان، لكننا بالطبع إذا جلسنا للبحث عن نموذج حقيقي لهذا الجانب من حياة لبنان فسوف تظهر أسماء مثل جبران خليل جبران وأمين معلوف وأخيرًا جورج شحاذة، ويُمكن للقائمة أن تطول كثيرًا إذا أردنا ذلك، فكما يقولون هناك، الطفل في لبنان يولد أديب من تلقاء نفسه، وربما بمقدور الجميع ملاحظة ذلك مما حدث في القرن التاسع عشر وخلفه القرن العشرين، حيث كانت لبنان هي الحاضنة الأولى والأهم للأدب، ليس اللبناني فقط، وإنما الوطن العربي بالكامل.

الفن

عندما نتحدث عن الفن في لبنان فحدث ولا حرج بالتأكيد، إذ أن هذه الدولة تمتلك أكبر قدر ممكن من التميز الفني داخل الوطن العربي بالكامل، ونحن هنا نتحدث عن جميع المجلات الفنية وليس مجال بعينه، والبداية مثلًا مع فن المسرح الذي بدأ في لبنان مع مطلع القرن الماضي وتمكن من إثبات تميزه عن طريق مجموعة من المسارح وكذلك الممثلين المحترفين الذين درسوا المسرح في الخارج مثل روز اليوسف، أما السينما فهي أيضًا شامخة في التاريخ اللبناني، حيث أنها قد احتضنت في كثير من الأوقات جميع السينمات الخاصة بالوطن العربي وتمكنت من إحياء هذا الفن في بلدان كثيرة، وربما يكون التلفزيون أو الدراما هي المجال الأقل من حيث الإنتاج والشهرة، لكن يعوضه طبعًا الاكتساح الجارف لمجال الموسيقى والغناء، فعندما نتحدث عن الغناء بلبنان سوف نجد أنفسنا نتناول مشاهير الغناء في الوطن العربي حاليًا والذين تطول القائمة لذكرهم.