تاريخ دولة اليمن
لا خلاف على أن تناول تاريخ دولة كبيرة مثل اليمن لا يُمكن أن يتم دفعة واحدة، وإنما تكون هناك حاجة ماسة إلى تقسيم هذا التاريخ إلى دفعات ومراحل، ولا شك أن المرحلة الأولى والأهم في الحديث هي مرحلة التاريخ القديم.
مرحلة التاريخ القديم
هناك شبه اتفاق ضمني من العالم، أو من المؤرخين الموجودين في العالم على وجه التحديد، بأن دولة اليمن تُعتبر في الحقيقة من أقدم الحضارات المأهولة في العالم، فهي تتواجد منذ مرحلة تسبق العصر الحجري بكثير، ونحن هنا نقصد بالتأكيد التواجد البشري، إذ أن مظاهر الحياة البشرية قد ظهرت قبل حوالي 20000 من الميلاد، وهذه المظاهر تتمثل في الزراعة والتجارة بكافة أشكالها، وإذا كنا فعلًا نُريد التأكد من هذا الزعم الذي أخرجه الألمان في القرن التاسع عشر بأن اليمن من أقدم الأراضي المأهولة في العالم فيكفي جدًا أن نتعرف على عدد الحضارات التي قامت في مرحلة التاريخ القديم الذي يسبق التأريخ الميلادي، حيث ظهرت مملكة حضرموت ومملكة معين ومملكة قتبان، ثم كانت المملكة الأهم والأكثر ذكرًا، وهي مملكة سبأ وما حدث بها وورد ذكره في القرآن بقصة النبي سليمان، وبالمناسبة، يقال كذلك أن النبي أيوب كان له وجود في هذه الدولة قديمًا، لكن بما أنه لم يتم التأكد من ذلك فلا يُمكن الجذم به.
مرحلة العصور الوسطى
العصور الوسطى وفترة بداية التأريخ الميلادي بشكل عام تُعد مرحلة دينية يمنية من الطراز الفريد، ففي هذه الفترة دخل اليمنيون المسيحية، وتحديدًا القرن الرابع الميلادي، لكن هذا الأمر لم يستمر طويلًا، إذ حلت اليهودية محل المسيحية، أو دعونا نقول إنها قد استعادت وضعها القديم، ففي الأساس كانت اليمن تدين باليهودية قبل قدوم المسيحية، لكن كل ذلك قد تطاير أمام الديانة الإسلامية، والتي عرفتها اليمن في القرن السابع الميلادي، وتحديدًا عام 630 على يد علي بن أبي طالب، حيث أرسل معاذ من جبل وقام بفتح اليمن ونشر الإسلام بها، وهناك انتشرت المساجد في كل مكان وباتت اليمن أحد المواقع المفضلة للخلافة الإسلامية مع اختلاف أشكالها وأسمائها لاحقًا.
العصور الوسطى شهدت كذلك قيام أكثر من دولة إسلامية في دولة اليمن مثل الدولة اليزيدية والدولة الظاهرية والرسولية وغيرها الكثيرين، ثم في فترة من الفترات، وقبل بداية العصر الحديث، بدأت تظهر في اليمن دولة الأيوبيين، والتي كانت في طريقها للسيطرة لولا الأزمات التي عصفت بالمنطقة كقدوم المغول وسيطرة المماليك، بعد ذلك مرت اليمن بفترة أخرى تُعتبر فاصلة تمامًا، وهي الفترة التي أعقبت نهاية مرحلة العصور الوسطى.
مرحلة العثمانيين والإنجليز
المرحلة الجديدة من حياة اليمنيين بدأت بقدوم العثمانيين، وذلك عام 1538 ميلاديًا، حيث دخل الأتراك اليمن بثمانين ألف جندي بقي منهم سبعة آلاف فقط تمكنوا من السيطرة تمامًا عليها، ويُمكننا الجذب بأن اليمن كانت في طريقها فعلًا للتحول إلى دولة عثمانية مئة بالمئة، وذلك تبعًا للفترة الطويلة التي قضتها الخلافة العثمانية بها والتي تمتد إلى أكثر من ثلاثة قرون تخللها فترات كثيرة من القوة وفترات أكثر من الضعف، ذلك الضعف الذي قاد في نهاية عام 1839 إلى إسقاط هذه الدولة على يد الإنجليز، والتي سيطرت على الدولة فترة طويلة كذلك تخللها العديد من المحاولات التركية لاستعادة ملكيتهم وكذلك مقاومة الشعب اليمني للمحتل الإنجليزي الذي كان يتفنن في عقد الصفقات مع مشايخ عدن والقبائل، على العموم، عام 1967، انتهى هذا الاحتلال تمامًا وظهرت اليمن الحديثة على الساحة.
العصر الحديث
إذا كان العصر الحديث يبدأ نظريًا من خروج البريطانيين عام 1967 فيُمكن القول ببساطة أن دولة اليمن الحديثة لم تكن أبدًا على حسب التوقعات خلال هذا العصر، فقد بدأ الأمر أولًا بانقسام اليمن إلى جزأين، كل جزء له حاكم ونظام خاص، بعد ذلك جاءت الوحدة المتأخرة والمتبوعة بالكثير من الصراعات التي أثرت سلبًا بالتأكيد على المستوى الاقتصادي، حيث انهارت العملة اليمنية تمامًا، وهي الريال اليمني، كما انهارت قطاعات كثيرة في الدولة، حتى جاءت الألفية الثالثة، وتحديدًا بداية العقد الثاني منها، والذي شهد صراعات واعتراضات مسلحة أدخلت البلاد في دوامة كبرى لا تزال مستمرة حتى وقتنا الحالي.
الثقافة
بكل تأكيد الثقافة جزء غاية الأهمية في الحديث عن أي دولة، وبالتأكيد ليس المقصود بالثقافة المعنى السطحي لها كالأدب والشعر والعلم، بل هذا جزء منها، لكنها في الحقيقة تشمل العديد من الأجزاء التي تُعطي في النهاية الصورة الكاملة.
المطبخ
بالطبع المطبخ اليمني ساهم في تشكيل جزء كبير جدًا من هوية هذه الدولة، والحقيقة أن المطبخ اليمني من المعروف عنه امتلاكه لعدد كبير جدًا من الأطباق التي أغلبها مشهور جدًا مثل السلتة والجلمة والعقدة والهريس، أما المشروبات فأهمها الشاي العدني، وقد ساهمت مثل هذه الأطباق أو الوجبات في إعطاء صورة مختلفة للثقافة اليمنية والهوية بشكل عام.
الرياضة
أيضًا من الأشياء الهامة للغاية التي تُسهم في نهاية المطاف بعملية تشكيل الهوية الرياضة، حيث تحظى الرياضة في اليمن باهتمام كبير على الرغم من كونها في النهاية لا تُعطي نفس المردود المقابل للمجهود، فمثلًا ثمة العديد من الملاعب والرياضين اليمنيين الذين يمارسون كرة القدم، لكن لا يُمكننا الوقوف حول إنجاز يمني في هذا المجال أو الإشارة إلى فريق يمني شهير على المستوى الأسيوي على الأقل، بخلاف فريق أهلي صنعاء طبعًا، أيضًا المساحات الكبيرة في اليمن منحت الجميع فرصة لممارسة رياضات مثل التسلق والفروسية، وهي رياضات تتقدم فيها اليمن بصورة معقولة.
العمارة
كذلك العمارة اليمنية تُمثل في نهاية المطاف جزء كبير للغاية من الثقافة الكلية لهذه الدولة، فقد تتابعت على دولة اليمن العديد من الحضارات، وكان لهذه الحضارات العديد من الإنجازات في صورة معمار، سواء ديني كالمساجد والكنائس أو غير ديني كالقصور والقلاع، كذلك من ضمن الأشياء المبهرة في العمارة اليمنية كون أغلب هذه العمارة تستخدم الطين، وبالطبع شيء مبهر جدًا أن تصمد أبنية من الطين آلاف السنين، ناهيكم عن الأبنية المكونة من ستة طوابق ومنحوتة في قلب الصخور أو مكونة من الطين كذلك، في النهاية هي جزء أصيل جدًا من الهوية اليمنية الثقافية.
الأزياء
عند الحديث عن الهوية الثقافية لأي دولة في العالم فبكل تأكيد سوف تدخل الأزياء ضمن هذه التشكيلة، فقد كان الرجال يرتدون رداء رئيسي يُعرف باسم الزنة ويضعون في جانبيه الجنابي وعلى الرأس يُمكن وضع العمائم، مع دخول المعطف الجلدي في الآونة الأخيرة، أما فيما يتعلق بالنساء فعلى الأرجح لم يكن الزي الأسود الحالي موجود من قبل بسبب عدم دخول اللون الأسود ضمن المكونات الأساسية لليمن، فقط كان يتم الاعتماد على المجوهرات بشكل رئيسي وكان التزين بشكل عام نوع من أنواع الثبات في ملابس النساء، أما الوقت الحالي فالنساء في القبائل لا ترتدي سوى الملابس السوداء والنقاب.
الأدب
الجزء الأهم والأبرز في الهوية الثقافية لأي دولة هو ذلك الجزء المتعلق بالأدب، والأدب هنا يقصد به الشعر والروايات والقصص، والحقيقة أن اليمن لطالما برعت في هذا المجال وكان فيها الكثير من العظماء أمثال أبو محمد الهمداني ووهب اليهودي، فهؤلاء تفننوا في كتابة القصص اليمنية القديمة وحكاية التراث الشعبي لكن بصورة أسطورية منحته بعدًا آخر وجعلته أكثر قابلية للخلود، أما العصر الحديث فبلا شك أشهر الشعراء أو الأدب الذين مروا به الشاعر عبد الله البردوني، فهو الذي قاد النهضة الأدبية الحديثة وتمكن خلال فترة قصيرة تأسيس قاعدة كبيرة من محبي الشعر والأدب وكذلك مدرسة خاصة به.
الفن
يُمثل الفن كذلك جانبًا غاية الأهمية في الثقافة اليمنية، والحقيقة أن الفن اليمني لا يستحق أبدًا الحديث عنه بصورة إجمالية أو التطرق لمناطق معينة منه، بل يجب تناوله في كامل الصور المتاحة عنه، وأهم هذه الصور الرقص.
الرقص الشعبي
يُعتبر الرقص، وخاصةً الرقص الشعبي، من أكثر الفنون التي تبرع فيها دولة اليمن، فقد تجد عزيزي السائح بعض الناس يرقصون في دولة والبعض الآخر لا يرقص، وقد تجد دولة تكثر بها نسبة الراقصين ودولة أخرى تقل بها النسبة، إلا أن دولة اليمن تأتي لتتميز بكون الجميع فيها يُحب الرقص ويجيده، وخاصةً رقصة البرع، وهي الرقصة الشعبية الأولى هناك، حيث أنها لا تتم إلا من خلال وضع الخنجر في الجانب والرقص في جماعات على موسيقى ذات إيقاع سريع تُشبه كثيرًا موسيقى الحرب، أيضًا تتميز هذه الرقصة بكونها لا تتم إلا في جماعات، الجماعة الواحدة لا تقل عن خمسين شخص، ولن نكون مبالغين إذا قلنا أن الطفل اليمني يتعلم الرقص مع تعلمه الكلام!
السينما والتلفزيون
إذا افترضنا أن السينما يُمكن توزيعها على مراحل، فإنها ستكون في دولة اليمن لا تزال قابعة في المرحلة الأولى، وكذلك الحال بالنسبة للتلفزيون، حيث أن السينما هناك لم تظهر بالصور المثالية إلا في السنوات الأخيرة، وذلك استنادًا على وجود حوالي خمسين دور عرض في جميع محافظات اليمن، كذلك الأفلام التي يتم إنتاجها ليست على المستوى المطلوب من حيث الجودة، إذ أن أغلبها عبارة عن أفلام بتكلفة صغيرة، لكن مثلًا في الخمس سنوات الأخيرة دخل فيلم يمني ضمن القائمة الأخيرة لجائزة الأوسكار بينما فازت أحد الأعمال السينمائية اليمنية كذلك بجائزة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وهذه مؤشرات غاية الأهمية بالطبع تقول إننا مقدمون على نهضة ربما تتعرقل قليلًا فقط بسبب الهجمات الإرهابية، أما فيما يتعلق بنشاط التلفزيون فالمسلسلات اليمنية لا يُمكنها حتى سد احتياجات المشاهد اليمني نفسه، وهي في الحقيقة معضلة كبيرة.
المسرح والموسيقى
من الغريب جدًا بالنسبة للبعض أن يتم وضع المسرح والموسيقى في خانة واحدة لكونهما مجالين متباعدين ومختلفين عن بعضهما تمامًا لكن ربما درجة التميز التي يحظى بها هذين المجالين تجعلها معادلة قابلة للتنفيذ، فاليمن تهتم منذ القِدم بوجود عدد كبير من المسارح التي منها ما هو شعبي ومنها كذلك ما هو غير شعبي، أيضًا ثمة وجود للأعمال العالمية ومهرجانات مخصصة فقط من أجل المسرح، بينما الموسيقى كانت ولا تزال ثرية لدرجة أن منظمة اليونسكو تعتبر الموسيقى في اليمن شيء أثري من التراث ويجب المحافظة عليه، أخيرًا فيما يتعلق بنهضة هذا المجال فهو يرجع إلى وجود عدد كبير من الملحنين وكذلك عدد وافر من المغنيين والموسيقيين، ومنهم أبو بكر سالم وأحمد فتحي ومحمد مرشد ناجي.