إيران - التاريخ والثقافة

إيران في العصور القديمة

يقول المؤرخون أن أول تواجد بشري في الأراضي الإيرانية كان في العصر الحجري القديم السفلي وهذا العصر يبدأ من ثلاثة ملايين سنة قبل الميلاد وحتى مليون وثماني مائة سنة قبل الميلاد، ويستند المؤرخون في كلامهم هذا على القطع الأثرية التي عثر عليها في إيران وخاصة في منطقة زاغروس ورواسي، فهما يعدان أول المناطق التي سُكنت في إيران، ومع مرور الوقت أصبحت إيران في العصر البرونزي موطنًا لحضارة عيلام وبعض الحضارات الأخرى، واستمرت هذه الحضارة حتى عام خمسمائة وخمسين قبل الميلاد وتمكنت في تلك الفترة من تطوير إيران قدر المستطاع، وأبرز ما طور فيها هي الكتابة التي كانت تسير جنبًا إلى جنب مع الكتابة السومرية في العراق، ولكن في عام خمسمائة وخمسين قبل الميلاد تمكن كورش الأكبر من تأسيس الإمبراطورية الأخمينية في إيران.

وبعد تمكين الحكم الأخميني في البلاد قام الإمبراطور سيروس ومن أتى بعده بتوسيع رقعة الإمبراطورية كثيرًا حتى صنفت كأول إمبراطورية عالمية على الأرض، فقد أستطاع هؤلاء الإمبراطوريين بمد حكمهم إلى مناطق عديدة شملت المملكة العربية السعودية وعمان والأردن وسوريا والعراق ولبنان وفلسطين والكويت والإمارات العربية المتحدة ومصر وليبيا، وبجانب ذلك فقد تمكنوا من ضم تركيا وأذربيجان وجورجيا وباكستان وأفغانستان ومقدونيا وتراقيا وأرمينيا، ومع مرور الوقت لم تخضع اليونان وحضارتها العريقة لهذا الاحتلال الفارسي، فقامت العديد من الحروب فيما بينهم حتى تمكن الإسكندر الأكبر من هزيمة الفرس في معركة اسوس عام ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين قبل الميلاد، وبقيت إيران تابعة للإسكندر الأكبر حتى مات وتم تقسيم أملاكه بين أكبر قادته وكانت إيران من نصيب سلوقس الأول مؤسس الدولة السلوقية الهلنستية.

ولم تمضي عدة قرون حتى ظهرت الإمبراطورية الساسانية وهي دولة الفرس الثانية، وقد ظهرت تحديدًا في قلب إيران وبدأت في التوسع حتى أصبحت تضاهي الروم البيزنطيون في المنطقة، ودخلوا في حروب كثيرة تخطت حاجز الخمسمائة عام كان النصر فيها سجالًا بين الفريقين، وكان المستفيد الأول من كل هذه الحروب والصراعات بين الفرس والروم هم المسلمين الذين ظهروا فجأة وقضوا على تواجد هاتين القوتين في قارة آسيا.

إيران بعد الفتح الإسلامي

دخل المسلمون في حروب عديدة مع الفرس والروم كان النصر في أغلبها للجيوش الإسلامية حتى فتحوا معظم أراضي قارة آسيا، وكانت إيران حاضرة الفرس هي إحدى الدول المفتوحة من قبل المسلمين، فقد تمكن المسلمين من فتح إيران في القرن السابع الميلادي بعد خوض العديد من الحروب العنيفة، وبعد الفتح الإسلامي ظل الإيرانيون ممنوعين من المشاركة في الجيش والحياة السياسية ولكن مع نهاية الدولة الأموية ازدادت قوتهم وكانوا أحد أهم أسباب سقوط الأمويين، فقد ساعد الفرس العباسيين في وصولهم للحكم بقوة السلاح وذلك بعد تكوين جيش المتمردين والذي كان بقيادة الإيراني أبو مسلم الخرساني، وكان أغلب الجيش من الفرس الموالي الذين لا يريدون الدولة الأموية في الحكم، وبالفعل قد وصل العباسيون إلى سدة الحكم وتعاون معهم الفرس وقدرتهم الدولة كثيرًا ولكن مع ضعف العباسيين بدأ الإيرانيون في النظر إلى حالهم.

حيث قامت بعض الممالك في إيران مثل الطاهرين والسامانيين والبويهيين وغيرهم، وهذا من شأنه كان في مصلحة الفرس حيث أنهم أصبحوا جنبًا إلى جنب مع العرب، وفي الوقت الذي ازدهرت فيه الثقافة والأدب بالدولة الإسلامية الكبيرة كان الفرس أساس هذا الازدهار، وخير شاهد على ذلك هو أن ابن سينا والبيروني والطوسي هم من أصل إيراني فارسي، ومع مرور الوقت تمكنت الحركة الشعوبية من فرض أراءها في الدولة الإيرانية وهذا ما جعل إيران ترفض رفضًا قاطعًا أن يتم تعريبها، فالشعوبية كانت تسعى إلى رفع السيطرة العربية على الفرس وترى أنه لا فضل للعرب على الفرس ويجب الاستقلال عنهم.

وهذا ما أدى إلى ظهور العديد من الدول أشهرهم الدولة الخوارزمية التي دُكت حصونها في أواخر الربع الأول من القرن الثالث عشر، حيث قام المغول بشن هجوم كاسح وجامح على كل الأراضي الإسلامية وكانت إيران هي أول الطريق إلى المسلمين فتم القضاء على أغلب شعبها بشكل وحشي، لدرجة أن أعداد سكانها حتى منتصف القرن العشرين لم تصل إلى ما كانت عليه قبل مرور جنكيز خان على أراضيها.

إيران بعد تأسيس السلالات

ظل المغول في إيران لمدة ثلاثة قرون تقريبًا حتى تمكن إسماعيل شاه الصفوي من تأسيس السلالة الصفوية في إيران، وقد قام هذا الشاه بتوسيع ملكه لكي يعم أرجاء بلاد فارس فبدأ بدولة أذربيجان وانتهى بضم كل ما هو قريب منه، وقد تسلم إسماعيل شاه الدولة وهي تعتنق المذهب السني الإسلامي ولكن ما لبث أن قام بتحويلها بالقوة إلى المذهب الشيعي، وبعدها دخل في حروب عديدة مع الدولة العثمانية القوية في تلك الفترة كان النصر فيها للعثمانيين بشكل شبه دائم، ولكن مع وصول الشاه الصفوي عباس الأول للحكم تغيرت الأمور كثيرًا وأصبح لدى الفرس قوة كبيرة لا يستهان بها، ومع كل هذه القوة لم تأت الضربة المسقطة للصفويين من الخارج بل من الداخل، حيث قام البشتون المتمردين بمهاجمة الصفويين من قلب الدولة وتمكنوا من محاصرة أصفهان والقضاء على الشاه حسين الصفوي حاكم الفرس.

وقد حدث ذلك في العام الثاني والعشرين من القرن الثامن عشر وهو عام بداية السلالة البشتونية، ولكن لم تستمر هذه السلالة كثيرًا حيث قام نادر شاه الزعيم الخرساني بشن هجوم مفاجئ على البشتونيين كان النصر فيها من نصيب نادر شاه، والذي تمكنت الدولة الفارسية في عهده من الوصول إلى أقصى اتساع لها منذ نهاية الدولة الساسانية، ومع مرور الوقت واتساع رقعة الدولة الإيرانية حتى أنها وصلت للهند الكبيرة وتعاقب بعض الحكام، حدثت حرب أهلية انتهت بتأسيس سلالة جديدة تحت مسمى سلالة قاجار، وكان أول حكامها هو الأغا محمد خان الذي وصل إلى سدة الحكم في العام الرابع والتسعين من القرن الثامن عشر، ولم تكن هذه السلالة أفضل من قبلها حيث دخلت في كثير من الحروب مع الروس أسفرت عن حدوث مجاعة كبيرة، مات في تلك المجاعة أكثر من مليون ونصف إيراني أي حوالي ربع شعب فارس، وتبعت هذه المجاعة سلسلة من الغارات الروسية والبريطانية على الأراضي الإيرانية، تسببت في فقدان أجزاء كبيرة من الأراضي الفارسية لمصلحة الروس والبريطانيون.

إيران بعد الثورة الإسلامية

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى تمكنت إيران من استرجاع أراضيها كلها في العام الواحد والعشرين من القرن العشرين، ولم تمضي سوى بضع وستين عام حتى حدثت الثورة الإسلامية الكبرى في الأراضي الإيرانية، وقد أضطر الشاه الإيراني محمد رضا بهلوي إلى الهروب خارج حدود الدولة في يناير من عام 1979، ومع هروب الشاه محمد رضا بهلوي عاد آية الله روح الله الخميني قائد الثورة الإسلامية والذي كان منفي من قبل شاه الدولة، وبالرغم من حدوث عدة انتفاضات ثورية في بعض الأماكن التابعة للحكم الإيراني مثل كردستان وبلوشستان وخوزستان إلا أن جميعها انتهى بدون أي تغيير يذكر، وتم إنشاء دولة إسلامية جديدة وذلك في أبريل من نفس العام، وحاول الشعب الإيراني استرجاع الشاه محمد رضا بهلوي لمحاكمته محاكمة عادلة إلا أنه لم يوافق على ذلك ولم تستجب الولايات المتحدة الأمريكية لذلك أيضًا.

فكان رد فعل الشعب الإيراني هو مهاجمة السفارة الأمريكية واحتجاز كل موظفيها كرهائن حتى يتم تسليم الشاه، ومع كثير من المفاوضات انتهت الأزمة في عام 1981 بإطلاق صراح المحتجزين، وقبل ذلك وفي أثناء تلك المعمعة بإيران قام الرئيس العراقي صدام حسين بحركة فجائية الهدف منها أخذ الأراضي التي كان ينادي بها العراقيون مسبقًا، حيث شن حسين هجوم كاسح في الثاني والعشرين من سبتمبر عام 1980 أسفر عن احتلال خوزستان إيران وبعض المناطق التي تليها داخل الأراضي الإيرانية، فقد تقدم الجيش العراقي داخل إيران لمدة عامين فقط ولكنه تراجع سريعًا لعدم مقدرته على صد الدفاع الإيراني الذي قُلب كهجوم سريع، وبعدها قامت القوات العسكرية الإيرانية بإرجاع الجيش العراقي رغمًا عنه وحولت الحرب إلى صالحها، وانتهت هذه الحرب في العام الثامن والثمانين من القرن العشرين بعد إجراء اجتماع في الأمم المتحدة انتهى بهدنة بين الطرفين.

وبعدما هدأت الأوضاع قامت الحكومة الإيرانية بمحاولة تحسين أحوال البلاد فاهتمت بالصناعة والتعدين، وما ساعدها على ذلك هو النفط الكامن في الأراضي الإيرانية حيث أن إيران رابع دولة بالعالم تمتلك مخزون مؤكد من النفط، وتعد ثاني أكبر دولة تمتلك مخزون غاز طبيعي في العالم، وبالرغم من ذلك لم تهدأ الأوضاع من الناحية السياسية إلا بعد تولي الرئيس حسن روحاني في عام 2013 حكم البلاد، حيث عمل هذا الرئيس على كسب الدول المجاورة لصالحه وخاصة روسيا ثاني أقوى دولة بالعالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية.

الأدب والفن في إيران

إذا قسمنا أدب العالم أجمع إلى مربع سيأخذ الأدب الإيراني الفارسي ربع هذا المربع، وذلك بسبب شهرته الكبيرة منذ القدم فقد ظهر على الساحة الكثير من الأدباء الفارسيين وخاصة في مجال الشعر، وأبرز شعراء إيران في العصور الوسطى هم الرومي وحافظ وعمر خيام وفردوسي وقانجافي وسعدي شيرازي ونيزامي وغيرهم، أما عن الفن في إيران فقد شمل العديد من المجالات مثل الرسم والخط والفن والنحت والتمثيل والهندسة المعمارية وصناعة الفخار والنسيج، ويعتبر الفن الإيراني هو واحد من الفنون ذات الطابع المميز والفريد من نوعه في العالم، ولذا فقد ذاعت شهرته كثيرًا في قارتي آسيا وأوروبا.