هولندا - التاريخ والثقافة

مما لا شك في أن التاريخ والثقافة لدولة هامة وكُبرى مثل هولندا أشياء في غاية الأهمية، فالتاريخ هو الذي يصنع الدولة، والثقافة والهوية هما ما يُحافظان على بقاء هذه الدولة، ولولا أن هولندا تمتلك تاريخًا قويًا للغاية وثقافة لا بأس بها لما كانت بنفس درجة الأهمية التي تتواجد عليها الآن بلا أدنى شك، عمومًا في السطور القليلة المُقبلة سوف نُظهر لكم المعنى الأقوى لهذا الحديث من خلال المرور السريع الخاطف على تاريخ وثقافة هولندا وسنجعلكم تدركون بأنفسكم كيف أثر هذين العنصرين على الوجود الحالي لهذه الدولة الكبرى، والبداية بلا شك ستكون مع التاريخ، فما الذي يتعلق به؟

هولندا والتاريخ

تاريخ دولة هولندا زاخر بالأحداث والمواقف الكبرى التي تحتاج إلى أدلة كاملة للتحدث عنها، لكن مع اتباع مبدأ الاستعراض السريع يُمكننا القول إن تغير جغرافيا المنطقة التي تتواجد فيها هولندا أدى بشكل مباشر إلى تواجدها، متى حدث ذلك؟ على الأرجح قبل خمسمائة عام، أما الإنسان فقد عرف طريق إلى الأراضي الهولندية قبل حوالي مئتين وخمسين ألف عام، والدليل على ذلك أنه قد عُثر قبل حوالي قرن من الزمن على رفات هذا الإنسان، ويُتابع التاريخ رحلته في هولندا مُقرًا بأن العصر الجليدي كان العصر الأول الذي شهد وجود حياة حقيقية يُمكن وصفها بالبشرية، ففي هذا العصر توافد إنسان عصر ما قبل التاريخ على هولندا وبدأ يتأقلم على العيش بهذا المكان، أما عن الحكم في هولندا فقد مر بسنة الحياة التي نعرفها جميعًا، فلم يبدأ حكمًا ذاتيًا تابع للهولنديين أنفسهم، وإنما تلك القبائل التي جاءت من عصر ما قبل التاريخ، ثم جاء الرومان وأخذوا دورتهم في الحكم حتى جاء القرن الخامس عشر وشهد البداية الفعلية للحكم الذاتي للهولنديين، أو تحديدًا إقامة ما يُعرف بالجمهورية الهولندية الأولى.

الملامح التي تركها ذلك التاريخ الطويل لهولندا تتمثل بدايةً في قدر كبير من العظمة فيما يتعلق بعالم البحار، حيث أن التاريخ يقول إن السكان الأوائل لهذه الدولة كانوا في الأصل مجموعة من الصيادين، بل الأهم من ذلك أنه قد تم العثور على أحد أقدم القوارب الموجودة في العالم داخل هولندا، أما تأثير هذه الأرض على البقية فقد تمثل في اكتشافها لبعض الدول الأخرى من خلال رحلات الإبحار التي انطلقت من هولندا، لكن أهم على الإطلاق هو اكتشاف البرتغال، عمومًا، هذا فيما يتعلق بالتاريخ إجمالًا، والآن ماذا عن الثقافة؟ هذا هو السؤال الذي تحمل السطور القادمة إجابته.

هولندا والثقافة

على مدار تاريخ هولندا كانت هناك حركة تقدمية كبيرة في مجال الثقافة، لكن النقلة الحقيقية كانت في القرن السابع عشر، حيث أنه في هذه الفترة ظهر الكثير من الكتاب والأدباء، وعلى رأسهم الكاتب فان دان فوندل الذي كان له العديد من المؤلفات الهامة في التاريخ الهولندي، أضف إلى ذلك المفكر والرسام فان جوخ، والذي يُعتبر الأشهر في مجاله حتى الآن، وكذلك كان لهولندا نصيب من الفلاسفة وفقهاء القانون والعلماء، وفيما يتعلق بالعلماء يُمكننا أن نذكر مثلًا أنطوني فان، وهو عالم هولندي شهير تمكن من اكتشاف الكائنات وحيدة الخلية مُستخدمًا في ذلك أجهزة حديثة، وقد كان هذا الاكتشاف أشبه باكتشاف في هذا المجال، حتى القرن العشرين كان شاهدًا أيضًا على نبوغ مجموعة من الكتاب الهولنديين الذين قادوا حركة النهضة الثقافية في أوروبا بالكامل وليس فقط هولندا، والواقع أن الهدوء الذي تنعم بها هذه البلد هو السبب الأهم في نبوغ الكثير من النماذج الثقافية على مدار تاريخها، لكن كيف تم استثمار هؤلاء يا تُرى؟

في أحد الملاهي اليابانية تم إقامة نماذج صغيرة للمباني الهولندية التي تضم بداخلها تعاريف كثيرة بالثقافة الهولندية، وقد تكرر هذا الأمر في الكثير من الدول الأوروبية والأسيوية، أضف إلى ذلك المعارض الدولية التي تُقام بشكل دوري هولندا، أو على الأقل تتم إقامتها في مناطق ودول أخرى وتكون هولندا هي الراعية لها اعترافًا بفضل هذه البلد على الثقافة، بل ويُمكن القول أنه ثمة الكثير من المعالم الثقافية الموجودة داخل هولندا وتُرسخ بشدة لفترة النهضة الثقافية التي مرت بها البلاد، لكن الثقافة دائمًا ما تحتاج إلى شِقها الآخر المُكمل لها، وهو الفن، فماذا عن الفن الهولندي يا تُرى؟

هولندا والفن

الفن في هولندا له أُسس وجذور طويلة تمتد لقرون بعيدة، يكفي أن نقول لكم أن أشهر الفنانين في العالم، وهو فان جوخ، هو في الأصل فنان هولندي، ويُمكن القول أصلًا أنه ثمرة الفن الهولندي، وقد تم استثمار ذلك من خلال إنشاء بعض المتاحف الذي تحمل اسم هذا الفنان وتضم أعماله، ولمن لا يعرف، كان فان جوخ الأفضل على الإطلاق في مجال الرسم، وربما لا يزال كذلك حتى الآن، فاللوحات التي رسمها ما زالت تُعامل على أنها قطع أثرية لا وجود لمثيل لها، ناهيكم عن أسعارها الكبيرة للغاية والجنونية، بيد أن الفن بالتأكيد لا يتعلق بالرسم فقط، فهو مجرد نوع من أنواع الفن، فهناك أيضًا فن السينما الذي تبرع فيه هذه البلد وتُنتج أفلامًا ذات قيمة كبرى تُنافس على أكبر الجوائز الأوروبية والعالمية، وهي بالتأكيد ليست أفلام تجارية نمطية مثلما يتواجد في الهند أو الولايات المتحدة الأمريكية مثلًا، وأيضًا المسرح من الفنون التي تجيدها هولندا وتبرع فيها، والدليل على ذلك وجود مجموعة من المسارح التي تعرض أكبر المسرحيات وتضم نجوم الصف الأول بهذا المجال، وطبعًا الجميع يعرف أنه من الصعب الآن وجود من يهتم بالمسرح.

الدليل الأكبر على قوة الفن في هولندا والاهتمام الشديد به هو مهرجان الفنون الذي يُقام في شهر يونيو من كل عام، فهذا المهرجان حرفيًا يُعتبر الحدث الأبرز في الفن على مستوى قارة أوروبا بالكامل وليس فقط في هولندا، ولمن لا يعرف فإن هذا المجال يفتح أبوابه أمام أكثر من خمسين دولة للتسابق في كل المجالات التي تمتلك صلة بالفنون، ونحن هنا نتحدث عن السينما والمسرح والرسم والنحت، وكل شيء يُمكن أن يأتي في أذهانكم، والواقع أن المهرجان يحظى بدعم كبير من الدولة وإقبال أكبر من المشاركين، والذين يزيدون كل عام للدلالة أكبر على نجاح المهرجان، والسؤال الآن، هل هناك دليل أكبر من ذلك على نجاح الفن في هولندا وقوته الكُبرى التي تُنافس الفن الإنجليزي والفرنسي؟

بالتأكيد أثناء مرورنا السريع على ثقافة وتاريخ وفن هولندا لم نستطع من إعطاء هذا الأمر حقه، خاصةً وأن التاريخ الهولندي شاهد على الكثير من الحقب المُثمرة، لكن كما ذكرنا، نحن نمنحك فكرة فقط، فأنت، وللأمانة الشديدة، عندما تُقرر السفر إلى هولندا لن تُدقق كثيرًا في معرفة تاريخها بالكامل، يكفي المرور سريعًا تمامًا مثلما فعلنا الآن.