عليك أن تعلم عزيزي القارئ أن جميع دول قارتي أوروبا وآسيا مروا بالكثير من الحداث التاريخية على مدار العصور التي مضت، فلن تخلو دولة كبيرة أو صغيرة مهما كانت مساحتها وتعداد سكانها من الكثير من التغيرات التاريخية والجغرافية، ولدينا هنا دولة ليختنشتاين التي يحدها من الشرق دولة النمسا، ومن الغرب والجنوب دولة سويسرا، وتعد هذه الدولة هي أصغر دولة تتحدث اللغة الألمانية في العالم، وبالرغم من كل ذلك فهي تصنف كثاني دولة في العالم من حيث إجمالي دخل الفرد، وتصنف أيضًا كأقل دولة في العالم من حيث الدين الخارجي والداخلي، وأيضًا تعد ثاني أدنى دول العالم من حيث معدل البطالة بعد دولة موناكو، كل هذا وأكثر يبين لك أن تلك الدولة تستغل مواردها الطبيعية والبشرية أحسن استغلال، فبالرغم من صغر مساحتها وقلة تعداد سكانها إلا أنها تعد أحد أكبر الدول نجاحًا في العالم.
تاريخ دولة ليختنشتاين
تقع دولة ليختنشتاين بين دولتين وهما النمسا من الشرق وسويسرا من الجنوب والغرب وتعد جميع أراضيها هي في جبال الألب، وهذا ما تنفرد به عن باقي دول جبال الألب التي تقع بعض أراضيها في جبال الألب والباقي في أجزاء أخرى، ولذا لم يكن موقع دولة ليختنشتاين مؤثرًا بالشكل المطلوب فكانت عبارة عن أراضي صالحة للسكن فقط، ولا توجد لها أي أهمية في التاريخ فلم تكن موطن نزاع ولا ذات موقع جغرافي هام يتحكم في بحر أو نهر أو أي شيء، ولكنها كانت تتبع الإمبراطورية الرومانية العتيقة كجزء من أراضيها الكبيرة، وكان يشرف عليها رجال من السلطة الحاكمة الرومانية فلم تحاول ولو لمرة أن تخرج بثورة مسلحة أو سلمية للاستقلال عن الدولة الرومانية، فشعب ليختنشتاين كان يأكل ويشرب ويعمل فقط ولا يفكر في أمور سياسية، ومع مرور الوقت حكم إمارة ليختنشتاين إحدى الأسر النبيلة في دولة ألمانيا، وكانت هذه الأسرة هي الأغنى في ألمانيا ولذا تمكنت من شراء مقاطعتي ويدز وشولنبركر، الأخيرة كانت في عام 1699 وويدز كانت في عام 1712 وبعد مرور ستة أعوام تقريبًا قامت هذه الأسرة بتغيير أسماء تلك المقاطعات إلى ليختنشتاين.
وهو الاسم الذي تسمى به أراضي الدولة حتى ذلك الوقت، ويقول المؤرخون أن نفس الاسم كان لقب تلك الأسرة الحاكمة، ومع مرور الوقت وانتهاء الإمبراطورية العتيقة وتخبط ليختنشتاين بعض الوقت قررت أن تتبع دولة النمسا، وبالفعل ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بالنمسا حتى نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1918، ثم انفصلت عنها وحولت وجهتها إلى التبعية لدولة سويسرا القوية اقتصاديًا وذلك نظرًا لضعف ليختنشتاين اقتصاديًا وحاجتها الماسة إلى المال في ذلك الوقت، فاستمرت تابعة لسويسرا لمدة واحد وعشرين عام تقريبًا وانفصلت عنها فور بدأ الحرب العالمية الثانية، ومنذ ذلك التاريخ وقفت دولة ليختنشتاين على الحياد بين دولتي سويسرا والنمسا واستمرت هكذا حتى يومنا هذا، ولكن ليختنشتاين ما زالت محتفظة إلى الآن بالفرنك السويسري كعملة رسمية لها، وبالتالي فالعلاقات بين الدولتين أشد عمقًا من العلاقة مع النمسا.
الجغرافيا
يشمل نهر الراين عدة دول رئيسية وهما ألمانيا وفرنسا وسويسرا وهولندا وليختنشتاين ولكنه بشكل خاص يعد الأكثر تأثيرًا في تاريخ دولة ألمانيا، أما عن دولة ليختنشتاين فهي تعتمد بشكل كبير على هذا النهر في عملية الري ومياه الشرب التي تنقى فيما بعد، ويقع النهر في الأجزاء الغربية من الدولة والباقي يرتفع شيئًا فشيء حتى يصل إلى أعمل قمة جبلية وهي تساوي ألفين وخمسمائة وتسعة وتسعين متر تحديدًا، وأيضًا تعتبر ليختنشتاين هي الدولة الوحيدة التي تقع جميع أراضيها بالكامل داخل محيط جبال الألب، هذا بالعكس عن باقي الدول الأخرى التي تقع بعض أجزاءها في جبال الألب والباقي خارج هذه الجبال، وهم دول فرنسا وموناكو وسلوفينيا وإيطاليا وسويسرا وألمانيا والنمسا، وتعد دولة ليختنشتاين هي دولة غير ساحلية بل داخلية تحدوها الدول من جميع الاتجاهات، ومساحتها مائة وستين كيلو متر مربع ولذا فهي ثالث أصغر دولة في قارة أوروبا.
وبذلك تكون ليختنشتاين هي من الدول ذات الموقع السيئ في العالم، ومن حظها الأسوأ هو أنها ذات رقعة جغرافية صغيرة وذات تعداد سكاني قليل، وبالرغم من أن كل الظروف ضدها إلا أنها نجحت في شتى مجالات الحياة وصارت من الدول الأعظم في العالم.
السكان واللغة والديانة
تعد دولة ليختنشتاين من الدول ذات التعداد السكني القليل للغاية فهي لا تتجاوز الأربعين ألف نسمة وهذا رقم ضئيل للغاية بالنسبة لدول العالم، فهي تعتبر رابع أصغر دولة في قارة أوروبا فالأولى هي الفاتيكان ثم تليها سان مارينو ثم موناكو وفي المركز الرابع تأتي دولة ليختنشتاين، والدولة تحتوي على مواطنين أصليين بنسبة تتجاوز الخمسة وتسعين بالمائة، وثلث هذه النسبة قد ولدوا خارج ليختنشتاين في ألمانيا أو سويسرا أو إيطاليا أو النمسا أو تركيا، ولكنهم يحملون الجنسية الليختنشتاينية ويعيشون في أراضي الدولة ويعدون ثلثي القوة العاملة في البلاد، أما عن اللغة فتعد اللغة الألمانية هي اللغة الرسمية في البلاد وتعتبر هذه الدولة هي أقل دولة من حيث عدد السكان تتحدث اللغة الألمانية في العالم، وإذا كنت تعرف اللغة الألمانية من قبل فسوف تندهش عند سماعك لتلك اللهجة التي يتحدث بها شعب ليختنشتاين، فهي مختلفة كثيرًا ولكنها تعود لأصول واحدة وتتشابه كثيرًا مع اللهجة الألمانية التي يتحدث بها شعب دول سويسرا والنمسا وفورارلبرغ.
أما عن الدين في دولة ليختنشتاين فتعد المسيحية الكاثوليكية هي الديانة والمذهب الرسمي في البلاد وهذا وفق دستور الدولة الموضوع من القرن العشرين، وتبلغ نسبة المعتنقين للمسيحية الكاثوليكية فيها حوالي خمسة وسبعين بالمائة تقريبًا، ويليهم البروتستانت بنسبة ثمانية بالمائة، والمسيحية الأرثوذكسية تبلغ اثنين بالمائة، والإسلام ينتشر هناك بنسبة ستة بالمائة، وباقي النسبة هي ديانات أخرى، وتحترم دولة ليختنشتاين جميع الديانات الموجودة سواء سماوية أو غيرها، وتقول بأن المصالح الدينية للشعب هي من واجبات وأولويات الحكومة ويجب حمايتها بشتى السبل.
الاقتصاد
كما قلنا من قبل تعتبر دولة ليختنشتاين هي من الدول الفقيرة في الموارد الطبيعية والبشرية إلا أن شعبها عمل يدًا بيد حتى صار من أرقى وأغنى الشعوب في العالم، فهذه الدولة لديها عدد شركات مسجلة أكثر من أعداد مواطنيها وهذا ما يندر تواجده في العالم، وليختنشتاين تعمل جنبًا لجنب مع جارتها سويسرا وما زالت إلى الآن تعمل بالفرنك السويسري كعملة رسمية لها، وتستورد الدولة أكثر من ثمانين بالمائة من حاجتها ولكنها لا تعاني من أي مشكلة في ذلك نظرًا لكثرة الأموال لدى الحكومة، وتعتمد ليختنشتاين يشكل رئيسي على الصناعة فهي تصنع الإلكترونيات، والمعادن، والمستحضرات الطبية لمستخدمة في الصيدليات، والمنسوجات، والأدوات الكهربائية، وغيرها من الصناعات الأخرى.