تاريخ لاتفيا
لاتفيا في القرون الوسطى
لم يحدث اندماج واتصال من قبل شعب دولة لاتفيا مع باقي المجتمع الأوروبي إلا في القرن الثاني عشر وذلك بعدما جاءت حملة التبشير المسيحية الكبيرة إلى تلك الدولة، ولم تلقى حملات التبشير أي قبول أو إذعان من قبل الشعب حتى أن الألمان قاموا بإرسال حملات صليبية لإدخالهم الديانة المسيحية طوعًا أو كرها بقوة السلاح، وذلك لأن شعب لاتفيا كان محب للوثنية ولا يريد أن يعتنق غيرها فكانت المعاندة هي منهاجه الدائم مع حملات التبشير، ولكن بعدما أتت قوة السلاح استكان الجميع ودخلوا للمسيحية مكونين مع إستونيا الجنوبية دولة صليبية كبيرة حملت اسم تيرا ماريانا، وفي نهاية القرن الثالث عشر وبداية الرابع عشر انضمت إليهم بعد الدويلات المجاورة مثل كوكنيسي وكيسيس وفالميرا وليمبازي، لتصبح بذلك رابطة صليبية كبرى في تلك المنطقة مكونين ب ذلك رابطة وصلة مع المجتمع الأوروبي الغربي.
لاتفيا قبيل مجيء الروس
أما عن تاريخ دولة لاتفيا قبل مجيء الإمبراطورية الروسية فهذه الفترة كانت تسمى بالحقبة الإصلاحية وهي تشمل ما بين القرن السادس عشر وحتى القرن الثامن عشر تقريبًا، وقد حدثت العديد من الإصلاحات في تلك الفترة ودخلت بعض الدول الأوروبية إلى لاتفيا وعملت على تطويرها وإصلاحها قدر المستطاع، فبعد أن انتهت الحرب الليفونية التي اشتعلت من الأساس بسبب الطمع في السيطرة على ليفونا من قبل الدول الأوروبية الكبيرة، وبالمناسبة فدولة ليفونا تلك كانت تضم لاتفيا وإستونيا وبعد هزيمتهم تقاسمت أراضيهم الدول المنتصرة في تلك الحرب، فأخذت ليتوانيا وبولندا أراضي لاتفيا بالتساوي فليتوانيا أخذت شمال لاتفيا وجنوب إستونيا مكونين بذلك دوكاتوس ألترادونينيسيس، أما الجزء المقابل من تلك الأراضي فكان من نصيب دولة بولندا الكبيرة، وفي بدايات القرن السابع عشر حدثت بعض الخلافات بين السويد وليتوانيا وبولندا وروسيا بسبب طمعهم في الاستيلاء على منطقة شرق بحر البلطيق.
كانت لاتفيا في تلك الصراعات والخلافات من نصيب دولة السويد ولكنها لم تحكمها بهدوء بسبب المناوشات التي جرت بينها وبين بولندا التي كانت تطمع في لاتفيا أيضًا، وانتهى الأمر بمعاهدة أجريت بين الدولتين عام 1629 وسميت ألتمارك، وعملت السويد على ضبط أحوال البلاد وإجراء الكثير من الإصلاحات فيها حتى أنها خففت كثيرًا من الرق أو القنانة، وخففت أيضًا من قوة وبأس الألمان الذين كانوا يعيشون في دول البلطيق، بجانب إنشاءها للعديد من المدارس المخصصة للفلاحين والفقراء.
لاتفيا بعد مجيء الروس
بعدما دخلت غرب لاتفيا في المذهب اللوثري وجنوبها المذهب الكاثوليكي وجمعتهم اللغة اللاتفية كلغة رسمية للبلاد تهيأ الوضع تمامًا لمجيء الروس إليهم، فدخلت الإمبراطورية الروسية إلى لاتفيا قرب انتهاء القرن الثامن عشر، وقد تم ذلك بعدما أتبع الإمبراطور الروسي بطرس أكبر سياحة الأرض المحروقة في منطقة بحر البلطيق، حيث كانت المنطقة مسرحًا للكثير من الحروب المدمرة والتي راح ضحيتها ما يقارب نصف سكان دولة لاتفيا، وبعدما هدئت الأوضاع واستكانت له الأمور اتبع نظام الإصلاح في الدولة، فألغيت العبودية وطرد الفلاحين من أراضيهم مما أدى إلى البحث عن فرص عمل جديدة وهذا أمر جيد، ثم في بداية القرن التاسع عشر أتيح للفلاحين استعادة أراضيهم مرة أخرى ومنهم من عاد للعمل بها، ثم نمت الطبقة البرجوازية اللاتفية ونمت روح القومية في قلوب الشباب وأصبحت لها زعامات قرروا التعاون مع السلاف ضد الألمان الذين سيطروا على كل شيء في الدولة وفق ما وعدهم به بطرس أكبر.
وبعدها قام الشعب بزيادة تداول اللغة اللاتفية فيما بينه وخاصة في الأدب والفن والشعر حتى عرفت تلك الحركة اللغوية باسم الصحوة الوطنية الأولى، ثم في النصف الثاني حاولت الإمبراطورية الروسية ترويس شعب لاتفيا ونجحت في ذلك لفترة من الوقت ولكنها لم تدم طويلًا، فقد حدث انفجار كبير من قبل الشعب ساخطين على سياسة الترويس وانتهت هذه الانتفاضة بالقضاء على سياسة الترويس في عام 1905.
لاتفيا في القرن العشرين
لم ينتهي الربع الأول من القرن العشرين إلا وحدثت فيه الحرب العالمية الأولى والتي تسببت بدمار أغلب أراضي لاتفيا مع الجزء الغربي من الإمبراطورية الروسية، وهذا ما أدى إلى وجود لاتفيا بشكل منفرد لتعلن استقلالها وتعيين كارليس أولمانيس كرئيس للحكومة، وقد أعلن هذا الاستقلال في عام 1918 ولكن الروس والألمان لم يذعنوا له وشكلوا حكومتين الأولى بقيادة بطرس ستوشكا الروسي والثانية بقيادة نيدرا الألماني، وقد انعقدت الجمعية التأسيسية المنتخبة الأولى في مايو عام 1920 وبعدها بعامين فقط تم وضع الدستور الليبرالي والذي مازال يعمل به إلى الآن، ولكن هذا الدستور قد علق في الفترة ما بين 1934 وحتى 1990 وهي التي حدث فيها الانقلاب الغير دموي من قبل رئيس الحكومة المؤقت كارليس أولمانيس، وعملت لاتفيا على تنشيط الزراعة وزيادة رقعة الأراضي المزروعة بها حتى ينمو الاقتصاد، ولكن ما لبث أن تغيرت الأوضاع بعد حدوث الحرب العالمية الثانية وتمكن روسيا من اجتياح أراضي لاتفيا وإخضاعها للسيطرة الكاملة من جديد.
فقامت الحكومة الروسية بتعطيل العمل باللغة اللاتفية في التعاملات الرسمية والحكومية وقصرها على التعامل الاجتماعي فقط، وأدخلت اللغة الروسية بجانب اللاتفية ثم أغلق جميع مدارس الأقليات الموجودة بها من بولندية وليتوانية ويهودية واستونية وغيرها، ومع كثرة الإصلاحات التي حدثت في الدولة إلا أن شعب لاتفيا لم يرضى بالخضوع للروس وقامت عدة ثورات وتدخلات انتهت بإعلان الاستقلال التام والنهائي في العقد الأخير من القرن العشرين.
الثقافة في دولة لاتفيا
نأتي هنا للحديث عن الثقافة في دولة لاتفيا وأهم ما يميز ثقافتها هو نجاحها في الفلكلور الشعبي والذي يرجع تاريخه في تلك الدولة إلى أكثر من عشرة قرون، وقد أنتجت لنا لاتفيا أكثر من مليون ومائتين وخمسين ألف نص فلكوري بجانب ثلاثين ألف لحن تابعين لتلك النصوص، وبجانب الفلكلور فقد أثر الألمان الذين سكنوا دول بحر البلطيق في الثقافة اللاتفية بشكل كبير حتى حدثوا وطوروا من أدبها وفنها، وأخرجوا لنا في النهاية مزيج من الثقاف الألمانية واللاتفية في شكل رائع لا نظير له، وأيضًا كان للمطبخ في لاتفيا شأن أخر فقد كان مميز للغاية ويشتهر بالأسماك المختلفة ذات الطعم الفريد، فكما نعلم جميعًا أن لاتفيا تقع على بحر البلطيق وهذا ما يعني اعتمادها في الطعام على الأسماك بشكل كبير، وبشكل عام يكثر المطبخ اللاتيفي من استخدام اللحوم مع المنتجات الزراعية مثل البطاطا والبصل والقمح والشعير والبازلاء والملفوف.
وأهم اللحوم المستخدمة في المطبخ هي لحوم الخنزير فشعب لاتفيا يحب الأطعمة الدهنية بشكل كبير، وقد كانت للدول الأوروبية التي احتلت لاتفيا أثر بالغ في المطبخ اللاتيفي ومازال هذا الأثر متواجد حتى وقتنا هذا.
الرياضة في لاتفيا
أما عن الرياضة في دولة لاتفيا فهي ترتكز بشك رئيسي على هوكي الجليد وهي تمارس على مساحة معينة من الجليد ويتنافس فيها فريقان من اللاعبين، وأشهر لاعبي الهوكي في لاتفيا هم هيلموت وكارليس وسانديس، ثم تأتي رياضة كرة السلة في المرتبة الثانية من حيث الممارسة والتداول داخل لاتفيا، وأشهر لاعبين كرة السلة من دولة لاتفيا هو اللاعب المحترف في الدوري الأمريكي اندريس، ثم تأتي بعد ذلك رياضة كرة القدم وركوب الدرجات والتنس والتزلج على الجليد، وقد شارك منتخب لاتفيا لكرة القدم في كأس الأمم الأوروبية للمرة الأولى له عام 2004.