تاريخ كرواتيا
في العصر الحديث انخرطت كرواتيا في صراعات الحربين العالميتين وأصبحت واحدة من الدول الصغيرة المنصاعة لأوامر الدولة النازية وتحولت دولة اشتراكية قبل التحالف مع النازيين وبعده أيضًا لتكوّن دولة يوغوسلافيا التي نشأت في سنة 1918 وانحلت في سنة 1920، وفي فترتي الانضمام كانت كرواتيا تابعة ليوغوسلافيا مع دول مجاورة والتي استقلت بالتتابع لتكون دول مستقلة وهي صربيا وسلوفينيا ومقدونيا والبوسنة والهرسك والجبل الأسود. وفي التسعينات بدأت كرواتيا بالخروج من العزلة التي فرضها نظام الحكم الاشتراكي وانفتحت أكثر على العالم الغربي خاصةً في الألفية الجديدة خاصةً في مجالات الفنون والسياحة مع دول غرب أوروبا والولايات المتحدة.
ظهرت كرواتيا كدولة أو دوقية في أواخر القرن السابع الميلادي ومن ثم أصبحت مملكة في القرن العاشر. بدايةً من القرن الثاني عشر ظلت دولة مستقلة تحت حكم حاكمها الخاص والبرلمان الخاص بها إلا أنها بشكل ما كانت موالية لحكم أباطرة للدول المجاورة مثل هنغاريا والنمسا. أما الحقبة التي تقع بين القرن الخامس والقرن السابع عشر فقد شهدت صراعات حادة ومهمة في تاريخ كرواتيا مثل الحرب مع الإمبراطورية العثمانية.
الأرض المعروفة باسم كرواتيا الآن كانت مأهولة بالسكان قبل حقب ما قبل التاريخ، وقد وجدت حفريات لإنسان النايندرتال في شمال كرواتيا تعود إلى منتصف العصر الحجري القديم، والمثال الأفضل عليها موجود في قرية كرابينا التي تقع على بعد عشرات الأميال فقط من العاصمة زغرب، وحفريات لحضارات العصر النحاسي متناثرة في مناطق مختلفة، والجزء الأكبر منها يوجد في وديان أنهار الأجزاء الشمالية، ومن أهم الحضارات القديمة حضارة ستارسيفو التي ظهرت فيما بين سنوات 6200 و 4500 قبل الميلاد، وحضارة فوسيدول التي ازدهرت قبل ثلاث آلاف عام قبل الميلاد وتمركزت في منطقة سيرميا والأجزاء الشمالية من سلافونيا على الضفة اليمنى من نهر الدانوب وانتشرت كذلك في غرب البلقان، وتشتهر أيضًا حضارة بادين كواحدة من أهم الحضارات الأوروبية القديمة والتي تظهر آثار عديدة لها في كرواتيا كما في دول أخرى مثل هنغاريا وبولندا وسلوفاكيا وصربيا وحتى ألمانيا وسويسرا.
ترك العصر الحديدي في كرواتيا آثار من بدايات حضارة هالستات التي أنشأها الإيليريون وحضارة لاتين القلطية القديمة، وفيما بعد أصبحت كرواتيا موطن للإيلريين وشعوب ليبورنيا، فيما ظهرت أول آثار للمستعمرات الإغريقية في جزيرتي فيس وهفار. لكن في القرن الخامس الميلادي سيطرت الإمبراطورية الرومانية على أهم الأراضي في المملكة القديمة، وقُسِّمت إلى منطقة دالماسيا في الشمال ومنطقة بانونيا في الجنوب.
بدأ ظهور الشعب الكرواتي عبر سلسلة من الهجرات التي بدأت في القرن السابع أو التاسع من المناطق الجنوبية لبولندا حاليًا وبالتحديد جنوب مدينة كراكوف، وتأسست مملكة كرواتيا في سنة 925 على يد الملك توميسلاف الذي حصل على مباركة بابا كنيسة الفاتيكان، ودعم مكانته بردعه لهجوم هنغاري وهجوم لقبائل أخرى على حدود المملكة التي وصلت أوج قوتها في القرن الحادي عشر، وفي سنة 1102 م اتحدت مملكة كرواتيا مع مملكة هنغاريا ليصبح التقليد هو تتويج الملك الهنغاري كملك على كرواتيا وهنغاريا بمباركة عائلات النبلاء العريقة مثل فرانكوبان وسوبيك، وظل الحكم مقسّم بين نائب الملك المعين من قبل الملك والبرلمان، وملكت العائلات الغنية سطوة كبيرة وسيطرة على أهم الصناعات المحلية. بعد قرون ثلاثة زحف المغول على زغرب ونهبوها في سنة 1241 وفي القرن التالي اندلعت نزاعات عسكرية مع إيطاليا على المناطق الساحلية والجزر، وسقطت بعض المناطق الأوروبية في يد مملكة البندقية لفترة، وبعد ذلك حدثت حرب مع الإمبراطورية العثمانية امتدت لعقود.
في نوفمبر 1444 م وقعت معركة فارنا في المدينة الهنغارية التي سميت المعركة على اسمها بين قوات الإمبراطورية العثمانية بقيادة السلطان مراد الثاني وبين هنغاريا بالتحالف مع جيوش بيزنطية أوروبية، وانتصر العثمانيون في المعركة وقتل ملك بولندا فلاديسلاف الثالث الذي نُصِّب كقائد شرفي لتحالف القوات الأوروبية. وفي سنة 1493 انهزمت القوات الكرواتية والهنغارية أمام الإمبراطورية العثمانية مرة أخرى، وذلك في معركة كربافا، إلا أن العثمانيين لم يضموا وقتها أي أرض كرواتية إلى نطاق دولتهم، لكن على مدار السنوات التالية بدأ العثمانيون بالتوسع في المناطق الجنوبية، وفي سنة 1526 مات ملك هنغاريا لويس الثاني بعد هزيمة ساحقة على يد العثمانيين في قرية موهاكس. لكن بعد أربع عقود خضع الجيش الكرواتي لعمليات تنظيم دقيقة وتم تشكيل جبهة منظمة ألحقت الخسائر بالعثمانيين مثلما حدث في حصار سيكتوار ومعركة سلونجي، إلى أن غزا الجيش العثماني مملكة هنغاريا واندلعت الحرب العثمانية النمساوية فيما بين 1663 و 1664 إلى أن تم توقيع اتفاقية فسفار للسلام والتي أوقفت النزاعات العسكرية بين الإمبراطورية العثمانية وكرواتيا وهنغاريا. وفي القرون المقبلة أصبحت المملكة في وضع سياسي مستقر نسبيًا ومحافظة على حدودها حتى مطلع القرن العشرين.
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وانحلال الإمبراطورية النمساوية المجرية وتكوّن دولة يوغوسلافيا في سنة 1918، ألغت كرواتيا تحالفاتها القديمة وانبثقت نزاعات سياسية حادة في الأوساط السياسية الداخلية، ومع احتلال قوات الحلفاء ليوغوسلافيا في 1941 تملك حزب أوستاسي الفاشي حكم البلاد وكوّن جمهورية كرواتيا المستقلة التي سقطت بعد أربع سنوات لتعود كرواتيا إلى مملكة يوغوسلافيا ولتتحول بعدها إلى جمهورية اشتراكية مقسمة إلى ست مناطق، وفي تلك الفترة تم تأميم ممتلكات خاصة كثيرة وركزت الحكومة على تشييد بنية تحتية قوية للمدينة وتطوير الصناعة والزراعة.
في سنة 1980 مات القائد الثوري تيتو الذي كان رمز القوة والعدالة لشعوب أوروبا الشرقية التي اجتاحتها موجة الشيوعية والنظم الاشتراكية، وقد أثر تغلغل الفكر الاشتراكي القائم على العدالة الاجتماعية على كرواتيا في نواحي هامة مثل تخصيص المؤسسات القومية لتقديم الخدمات العامة وزيادة نسب الدعم في الاحتياجات الأساسية، وآثار هذا التغير لا تزال موجودة حتى الآن في البلد وفي بلدان أخرى مجاورة خضعت للحكم الشيوعي لعقود. وبعد موت تيتو وتقهقر سطوة الاتحاد السوفيتي تدريجيًا، بدأ رجال السياسة في كرواتيا بالتفكير في الاستقلال، وبدأ المسئولون في المقاطعات الصغيرة في تغيير أفكارهم حول المبادئ التي تبنتها الدولة لعقود. وفي سنة 1989 انهارت الشيوعية في أوروبا الشرقية مما مهد الطريق للمحافظين والقوميين نحو الفوز بالانتخابات البرلمانية وتشكيل الحكومة، وبعد سنة واحدة عقدت أول انتخابات حرة منذ 50 سنة وخسر فيها الشيوعيون أمام المحافظين، وفي أقل من سنة انخرطت كرواتيا في نزاع عسكري مع جارتها صربيا.
في سنة 1991 أعلنت كرواتيا استقلالها عن مملكة يوغوسلافيا والتحكم الصربي. كانت ردود الأفعال الأولية من جانب الكروات الصرب في شرق البلاد بطردهم للكروات عبر مساعدة الجيش اليوغوسلافي، وبحلول نهاية السنة أصبحت ثلث الأراضي الكرواتية في يد الصرب. وأعلنت الأمم المتحدة 4 مناطق محمية في كرواتيا ونشرت 14 ألف جندي لإبعاد الكروات والصرب عن الاشتباك، ودخلت كرواتيا في الحرب في البوسنة والهرسك بين سنوات 1992 و 1995 وانتخب فرانيو توديمان كرئيس لدولة كرواتيا المستقلة. وفي سنة 1995 استعادت القوات الكرواتية ثلاث مناطق من المناطق الأربعة وفرّ الكروات الصرب إلى البوسنة وصربيا، ووقع رئيس كرواتيا معاهدة دايتون للسلام في البوسنة والهرسك، وبعد سنة واحدة استعادت كرواتيا علاقتها مع يوغوسلافيا وانضمت إلى المجلس الأوروبي، وفي سنة 2000 وبعد موت فرانيو توديمان، خسر القوميون أمام الاشتراكيين الديمقراطيين والليبراليين الاشتراكيين وأصبح آيفكا راكان رئيس الوزراء. وبعد ذلك حدثت تغيرات جذرية في العلاقات مع الدول الغربية والدول العظمى وبدأت موجات من الانفتاح تظهر مع مرور السنوات في الألفية الجديدة، وفي شهر يوليو من سنة 2013 حصلت كرواتيا على العضوية في الاتحاد الأوروبي.
هناك نزاعات محتدمة بين كرواتيا ودول الجوار على مسطحات مائية وحدود إقليمية مثل نهر خليج بيران في البحر الأدرياتيكي وجبال القديس جيرا أو سفيتا جيرا وهي أعلى قمة في سلسلة جبال زومبيراك وتقع في حدود كرواتيا وسلوفينيا من ناحية الجنوب الشرقي، وجزيرة فوكوفار المتنازع عليها مع صربيا وجزيرتي فيليكي سكولي ومالي سكولي الأصغر حجمًا وهما جزيرتان غير مأهولتين في البحر الأدرياتيكي ومتنازع عليهما بين كرواتيا والبوسنة.
بعض نزاعات ترسيم الحدود تم حلها والبعض لا يزال مستمر حتى الآن. ومن ضمن النزاعات الطريفة أن مواطن تشيكي أتى إلى منطقة مهجورة في غرب الدانوب لا يزال النزاع مستمرًا عليها بين صربيا وكرواتيا، وأعلن دولة جديدة باسم جمهورية ليبرلاند الحرة، وعلى ما يبدو فقد كان فيت جيدليكا جاد تمامًا في خطته وصمم علم للدولة وأطلق نشيد باسم مسيرة النصر وأرض المجد وأعلن نظام حكم شبه ديمقراطي، وبالطبع فقد أعلن نفسه رئيسًا للدولة وعين نائب ووزراء له، لكن المشروع فشل بسرعة.
ثقافة كرواتيا
اللغة الرسمية هي اللغة الكرواتية وستجد لغات أوروبية أخرى منتشرة مثل المجرية والسلوفاكية والصربية والإيطالية، وفي الواقع فإن نقاط الاختلاف بين لغات بعض الدول المجاورة مثل صربيا واللغة الكرواتية قليلة وتكون بشكل رئيسي في نظام كتابة الحروف. وأغلب هذه اللغات قد تفرعت من اللغات السلافية القديمة.
تأثرت الآداب والفنون الكرواتية في القرن العشرين بالتحولات السياسية الكبيرة التي مرت بها الدولة والتشبع الذي حدث بالأفكار الاشتراكية، ولكن في النهاية نجد أن نقاط التلاقي تأتي في الروح المفعمة بالحيوية التي يدخلنا فيها الأدباء والفنانون الكروات عبر استعادة الروح التاريخية القديمة للشعب الكرواتي. يعتبر ميروسلاف كرليجا الشاعر والمسرحي هو عميد الأدب الكرواتي وتميل كتاباته إلى النقد المجتمعي والكتابة السياسية. أما الكاتبة إيفانا بيرليتش ماجورانيتش فهي من أهم كتاب قصص الأطفال على مستوى عالمي. وإيفنا ميسشتروفيك هو واحد من أهم النحاتين الكرواتيين وقد صمم منحوتات شهيرة معروضة في شيكاغو وبلغراد وغيرهما.
استطاع الكروات إبراز قوتهم في أنواع مختلفة من الرياضة مثل كرة القدم والتنس. يعتبر منتخب كرواتيا لكرة القدم من أقوى منتخبات أوروبا الشرقية ووصل إلى نصف نهائي كأس العالم في مونديال فرنسا 1998 وحصد لقب المركز الثالث، وتأهل إلى ثلاث بطولات من ضمن البطولات الأربع التالية إلا أنه خرج في دور المجموعات وتأهل إلى مونديال روسيا. أشهر اللاعبين الكروات لوكا مودريتش لاعب خط الوسط في ريال مدريد، ودافور شوكر هداف كأس العالم في مونديال فرنسا، وإدواردو دا سيلفا مهاجم نادي أرسنال الإنجليزي، وأسماء أخرى مهمة مثل زفونيمير بوبان وأليشن بوكشيتش وروبرت بروسينتشكي وماريو ماندجوكيتش وغيرهم.
مارين سيليتش هو لاعب تنس محترف وحصل على بطولة أمريكا المفتوحة للتنس في 2014، وإيفو كارلوفيتش حاصل على المركز رقم 21 في التصنيف الخاص برابطة محترفي التنس، أيضًا غوران إيفانيسيفيش المشهور بحصوله على اللقب في بطولة ويمبلدون الفردية للرجال. توني كوكوتش ودرازن بيتروفيتش هما من أشهر لاعبي كرة السلة الكرواتيين وبلانكا فلاسيتش هي رياضية كرواتية عالمية محترفة في الوثب العالي.