صربيا - التاريخ والثقافة

إذا أردت أن تقرأ عن عظمة وعراقة أي دولة في العالم فلا تقرأ إلا عن تاريخها وثقافاتها، فالتاريخ سيحمل لك كل شئ تريده عن هذه الدولة، ستعرف أي الفترات في تاريخها كانت قوية ومهيمنة، وأي الفترات التي أصابها الضعف وتفككت، كما ستلاحظ التغير الكبير في الدولة من كافة النواحي بمرور التاريخ وتغير الأحداث يوماً بعد يوم، ولعل صربيا واحدة من الدول التي عاصرت فترات تاريخ مختلفة على مر الزمن، لتتميز كل فترة تاريخية بأشياء معينة وانتصارات وتوسعات وربما هزائم أيضاً، فمنذ التاريخ المبكر أي منذ حوالي 8500 سنة وصربيا تزخر بالأحداث التاريخية، مروراً بفترات العصور الوسطى التي كانت فترة عظيمة لصربيا لتنتهي هذه الفترة، أيضاً هناك فترة الدولة العثمانية وحكم هابسبورغ وبعدها الثورة الصربية والاستقلال، وقد عاشت صربيا أقوى الحروب كحروب البلقان والحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية أيضاً، فضلاً عن حروب يوغوسلافيا الأولى والثانية.

فترة التاريخ المبكر في صربيا

كانت لهذه الفترة في تاريخ صربيا الكثير من الأمور التي تفخر بها صربيا حتى وقتنا هذا، فلا شك أن التاريخ مدعاة للفخر حتى بعد مرور آلاف السنين، فمنذ حوالي 8,500 سنة وخلال العصر الحجري الحديث كانت تسعى صربيا إلى السيطرة على مناطق عدة منها منطقة البلقان مع مناطق أخرى من أوروبا الوسطى وأيضاً مناطق من آسيا الصغرى، وحملت صربيا والسكان الصربيين وقتها كافة الثقافات الخاصة بالعصر الحجري الحديث، وتوجد مواقع أثرية بنيت في هذه الفترة وهي مواقع أثرية غاية في الأهمية موجودة في منطقة قريبة من ضفاف نهر الدانوب، وفي فترة التاريخ المبكر هذه كانت صربيا مقسمة إلى مجموعة من المناطق أو المدن على رأسها بلغراد وأيضاً فيميناسيوم ومدينة Remesiana وهي المعروفة حالياً باسم “بيلا بالانكا”، ومدينة نيش وسيرميوم المعروفة في وقتنا هذا باسم “سيرمسكا ميتروفيستا” والتي كانت العاصمة الرومانية نظراً لأهمية هذه المدينة، وخلال هذه الفترة التاريخية فإن حوالي 17 من الأباطرة الرومان كانوا صربيين، وكان أشهر هؤلاء الأباطرة “قسطنطين الكبير”، وهو أول إمبراطور مسيحي يتولى هذا المنصب وقد وجّه بنشر التسامح الديني في كافة أرجاء الإمبراطورية.

فترة العصور الوسطى في صربيا

كانت عامرة أيضاً هذه الفترة بالأحداث التاريخية الهامة، وقد بلغت هذه العصور الوسطى ذروتها في صربيا في عهد “دوشان العزيز”، والذي بدوره قام باستغلال الحرب الأهلية البيزنطية من أجل السيطرة والتوسع، ونجح في ذلك وتضاعف حجم صربيا من خلال السيطرة على الأراضي المختلفة في مناطق من الجنوب والشرق وهو ما كان على حساب بيزنطة التي ضعفت حينها، ومن الأحداث الهامة أيضاً في فترة العصور الوسطى هي معركة كوسوفو التي كانت عام 1389، والتي كانت حدثاً تاريخياً هاماً ونقطة تحول كبيرة في تاريخ صربيا، حيث تعتبر هذه المعركة بداية سقوط صربيا كدولة قوية تمتلك سيطرة واسعة في القرون الوسطى، وبعد ذلك في عام 1453 سقطت القسطنطينية في يد العثمانيين وقاموا بحصار مدينة بلغراد من أجل إضعافها، ولم تكن هذه الهجمات العثمانية على صربيا وبلغراد تحديداً هي الأولى من نوعها، بل إن محاولات العثمانيين إسقاط بلغراد تم صدها لما يزيد عن 70 عاماً، لتسقط بعد ذلك ويتم السيطرة عليها، وتم بعد ذلك فتح الطريق بشكل واسع أمام عمليات السيطرة العثمانية في مناطق أوروبا الوسطى.

فترة الدولة العثمانية وحكم هابسبورغ في صربيا

لم يرضى الصربيين بحكم الدولة العثمانية وسعوا باستمرار إلى التخلص منه، فشهدت صربيا العديد من حركات التمرد التي كانت تتحدى وجود الحكم العثماني في بلادها، ولعل أهم أحد حركات التمرد كانت تقودها “آل “هابسبورغ”، ويطلق عليهم أحياناً “آل النمسا”، وهي من العائلات المالكة الشهيرة في أوروبا، فقد كانت مصدراً للكثير من الأباطرة الذين حكموا الإمبراطورية الرومانية المقدسة، وكان منها أيضاً حكاماً للإمبراطوريات الأسبانية والنمساوية وغيرها، وحدثت انتفاضة كبيرة في عام 1595 ضد الحكم العثماني في صربيا، وكانت هذه الانتفاضة أحد أساليب “هابسبورغ” في حربها الطويلة مع العثمانيين، في هذه الفترة فر الكثير من رجال الدين بعيداً عن صربيا ومناطق الصراعات، كما تم إجبار بعضهم على البقاء في الأديرة الخاصة بهم، وخلال الحكم العثماني تم فرض ضرائب على الصرب المسيحيين، كما قد هاجر الكثير من السكان فيما عرف باسم “هجرة الصرب العظمى”، وبعد عدة سنوات أي في حدود عام 1717 وحتى عام 1739 سيطرت الإمبراطورية النمساوية على جزء واسع من دولة صربيا وكانت هذه الإمبراطورية إحدى أقوى وأشهر الإمبراطوريات في هذه الفترة.

فترة الثورة والاستقلال في تاريخ دولة صربيا

تعتبر الثورة الصربية من أشهر الثورات التي حدثت على مر التاريخ على مستوى العالم بأكمله، فقد استمرت هذه الثورة حوالي 11 عاماً كاملة، فقد بدأت من عام 1804 واستمرت حتى عام 1815، وتكونت هذه الثورة من انتفاضتين رئيسيتين يختلفان عن بعضها، وكانت هذه الانتفاضات بداية لحدوث حكم ذاتي، ليتطور الأمر بعد ذلك ويتحقق الاستقلال الكامل لصربيا، كانت الانتفاضة الصربية الأولى تحت قيادة الدوق “بيتروفيتش”، وقد حققت هذه الانتفاضة نجاحات عدة أكملتها الانتفاضة الثانية التي كانت بقيادة “ميلوش أوبرينوفيتش”، حيث تم وضع حلاً وسطاً بين العثمانيين وبين الثوار الصربيين لتنتهي الانتفاضة عام 1815، بعدها تم عمل دستور صربي وتم اعتماده في يوم 15 فبراير من عام 1835، لم ينتهي الصراع بين الصرب والجيش العثماني عند ذلك بل حدث اشتباكات بينهم في حدود عام 1862، وبعدها تم التأكيد على استقلال صربيا فعلياً لتعلن صربيا الحرب على الدولة العثمانية عام 1876، وتم الاعتراف رسمياً في محفل دولي وهو مؤتمر برلين عام 1878، لتعثر صربيا على استقلالها كدولة لها حكمها الخاص.

فترة الحروب العالمية وحروب البلقان في صربيا

عاشت دولة صربيا مجموعة من الحروب الكبيرة التي أثرت فيها بشكل قوي، فقد عاصرت وشاركت في العديد من الحروب العالمية الكبرى، وكانت حرب البلقان الأولى هي واحدة من أكبر الحروب التي شاركت فيها صربيا، ولم تكن وحدها بل إن هذه الحرب كانت بين الدولة العثمانية والدول التي كانت مكونة لاتخاذ البلقان بما فيها صربيا، حيث شارك مع صربيا أيضاً بلغاريا واليونان والجبل الأسود، وقد بدأت هذه الحرب عام 1912 لتنتهي يوم 30 مايو في العالم التالي 1913، وأدت حرب البلقان الأولى هذه إلى خسارة فادحة للدولة العثمانية وخصوصاً في غالبية أراضيها الواقعة في أوروبا، بعدها وسّعت ضربيا أراضيها وزاد عدد سكانها، لكنها فقدت الكثير من القتلى وصل عددهم إلى حوالي 20,000 قتيل عشية الحرب العالمية أو الحرب العظمى التي تعرف حالياً بالحرب العالمية الأولى، والتي نشأت بعد حدوث تحالفات عسكرية بين أكبر الدول العظمى في العالم، وبحلول عام 1941 تم غزو يوغوسلافيا، وهي التي كانت تحاول أن تبقى على الحياد في الحرب، ليتم بعد ذلك أيضاً تقسيم أراضي صربيا بين عدة دول، وشهد عام 1941 أول عملية إعدام واسعة للمدنيين من قبل النازيين في المنطقة الغربية من صربيا، وتم قتل آلاف الصرب اليهود.

مظاهر الثقافة في دولة صربيا

الثقافة أيضاً من الأمور التي تفخر بها أي دولة، فبعض الدول تكون متأثرة بثقافات الدول والمناطق المحيطة بها، ودول أخرى تكون هي صانعة الثقافات التي تؤثر فيما حولها من مختلف دول العالم، ليتم تناقل هذه الثقافات بين الأجيال المختلفة، ولعل صربيا واحدة من الدول التي لها ثقافة أثرت فيمن حولها كما تأثرت هي الأخرى في بعض الأمور بثقافات دول مميزة، ولكن تعتبر أهم نقطة مؤثرة في ثقافات الدول هي التعليم والعلوم التي تنجح فيها، وصربيا من الدول التي لها شهرة واسعة في هذا الصدد من حيث التعليم الجيد والتفوق في العلوم بل وإنجاز الكثير من الاختراعات والاكتشافات الهامة، فقد وصل محو الأمية في دولة صربيا إلى 98%، وهو رقم ضخم جداً، وتمتلك صربيا نظام تعليمي جيد بداية من التعليم الابتدائي والتعليم الثانوي ثم درجة البكالوريوس والماجستير والزمالة، ويوجد في صربيا حوالي 17 جامعة منها ما هو حكومي ومنها ما هو خاص، وأشهر وأقدم هذه الجامعات هي جامعة بلغراد.

أهم العلماء والمخترعين في صربيا

أنتجت صربيا للعالم علماء ومفكرين مشهورين حتى وقتنا هذا، والذين بدورهم ساهموا في مجالات العلوم والتكنولوجيا، ولعل أشهر هؤلاء العلماء هو “نيكولا تسلا”، والذي كان مهندساً كهربائياً ومخترعاً عظيماً، فقد كان له الكثير من الاختراعات والاكتشافات بخصوص الـ AC ونظام إمدادات الكهرباء، وقد تم عمل وحدة باسمه وهي وحدة “تسلا” تكريماً لجهوده، وليس هذا العالم وحسب، بل يوجد أيضاً العالم “ميهايلو”، والذي اكتشف إمكانية عمل اتصالات هاتفية تمتد إلى مسافات طويلة وقد كان اكتشافاً مذهلاً غير العالم، فضلاً عن العالم “ميلوتين”والذي أشار عبر نظرياته إلى وجود علاقة بين التغيرات في الأرض وبين المناخ على المدى الطويل، وأيضاً “ميهايلو بيتروفيتش” والتي ساهمت في حل المعادلات التفاضلية كما اخترعت نموذج أولي لأجهزة الكمبيوتر، وغير ذلك الكثير من الشخصيات والعلماء التي كانت تأثيرهم ليس على مستوى صربيا وحسب بل على مستوى العالم بنظريات واختراعات ظلت حتى الآن تُدرس وكان منها ما هو بداية لاكتشافات جيدة وتطورات كبيرة.

المطبخ الصربي والأطباق المميزة

تشتهر بعض الدول بكونها ذات طعام مميز، ولعل صربيا واحدة من هذه الدول التي تمتلك مطبخاً يمتلئ بالكثير من الوجبات والأكلات الرائعة التي لا يختلف عليها اثنان، وأهم ما يتميز به المطبخ الصربي هو التنوع في أكلاته، فحتى في الطبق الواحد يمكنك أن تحصل على نكهات مختلفة، فسوف تجد مزيجاً ممتازاً بين النكهات السرقية والنكهات الغربية، فضلاً عن كون كافة الأكلات في صربيا تكون ذات قيمة غذائية عالية، فهم مشهورون بأن أكلاتهم صحية تماماً، وكافة المطاعم في صربيا تتميز بهذه النقطة وسوف تجد كل ما لذ وطاب ضمن قوائم الطعام في مطاعم صربيا، أهم وأشهر الأطباق هي التي تحتوي على اللحوم والخضروات حيث يمتلك المطبخ الصربي أسراره في طهي مثل هذه الأطباق بطريقة ممتازة لتحصل على طبق لذيذ وشهي، وأيضاً فطائر الجبنة مميزة جداً في صربيا.