تمتلك اليونان تاريخاً عريقاً يحفل بالكثير من الأحداث والتغيرات المحلية والعالمية، فقد كانت اليونان منذ البداية واحدة من البلاد المؤثرة في المناطق المختلفة حولها، وبدأ ذلك من فترات التاريخ القديم قبل الميلاد في حوالي عام 800، ومع تغير التاريخ والفترات تتغير الأحداث التي تعاصرها اليونان وشعوب اليونان، لتنتج هذه الفترات حضارات عريقة استمر بعضها لسنين عدة، كما نتجت ثقافات مختلفة صُدرت للمناطق الأخرى وتأثر بها الكثير من الشعوب، وسوف نحاول ذكر بعض التفاصيل عن كل فترة من فترات التاريخ اليوناني بداية من مرحلة ما قبل الميلاد مروراً بالإمبراطورية البيزنطية التي انقسمت إلى فترة الحكم التركي العثماني وفترة الاستقلال بعد الحرب اليونانية الضخمة، ليحدث تغير كبير لليونان في فترة القرن التاسع عشر مع الملك جورج الأول، بعدها كانت الفترة الخاصة بالحرب العالمية الأولى وتبعاتها، ثم بعد ذلك حدثت ثورة عام 1967 لتحدث تطورات كبيرة وتغيرات ظهرت واضحة في تاريخ اليونان الحديث.
فترة التاريخ القديم في اليونان
لم تكن اليونان إحدى البلاد أو المناطق التي مثلها مثل باقي المناطق الأخرى ليس لها تأثير فيما حولها، ولكن سعت اليونان إلى تكوين الحضارات المختلفة والتي ظهر معظمها على شواطئ بحر إيجه، ويعد هذا البحر هو واحد من أهم أفرع البحر الأبيض المتوسط، ويطل على هذا البحر دولتين اليونان منهم والدولة الثانية هي تركيا، وكما ذكرنا من قبل فإن حضارة الميسينية وحضارة المينوية هي أشهر الحضارات التي ظهرت على هذا شواطئ هذا البحر، ولم تكتف اليونان حينها بذلك بل نشأت حضارات أخرى كانت حضارات عريقة سجلها التاريخ في صفحاته، ولعل أهم هذه الحضارات هي الحضارة الهيلينية، وهي تعتبر واحدة من أكثر الفترات التي وصل فيها النفوذ اليوناني إلى ذروته، وتمثلت هذه الحضارة في الفترة ما بين عام 323 إلى عان 146 قبل الميلاد، حيث كان لهذه الحضارة انتشاراً كبيراً وواسعاً في مناطق عدة سيطر عليها اليونان حول العالم.
الحكم التركي العثماني في اليونان
كانت اليونان تحت سيطرة الإمبراطورية البيزنطية، وهي إحدى أقوى وأكبر الإمبراطوريات على مر التاريخ، ولكن في فترة القرن الـ 14 ميلادي قام الأتراك العثمانيون بالسيطرة على أراضي اليونان والتي كانت في الأساس مقسمة إلى مجموعة من المدن والدويلات الصغيرة، بمجرد احتلال العثمانيون للقسطنطينية التي كانت عاصمة الإمبراطورية البيزنطية أعلنوها عاصمةً للدولة العثمانية التي أقاموها، وكان ذلك في عام 1453 ميلادي، ومدينة القسطنطينية هذه هي المعروفة الآن بمدينة “إسطنبول”، ولم يفرض العثمانيون أي حظر أو تقييد على حرية الأديان عند سيطرتهم على اليونان، بل أعطوا حرية العبادة الكاملة لليونانيين النصارى، ولكن لم يستسلم اليونانيين للحكم العثماني وسعوا للاستقلال عنهم، ولكنهم فعلوا ذلك بشكل تدريجي حيث قاموا بعمل توسعات كبيرة في مجالات عدة كالصناعة والتجارة واهتموا ببناء المدارس وتوفير تعليم حقيقي، حيث قام الكثير من اليونانيين بالتعلم في دول متقدمة في هذه الفترة، وأيضاً قام اليونانيون بتطوير أسطول تجاري كبير للغاية، وبدأت تظهر حركات ضد حكم العثمانيين.
الاستقلال عن الحكم العثماني في اليونان
نجح اليونانيون في استعادة الكثير من المناطق المختلفة من أراضي اليونان، حيث بدأت محاولات الاستقلال فيما عرف باسم “حرب الاستقلال اليونانية” والتي كانت في عام 1821 ميلادي، ولكن لم يتوقف الأمر عند ذلك، بل استعان الأتراك العثمانيون بالأسطول المصري الذي قام باقتحام المنطقة الشمالية لليونان وسيطروا عليها مرة أخرى، كما تمكنوا من السيطرة على المناطق الأخرى التي كان اليونانيون قد حرروها خلال حرب الاستقلال، لتقوم دول أجنبية على رأسهم فرنسا وبريطانيا وروسيا بتدمير الأساطيل البحرية الخاصة بالعثمانيون الأتراك والجزائر، كما تم تدمير الأسطول المصري أيضاً وكان ذلك في عام 1827 ميلادي، وبعدها بعام انسحب الأتراك من أراضي اليونان من أجل محاربة الروس الذين أعلنوا الحرب على الدولة العثمانية، لتصبح اليونان دولة مستقلة في عام 1829، وقامت كل من دول فرنسا وبريطانيا وروسيا بالاعتراف بدولة اليونان دولة مستقلة خلال عام 1830، وحكم اليونان في هذه الفترة الملك أوتو الأول الذي يعتبر أول ملك يحكم اليونان كدولة مستقلة.
فترة القرن التاسع عشر في اليونان
بعد تولي الملك أوتو الأول حكم اليونان كانت له سلطة واسعة ونفوذ كبير بشكل غير محدود، وهو ما جعل الشعب اليوناني يقوم بأكثر من ثورة كانت آخرهم عام 1862، وهي الثورة التي أجبرت الملك أوتو الأول على الرحيل عن عرش اليونان، لتم بعد ذلك تعيين أمير جديد وهو الأمير جورج الأول الذي قام بدوره بمنح الشعب اليوناني حريات متعددة من خلال تشريعات وقوانين حددت سلطته هو وأعطت سلطات كثيرة للبرلمان الذي هو في الأساس يمثل الشعب اليوناني، بعد ذلك سعت اليونان لاستعادة الجزر الأيونية من بريطانيا ونجحت في ذلك عام 1864، بعد هذه الفترة حدثت بعض التغيرات كان أهمها هو اشتعل حرب بين الدولة العثمانية واليونان مرة أخرى، خسرت اليونان هذه الحرب وحدث اتفاق سلام نظمته مجموعة من الدول الأوروبية، لتقوم ثورة سلمية خلال عام 1909 ميلادية من خلال مجموعة من الضباط في القوات المسلحة اليونانية، ليتم تنصيب زعيم هذه الثورة “فينيزيلوس” رئيساً للوزراء في اليونان.
فترة الحرب العالمية الأولى في اليونان
الملك جورج الأول تم قتله في عام 1913 ميلادية، وتولى من بعده عرش اليونان “قسطنطين الأول” ابن الملك جورج، وكان “فينيزيلوس” وقتها ما زال رئيساً للوزراء في اليونان، وحدثت الحرب العالمية التي كانت حدثاً هاماً وتاريخياً كبيراً في العالم بأكمله، طالب “فينيزيلوس” حينها بالوقوف مع دول التحالف ومساندتهم ضد ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، لكن الملك قسطنطين رفض ذلك وآثر أن تكون اليونان دولة محايدة بعيداً عن هذا الصراع، ولكن لم يستسلم “فينيزيلوس” فشجع على قيام حركات ثورية ضد الملك قسطنطين الأول، والتي بدورها نجحت في إزالته عن عرش اليونان وتولى ابنه “ألكسندر الأول” الحكم، لتدخل اليونان بعد ذلك الحرب العالمية الأولى وكانت في صف دول التحالف حتى انتهت الحرب في نوفمبر عام 1918 ميلادية.
ثورة 1967 والتاريخ الحديث في اليونان
تولى عرش اليونان بعد هذه الفترة أكثر من ملك منهم الملك بول وخلفه من بعده ابنه الملك قسطنطين الثاني الذي قام بعزل رئيس الوزراء حينها، ليظهر ضعف واضح في الحكومة اليونانية، وتم بعدها حل البرلمان اليوناني في فترة عام 1967 وتحديداً في شهر أبريل، ولم تتم إقامة أي انتخابات رغم تحديد مواعيد لها، ليقوم الجيش اليوناني في 21 من شهر أبريل عام 1967 بمحاصرة قصر الملك والكثير من المباني الرئيسية في البلاد أهمها مبنى الإذاعة والمكاتب الحكومية وغير ذلك، وتم تشكيل لجنة من العسكريين لتحكم اليونان ولكنها حكمت حكماً مستبداً، حيث تم تقييد الحريات وحدثت مجموعة واسعة من الاعتقالات ومنع الأنشطة السياسية وعمل رقابة مشددة على وسائل الإعلام والصحف، ولكن بعد ذلك قام أحد أعضاء اللجنة بعمل بعض الإصلاحات كان أهمها تحضيره للانتخابات البرلمانية، ولكن حدث انقلاب آخر وتم عزل الحكومة، ولكن تم عمل الانتخابات في شهر نوفمبر من عام 1974 ميلادية، وتم وضع دستور خاص باليونان وتم انتخاب رئيس جديد عام 1990 بعد أن أصبحت اليونان جمهورية، وفي عام 1981 انضمت دولة اليونان إلى الاتحاد الأوروبي لتكون واحدة من الدول المؤثرة في هذا الاتحاد.
الثقافة في اليونان
ذكرنا من قبل أن اليونان كانت ملتقى لأكثر هما قارة آسيا وأوروبا وأفريقيا، ولكن لم يكن هذا الالتقاء مجرد التقاءٍ جغرافي وحسب، بل ساهم في التقاء الأفكار والثقافات المختلفة أيضاً، فبين عادات ولغات ومعرفة وثقافات عديدة تشكلت الثقافة اليونانية التي أثرت فيما حولها بطريقة واضحة، لتترك لنا الثقافة اليونانية التي بدأت تتكون منذ العصور القديمة من تاريخ اليونان إرثاً ثقافياً وتراثاً عريقاً للغاية، واختلف تأثير الثقافة في اليونانية واختلفت مجالاتها التي أبدع فيها اليونانيون، حيث ظهرت الفلسفة اليونانية بشكل واضح في ثقافة اليونانيين، فضلاً عن العمارة اليونانية والفنون والأدب وفنون المسرح المميزة، وغير ذلك من المجالات والنتاجات الثقافية في اليونان، واتسمت ثقافة اليونان بأنها ثقافة متعددة الأوجه، نظراً لتأثير الثقافة اليونانية وتأثرها أيضاً من ثقافات أخرى كثقافة الدولة العثمانية والدول اللاتينية وغير ذلك في فترات تاريخ اليونان.
الأدب في اليونان
لم يكون الأدب اليوناني أدباً عادياً أو مجرد إضافة نصوص أدبية إلى الآداب التي ظهرت حول العالم، بل كان الأدب اليوناني أحد أهم النماذج التي كان يأخذه أدباء كبار على مستوى العالم كنموذج يحتذون به في أساليبهم وطرقهم الأدبية، وقد كان للأدب اليوناني أنماط مختلفة برع فيها الأدباء اليونانيون، أهمها الشعر الملحمي الذي تميز بكونه يروي أحداثاً بطولية في قصائد طويلة، وبرزت إبداعات الأدباء اليونانيون في هذا الشعر الملحمي وكان من أشهر هؤلاء الشاعر “هوميروس”، وهو صاحب أحد أشهر قصائد الشعر الملحمي المعروفة باسم “الإلياذة”، وبرع اليونانيون أيضاً في الشعر الغنائي الذي كان في الأساس لأغراض غنائية خاصة بالشخصيات أكثر من كونها تحكي أو حتى تتحدث عن أعمال بطولية أو غير ذلك، فقد اختلف الشعر الغنائي تماماً عن الشعر الملحمي حتى أن قصائده تميزت بالقصر عكس الشعر الملحمي، ولم يتوقف الأدب اليوناني عند ذلك بل ازدهرت المسرحية المأساوية والمسرحية الهزلية أيضاً، كما ظهرت مقالات ورسائل أدبية مميزة جداً.
الفلسفة في اليونان
الفلسفة اليونانية هي واحدة من أهم مظاهر الثقافة في اليونان، وكان هذه الفلسفة التي ظهرت في اليونان هي بداية وخطوة أولى لظهور وتطور الفلسفة الغربية، وبدأ ظهور مظاهر للفلسفة في اليونان في القرن الـ 6 قبل الميلاد، أي أن الفلسفة اليونانية هي إرث تاريخي قديم، وقد شملت العديد من المواضيع التي أغلبها يمس الحياة الخاصة بالأفراد، فمن هذه الفلسفات وأهمها هو علم الوجود أو الأنتولوجيا، وهو الذي يهتم بالوجود والكينونة ويقدم بعض التصورات الخاصة بالطاقة والكم وغير ذلك، أيضاً برزت فلسفة الأخلاق في اليونان، وهي التي تشمل الاتفاق على مجموعة من الأخلاق والقيم والمبادئ بأنها من الصواب وبن مثل هذه الأخلاق والممارسات هي التي تحدد السلوك الذهني للأفراد، وليس ذلك وحسب، بل احتوت الفلسفة اليونانية أيضاً على الفلسفة السياسية وأيضاً ما يسمى بالميتافيزيقيا وعلم الجمال وأيضاً علم الأحياء كان مندرجاً تحت إطار الفلسفة اليونانية وغير ذلك من الفلسفات الأخرى.