النرويج - التاريخ والثقافة

بلا شك الجانب التاريخي والثقافي في النرويج جانب مُشرق، كيف لا ونحن نتحدث عن دولة أوروبية عريقة تمكنت من إثبات نفسها منذ ظهورها وحتى الآن، صحيح أنها ليست بعراقة فرنسا أو إنجلترا، لكنها تبقى عريقة وقادرة على المنافسة، ولكي تدركوا هذه العراقة عليكم أولًا التعرف على الجانب التاريخي والثقافي في هذه البلد، وهذا ما سنحاول بالضبط القيام به في السطور القادمة، والبداية ستكون مع الأصل، والأصل يعني التاريخ، فما الذي يُمكننا قوله عن تاريخ النرويج؟

تاريخ دولة النرويج

تاريخ أي دولة يبدأ بالتأكيد في ذلك الوقت الذي تم تأسيسها فيه، وبالنسبة لدولة النرويج الحقيقية فقد بدأت قبل عشرات الآلاف من الأعوام التي سبقت التأريخ الميلادي، لكن هناك إشكالية بسيطة تتعلق بالوقت الذي بدأ فيه وجود النرويج، فالبعض يقول أن هذا الأمر قد حدث قبل ملايين السنين والبعض الآخر يقول أن النرويج قد مرت ببعض العوامل الجغرافية التي لم تسمح بذلك، على العموم، ظلت النرويج دولة أو مملكة مُنعزلة يسكنها الشعب السامي حتى عام 600 ميلاديًا، وهو العام الذي عرفت فيه النرويج السفن وبدأت في الخروج إلى العالم والاحتكاك المباشر به، ومن هنا بدأت حضارة النرويج الأهم على مدار تاريخها بالكامل، والحديث الآن عن حضارة الفايكنج التي حكمت منذ عام 872، والتي كانت في هذا التوقيت واحدة من أهم الحضارات في العالم، والواقع أنها لا تزال حتى الآن تحظى بنفس الدرجة من الاهتمام، وذلك الأمر يتضح للغاية من الأفلام والمسلسلات والأعمال الفنية التي خرجت خلال القرن الحالي من أجل حكاية تاريخ النرويج في هذا العصر، والذي انتهى تقريبًا مع بداية الألفية الثانية، ففي ذلك التوقيت يُمكن القول أن النرويج قد أصبحت دولة حقيقية بدأت في اكتساب حداثتها شيئًا فشيئًا مع الوقت، لكن تاريخ هذه البلد لا يتوقف عند هذه النقطة.

في الألفية الثانية شهدت النرويج مجموعة من الاتحادات مع دول قريبة منها أو لها نفس الموقف والتوجه، فقد اتحدت فترة مع الدنمارك وفترة أخرى مع السويد حتى جاء عام 1905 وحصلت النرويج مرة أخرى على استقلالها وابتعدت عن أي اتحاد آخر، لتبدأ بعد ذلك في تكون المملكة الخاصة بها التي يحكمها أولاد النرويج أنفسهم، وبالطبع بدأ الاهتمام بالبنية التحتية وتأسيس دولة بالمعنى الحقيقي لكلمة الدولة، وفي خِضم كل ذلك كان الباب مفتوحًا لإنشاء كيان ثقافي وإرث كبير من الفنون لم يكن ليتواجد لولا هذه الجولة التاريخية الكبيرة، فما الذي يُمكننا لمسه في الثقافة النرويجية يا تُرى؟

الثقافة في النرويج

في الحقيقة ثمة أمر هام جدًا يجب معرفته أولًا، وهو أننا عندما نتحدث عن الثقافة فإننا لا نقصد فقط مجالات الأدب والفنون والموسيقى، فالثقافة يُقصد بها الهوية في المقام الأول، تلك الهوية تختلف من مكانٍ إلى آخر وتتنوع على حسب الكيان الذي تنتمي إليه، فمثلًا، بالنسبة لثقافة الحياة والتعايش فإن النرويج تُعتبر من أوائل الدول في العالم التي اعترفت بالمثليين وحقوقهم وأدخلتهم إلى الحياة المدنية من أجل المساواة بالأشخاص الطبعيين، أيضًا أقرت عقود الزواج بين هذه الفئات، وبالنسبة لحياة العمل فإن النرويج كانت من الأوائل عملًا باتفاقية العمل الدولية، أما بالنسبة للطعام فإن الثقافة كذلك مُنغمسة فيه من خلال الأطباق النرويجية الخالصة، فمع أن النرويج في الأساس جزء من أوروبا إلا أنها تتميز في هذا الجانب، والواقع أن كل ما سبق ذكره يتعلق بالهوية والثقافة العامة للبلاد، لكن هذا ليس كل شيء، فهناك ذلك الجزء المتعلق بالأدب، والذي بالنسبة للكثيرين يُعتبر الجزء الأهم على الإطلاق، فما الذي يُمكننا قوله عن هذا الجانب؟

الاهتمام بالجانب الثقافي والأدبي في النرويج اهتمام لا غبار عليه، إذ أنه ثمة مؤسسات وجهات لا تنشغل بشيء سوى مجالات الأدب بمختلف أنواعه، صحيح أنه ليس هناك أشخاص بارزين من النرويج في هذه المجالات لكن هناك معارض واحتفالات ومؤسسات تعمل بالكامل من أجل الشأن الثقافي والأدبي في النرويج، والحقيقة أن الحكومة تضع الشأن الثقافي الأدبي ضمن أولوياتها وتوفر له دعم مادي ومعنوي كبير، لكن البعض لا يعترف بالجانب الثقافي إلا في تلك اللحظة التي يتم التطرق فيها إلى الفن، والفن في النرويج يحتاج حديث مفصل عنه بكل تأكيد.

الفن في النرويج

لكن نكون واقعيين فإن سماع كلمة الفن يجعل الجميع يتخيلون السينما والمسرح والموسيقى بوصفهم التعبير الأمثل عن هذه الكلمة، وبالنسبة للسينما في النرويج ففي الحقيقة لم تكن هذه السينما الأصيلة يومًا ما في قوة السينما في باريس أو لندن، صحيح أن بعض الأفلام النرويجية قد ترشحت لجوائز هامة مثل الأوسكار وفاز بعضها إلا أن هذا لا يمنحها تلك الدفعة التي تنتظرها، فإذا تتبعنا طريق السينما النرويجية من حيث الإيرادات فسنجد أنها ليست الاهتمام الأول لدى الشعب النرويجي، ومن الوارد طبعًا أن يكون هذا بسبب ضعف المُنتج أو عدم اهتمام الناس بهذا الفن، حتى أن الكم المُنتج ليس بالكبير أبدًا، فتقريبًا هناك عشرين فيلم فقط يتم إنتاجهم بالنرويج في العام الواحد، وهذا العدد ليس كبيرًا أبدًا مقارنةً مع دولة مثل الهند تُنتج ثلاثة آلاف فيلم سنويًا، لكن أيضًا لا يُمكننا التوقف عند السينما لأنها بالتأكيد لا تُعبر عن كل الفن في النرويج، فهناك مثلًا فن المسرح والأوبرا، وهذان الفنان في الواقع يأخذان حقهما ويتربعان على القمة في مجال الفن، إذ أن اهتمام الشعب النرويجي يُعتبر من قِبل البعض اهتمام مُبالغ فيه، ذلك الاهتمام الذي يظهر في صورة كثرة المسارح ودور الأوبرا وكثرة العروض التي تُقدم في هذه الأماكن كذلك، لكن هل هذا كل شيء؟

الرسم والنحت يُعتبران كذلك من الفنون التي تلقى صدًا كبيرًا في النرويج، فقد حدث الاهتمام بهما مع مطلع الألفية الحديثة وبرز الكثير من الفنانين والمُتميزين، لكن نعود ونقول مرة أخرى بأنهم لم يبرزوا على المستوى العالمي، إلا أنه في الحقيقة لم يكن هناك أي تقصير من قِبل الحكومة أو السلطة في النرويج بحيث تم إقامة الكثير من المعارض والمهرجانات التي تخدم هذه المجالات، أما إذا أردت أن تُصدّر جانب فني واحد من الجوانب المُضيئة في الحياة النرويجية فإن الموسيقى سوف تكون الأكثر مناسبةً بسبب بروز الكثير من الموسيقيين في النرويج وكثرة الحفلات والمهرجانات الموسيقية، وبتقييم عام يُمكن القول أن الحياة الفنية في النرويج حياة جيدة، جيدة فقط، لا أكثر ولا أقل.

طبعًا ما سبق ذكره فيما يتعلق بالتاريخ والثقافة والفن في النرويج عبارة عن غيض من فيض ونقطة في بحر طويل يصعب الوصول إلى نهايته، فحتى لو لم يكن المخزون كبير بالدرجة التي تتوقعونها فبكل تأكيد لا يُمكن اختصار ثقافة وتاريخ دولة مثل النرويج في هذا العدد من السطور، لكن كما ذكرنا، هذا فقط للاطلاع وأخذ فكرة سريعة وليس للتعمق.