حقب السويد التاريخية
تاريخ وثقافة السويد ليسا مُجرد ذِكر زهيد في تاريخ قارة أوروبا، بل إن مملكة السويد يومًا ما كانت سيدة هذه القارة مثلها مثل ألمانيا وإنجلترا وفرنسا وإيطاليا. تاريخ السويد حقب كثيرة ومتفاوتة الأحداث. فهناك مراحل كان فيها الشعب السويدي يُعد أكثر شعب همجي ووثني في العالم، حيث كانوا يقدمون الذبائح البشرية لآلهتهم ويغيرون على البلاد المجاورة ويسلبونهم المؤن والطعام والذهب ثم ينهون كل هذا بذبح الرجال وسبي النساء. ثم دخلت السويد في المسيحية، وأصبحت السويد إمبراطورية، ولكن العبودية والطبقية جعلت من أهل السويد غير راضيين. حتى القرن التاسع عشر تقريبًا كان السويديون يهاجرون من النظام الملكي المستبد، ثم تغير كل هذا في ظرف 100 عام تقريبًا وصارت السويد مرة أخرى واحدة من أعظم الدول في العالم من حيث العدالة الاجتماعية والحريات والاقتصاد.
تاريخ السويد والفايكنج
قبل القرن الثامن الميلادي، كانت السويد عبارة عن بلد وثنية بدائية تعتمد على الزراعة والتجارة الفقيرة، لم تكن دولة عظيمة أو ذات شأن، وأصل السكان السويديون هم قبائل ألمانية ارتحلت واستقرت في هذه الأماكن. وكانوا يتميزون بطول القامة وهذا بشهادة المؤرخ القوطي “يوردانوس”. أما فيما بين القرنين الثامن الميلادي والقرن الحادي عشر الميلادي، ظهرت قبائل الفايكنج، والتي تعني باللغة السويدية “القراصنة”. وقد اكتسبوا هذا اللقب عن جدارة لأنهم كانوا الأكثر وحشية في أوروبا في ذلك الوقت. دونت مغامرات وغزوات الفايكنج السويديين على أحجار. في ذلك الوقت تقريبًا تكونت أولى الملامح الحقيقية لمملكة السويد. لا يعرف المؤرخون التاريخ بالتحديد، ولكن كان هناك ملك يدعى “إيريك” وكانت مملكة السويد في ذلك الوقت عبارة عن السويد ومكان آخر اسمه جوتلاند. جوتلاند في القرن الثامن الميلادي كانت تعتبر محطة تجارية هامة جدًا في تاريخ السويد حيث وجدت آثار لميناء ضخم في هذه المنطقة قيل عنه أنه جعل أهل جوتلاند يشبعون من الفضة.
دخول المسيحية وبداية تقدم السويد
يُقال إن قديس يدعى “أنسجار” هو من أدخل المسيحية لمملكة السويد في القرن التاسع الميلادي، تحديدًا في عام 829، ولكن المسيحية في ذلك الوقت لم تنتشر، بل على العكس قاموا الفايكنج بغزو ممالك إنجلترا “نورثمبريا ووسكس”، وبالفعل تم دخول إنجلترا عن طريق آيفار المشلول بن راغنار لوثبروك أسطورة الفايكنج ومعه هالفدان. استقر عدد من الفايكنج في مدينة يورك الذي استولى عليها آيفار المشلول، وقاموا بالضغط على جيوش انجلترا، حتى ظهر الملك “ألفريد” الذي استطاع أن يسيطر عليهم ويهزم جيوش الفايكنج. واستمرت المناوشات حتى القرن الحادي عشر تقريبًا. في القرن الثاني عشر انتشرت المسيحية بين الفايكنج وصارت هي الديانة الأساسية. في ذلك الوقت بدأ بزوغ مناوشات في السلطة، وبدأت الصراعات الداخلية بين الممالك مما جعل الأمر يتحول إلى تقسيم الشعب والممالك.
المؤسسات الإقطاعية وظهور الطاعون في السويد
في القرن الرابع عشر، بدأت السويد تتحول إلى مؤسسات إقطاعية، وظهرت الفروق الطبقية بين المزارعين والفلاحين وبين التجار وأصحاب السلطات، وهذا نظرًا لقلة الغزوات والعبيد في هذا الوقت. حتى عام 1335 عندما تم إلغاء العبودية عن طريق مرسوم ملكي من الملك “ماغنوس إريكسون”، ولذلك عدد من الفلاحين والفقراء بدئوا في القيام بمهام العبيد مقابل المال، وظلت السويد لفترة طويلة في حالة من الاقتصاد الهابط والحياة الاجتماعية الرجعية والفقر، والجهل كان سائدًا، حتى إن العمليات الاقتصادية كانت بدائية جدًا فلم يصكوا العملات، بل كانوا يتاجرون عن طريق المقايضة. فكان مزارعين داسلاند يقومون بمقايضة الزبدة مع مناطق التعدين ليأخذوا الحديد، ثم يقايضوا الحديد بالأسماك بينما يأخذ الصيادون الحديد وينقلونه ويتاجرون به خارج البلاد. الأمر كان متخلف ومرهق. ولكن هذه لم تكن النهاية، بل جاء الوباء الأسود على السويد في القرن الرابع عشر، مما أدى إلى هلاك الكثير من البشر في السويد. ولكن هذا جاء بمنظور آخر جيد حيث أنه جعل المواطنين يقبلون الاتحاد، فاتحدت السويد والنرويج تحت ولاية الملك “ماغنوس إريكسون” عام 1397.
قيام الإمبراطورية السويدية
في حدود القرن السادس عشر كان عدد كبير من وارثي العرش الملكي للسويد قُصر، أو غير بالغين وغير قادرين على إدارة شئون المملكة. ولذلك السلطة الحقيقية كانت بأيدي الأوصياء عليهم. وأهمهم كانت عائلة “ستيور” الذي تم اختيارهم عن طريق البرلمان السويدي، ولكن في عام 1520 قام الملك الدنماركي بتنصيب نفسه ملكًا على السويد، وأمر بقتل عدد من نبلاء مملكة السويد، وتم تسمية هذه المذبحة “بحمام دم ستوكهولم”. ثم بعدها بثلاث أعوام قام بقية نُبلاء السويد بعمل ثورة عليه ونجحت ونصبوا “غوستاف فاسا” ملكًا للسويد. والذي رفض السلطة الدينية الكاثوليكية وأدخل الإصلاح البروتستانتي للسويد.
وبحلول القرن السابع عشر قامت الإمبراطورية السويدية والتي كادت أن تقارب الإمبراطورية الرومانية في أوروبا، حيث أن ملك السويد غوستاف أولف الثاني كان قد استولى على جزء كبير من بلاد أوروبا مثل أجزاء من روسيا، وليتوانيا وبولندا، عن طريق حرب استمرت ل30 عام، وكان يحلم الإمبراطور غوستاف أولف أن يحكم الإمبراطورية الإسكندنافية والإمبراطورية الرومانية المقدسة. ولكن هذا الحلم لم يكتمل إذ أنه مات في معركة لوتزن في عام 1632 وبعدها بدأت المستعمرات التي كانت تابعة للسويد في التفكك والانفصال ولم يظل تحت سيطرة الإمبراطورية السويدية سوى عدد قليل من المدن الألمانية.
تاريخ السويد الحديث
في القرن التاسع عشر شهدت السويد طفرة في زيادة عدد السكان، حيث أن بعض الباحثين قالوا إن بين القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر تضاعف عدد سكان السويد، وكانت هذه الزيادة متوازية مع بزوغ نجم الولايات المتحدة في العالم واحتياجها لمواطنين من معظم أنحاء العالم. ولذلك هاجر عدد كبير من السويديين إلى الولايات المتحدة الأمريكية حتى وصل عدد السويديين في شيكاغوا أكثر من عدد السويديين في جوتنبرج والتي هي ثاني أكبر مدينة في السويد. ولكن هذا الحال لم يدم طويلًا، حيث بدأت الصناعة في التطور في أوروبا والسويد لم تفوت الفرصة. أيضًا قامت النقابات العمالية والصناعية مما جعل قوانين العمل أسهل. تم إدخال محاصيل زراعية جديدة والذي ساعد أيضًا في تطور الصناعات الغذائية في السويد. ثم بعد ذلك بدأ الشعب السويدي في تكوين الأحزاب والجماعات المستقلة مما أدى إلى خلق مناخ ديموقراطي. ولما جاءت الحرب العالمية الأولى، السويد لم تتدخل وكانت على الحياد وهكذا أيضًا في الحرب العالمية الثانية ولكنها لم تكن قادرة على مقارعة ألمانيا فقدمت الإذعان في نفس الوقت الذي دعمت فيه الجانب النرويجي واستقبلت يهود الدنمارك. بعدها قامت الحكومة السويدية بالتعامل مع الأخطاء الاقتصادية فقررت خفض معدلات الإنفاق الحكومي، ثم انضمت إلى الاتحاد الأوروبي عام 1995 مما ساعدها جدًا في الحرية الاقتصادية داخل القارة الأوربية وجعلها مرة أخرى واحدة من أكثر دول العالم رفاهية.
الثقافة في مملكة السويد
تصدر السويد سنويًا واحدة من أهم الجوائز العلمية التي تسلط الضوء على أشخاص وإنجازات أدبية وثقافية وعلمية واقتصادية وسياسية. هذه الجائزة هي جائزة نوبل الغنية عن التعريف. ويكفي شرفًا من يُقدر بهذه الجائزة من البشر في العالم. أيضًا السويد نفسها لديها عدد كبير من الفنانين على مدار العصور، فمن الكتاب لديهم 7 حازوا على جائزة نوبل للآداب، لديهم العديد من المتاحف وتاريخ الرسامين عندهم أيضًا شهير. فلديهم “كارلوس لارسون” وأندرس سورن”، أيضًا لديهم نحاتين مثل “توبياس سيرجل” و”كارل ميلز”. كما أن السويد تزعمت ثورة المساواة في أوروبا بين الرجل والمرأة، وتعتبر السويد دولة ليبرالية مؤمنة بالحريات الاجتماعية بنحو غير قابل للتدخل من أي شخص أو مسئول.
الموسيقى في السويد
الموسيقى التراثية في السويد ليست موثقة، وللأسف حتى الموسيقى النوردية التي كانت تميز الشعب السويدي قبل دخول المسيحية لم تورث واضمحلت، ويتم في هذه الأيام تكوين رؤية عامة عن الموسيقى في هذه الحقبة عن طريق الآلات التي يجدونها في الحفريات. أما في الأيام الحالية فالموسيقى المتداولة في السويد هي موسيقى الهيب هوب والجاز، كما أن هناك الموسيقى الروحانية والتي تكون عبارة عن ألحان روحانية تسمى “اليويك”. كما أن أغاني البوب والروك في السويد غالبًا تحمل كلمات ذات محتوى سياسي وليبرالي وتتكلم عن الحريات والحُب. هناك 600 ألف مواطن سويدي يشترك في جوقة غنائية. السويد أيضًا تعد ثالث أكبر مُصَدِر للموسيقى في العالم. بإرادات تجاوزت ال800 مليون دولار، فهناك فرق مثل “آبا” وهي فرقة معروفة عالميًا، باعت تقريبًا 370 مليون أسطوانة موسيقية، مما يجعل السويد واحد من أكبر مصدري موسيقى البوب في العالم.
الأدب في مملكة السويد
أول النصوص السويدية الأدبية كان باللغة الرونية عام 800 ميلادية، أما بعد هذه الفترة تحولت السويد إلى المسيحية في القرن الحادي عشر، بعدها بدأ انتشار الكتابة باللاتينية. لذلك في هذه الفترة يوجد القليل جدًا من النصوص السويدية. ولكن هذا الأمر تغير مع بزوغ الإمبراطورية السويدية في القرن السابع عشر، مع تطور السويد وتطور منظومة التعليم في ذلك الوقت ظهر العديد من الكُتاب باللغة السويدية، وكان خير مثال هو “غيورغ ستيرنهليم” الذي كتب الشعر الكلاسيكي ولكن باللغة السويدية الأم. ثم من حيث النثر فكان هناك “هنريك كليجرين” الذي يعتبر أول كاتب نثر حر باللغة السويدية. وبالنسبة للمسرح سنجد صاحب الصيت العالمي في القرن العشرين “أوغست سترندبرغ”، حيث كان كاتب اجتماعي ومسرحي شهير. أما لو تكملنا عن الأدب عند النساء السويديات فلديك “سلمى لاغرلوف” التي حازت على جائزة نوبل للآداب عام 1909 ثم بعدها بعدة سنوات صارت ضمن لجنة تحكيم جائزة نوبل للآداب. وكانت “سلمى لاغرلوف” روائية ذات صيت في ذلك الوقت. كل هؤلاء الكُتاب وغيرهم يجعلونك تصدق أن الشعب السويدي من أكثر خمس شعوب قراءة بين شعوب العالم. مما يعطيك سببًا آخر لتفسير تقدم السويد بهذا الشكل الحضاري الجميل.