الدنمارك

الدنمارك - التاريخ والثقافة

مما لا شك فيه أن أي مكان في العالم مهما كان كبيرًا أو صغيرًا فإنه يمتلك في النهاية مخزون لا يُستهان به من التاريخ والثقافة، والدنمارك بالذات لا يُمكن أن يُستهان بتاريخها حتى لو لم يكن بنفس عظمة إنجلترا وفرنسا مثلًا، على العموم، في السطور القادمة، وتناولنا للتاريخ والثقافة والفن في دولة الدنمارك، سوف يتضح أكثر أهمية هذا المخزون الذي خلفته الحضارة الدنماركية، والبداية ستكون طبعًا مع الأصل، مع التاريخ، فماذا عنه يا تُرى؟

تاريخ دولة الدنمارك

الجانب التاريخي في حياة أي دولة من الجوانب الهامة جدًا، وقد بدأ التاريخ في الدنمارك باكتشافها، وهو الأمر الذي جاء قبل حوالي مئة ألف عام من التاريخ الميلادي، أو دعونا نوضح أكثر ونقول مولد المسيح عليه السلام، ثم بعد ذلك بفترة طويلة، وتحديدًا قبل اثني عشر ألف عام من الميلاد، بدأ البشر يتوافدون على الدنمارك مما يدل دلالة واضحة على صلاحيتها للحياة في هذا الوقت، ثم بعد ذلك جاء الاكتساح الروماني القديم لكل دول أوروبا، وهو الذي طال الدنمارك طبعًا قبل أن تتبع هذه البلد لاحقًا حضارة الفايكنج، وهي التي أثرت التأثير الأكبر في حياة الدنمارك، وبعد زوال هذه الحضارة العظيمة دخلت الدنمارك في طقس الاختفاء لفترة طويلة للغاية، ولم يكن أحد يعرف وقتها الأسباب الحقيقية خلف هذا الاختفاء حتى جاء القرن الثاني عشر وعادت الدنمارك مرة أخرى إلى صفحات التاريخ، لكن هذه المرة كانت العودة من الباب الكبير، حيث أصبحت مملكة موحدة مُتكاملة لها نظام حكم قوي وشعب يعمل من أجل المملكة، ولن نبالغ إذا قلنا أن الدنمارك كانت من القوى العظمى في أوروبا بذلك التوقيت، لكن هذه القوة العظمى لن تستمر طويلًا، إذ جاءت العصور المظلمة في قارة أوروبا واختفت كل بارقة نور كانت موجودة في السابق، وتختفي أيضًا الدنمارك مرة أخرى!

مع نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر عادت الدنمارك إلى الواجهة التاريخية مرة أخرى، وربما يكون هذا مبالغًا فيه إلا أن السبب الرئيسي خلف هذه العودة هو الاحتلال الذي تعرضت له على يد نابليون، أو دعونا نقول محاولات الاحتلال، ثم مع نهاية القرن التاسع عشر بدأت الدولة الدنماركية تتضح ملامحها وظهرت الحكومات والأحزاب والمعارضة، ثم بعد ذلك بدأت الدولة بأكملها تولي اهتمامًا بالتصنيع والسياحة، والحقيقة أن كل هذا التاريخ لم يأتي ويذهب سدى على الإطلاق، إذ أنه قد خلّف بالطبع مخزون كبير من الثقافة والفنون والأدب وكل شيء يتعلق بهذا الصدد عمومًا، وهذا ما يدفعنا للبدء بالحديث عن الجانب الأهم في تاريخ أي دولة عمومًا، وهو الجانب الثقافي، فماذا عنه يا تُرى؟

الثقافة في الدنمارك

الناحية الثقافية في دولة الدنمارك يُمكن أن تكون ملاذًا للحديث من أكثر من جانب، وعلى رأس هذه الجوانب الثقافة المعيشية والثقافة العادية التي نعرفها جميعًا والمتُعلقة بالأدب والفنون، أما من ناحية ثقافة العيش في الدنمارك فالجميع يعرف أن التقدم قد طال الحياة بكافة أنواعها هناك، وأول هذه الجوانب جانب المعمار، فثقافة المعمار في هذه البلد تُعتبر الأفضل على الإطلاق في أوروبا الشمالية وضمن الأفضل في العالم بأكمله، إذ أنه ثمة أبنية معروفة بكونها الأفضل للعيش حسب التصنيفات العالمية، أيضًا الدين كان له دور كبير في تشكيل الهوية الثقافية في الدنمارك، وهذا يتضح أكثر من خلال التعرف على أعداد الكنائس والكاتدرائيات هناك، أضف إلى ذلك أن الدنمارك كان لها السبق في سن الكثير من القوانين التي تُثبت فعلًا تقدمها وابتعادها بمسافة طويلة عن دول أوروبا الشمالية على الأقل، ومن هذه القوانين قانون العنصرية وقانون حقوق المثليين وقانون العمل وقانون المساواة، فكل هذه القوانين تأخذ فترة كبيرة حتى تندرج ضمن ثقافة أي دولة، لكن الدنمارك تفعل ذلك قبل الجميع وأفضل من الجميع، وكل هذا يوضح طبعًا ثقافة العيش هناك وتألقها.

الناحية الثانية من الحياة الثقافية في الدنمارك تشمل الجانب الأدبي في المقام الأول، وبهذا الصدد أيضًا كان للدنمارك باع طويل، حيث أن كريستيان أندرسن يُعتبر من أفضل الكتاب التاريخيين الذين كتبوا الأساطير والخرافات، وهو فن أدبي كان شائعًا في أوروبا قديمًا، كذلك من ضمن الكتاب الدنماركيين المشهورين الكاتبة كاران بليكسن التي حازت على جائزة نوبل في الآداب، أضف إلى ذلك الكثير من الكتاب والفلاسفة الذين شكلوا بقوة الحياة الثقافية في الدنمارك، أما الجانب الآخر، وهو جانب الفن، فهذا الجانب لا يُمكن على الإطلاق إجماله في حديث مع الثقافة، بل يجب التحدث عنه بشكلٍ منفرد ومفصل، فما الذي يُمكننا قوله عن حياة الفن في الدنمارك يا تُرى؟

الفن في الدنمارك

قوة أي دولة تكمن في فنها وثقافتها، هكذا تقول القاعدة، وإذ طبقنا هذه القاعدة على دولة الدنمارك فسنجد أن الفن هناك له أكثر من قسم أو تصنيف، ففي البداية فن المعمار الدنماركي يُعتبر من أقوى الفنون المُتخصصة بهذا الصدد، وهذا يتضح من القصور والبيوت والكنائس والكاتدرائيات القديمة، أضف إلى ذلك أيضًا تفوق فن النحت الدنماركي ومعه فنون الرسم والتصوير الزيتي، فكل هذه الفنون كان لها نصيب الأسد من التفوق الفني في الدنمارك، وقد حققت الإنجازات الخاصة بها في صورة معارض ومتاحف وجوائز عالمية في هذه المجالات، لكن الفن الحديث الشعبي كما يُطلقون عليه لم يعد يعترف سوى بالسينما والمسرح والأوبرا والفنون التعبيرية الأخرى، وبالنسبة للمسرح والأوبرا، بوصفهما طبعًا في خندق واحد، فقد كانا يُحققان نصرًا وتقدمًا كبيرًا على بقية أنواع الفنون حتى نهاية القرن المنصرم، وقد كان ذلك واضحًا بشدة من خلال المسارح ودور الأوبرا الكثيرة، لكن مع مرور الوقت، وعلى سبيل المواكبة لأحدث تقاليع القرنين الأخيرين، كان لابد من التوجه للسينما بوصفها المُحدد الرئيسي لدرجة تقدم وتأخر الفن في الدنمارك، فماذا عن السينما هناك؟

السينما في الدنمارك أخذت منحنى تصاعدي كبير منذ نهاية القرن العشرين، وقد صاحب ذلك المنحنى تغيرات عديدة في المدرسة الفنية، فقد بدأ الأمر بسينما الدراما ثم الكوميديا ثم الإثارة والغموض والحركة، وهذا اللون الأخير هو المسيطر حاليًا بوصفه المروج الأول للسينما التجارية، لكن على الرغم من ذلك نجد أن الدنمارك قد حصدت الكثير من الجوائز السينمائية ورُشحت وفازت أكثر من مرة بجائزة الأوسكار عن أفلامها، حتى أن أعداد الممثلين العالميين والمخرجين أصبحت تتزايد للغاية في الآونة الأخيرة بما يؤكد دخولها عصر الاحتراف الفني السينمائي من أوسع أبوابه، وهذا هو الهدف هناك في الدنمارك بكل تأكيد وبات الفيصل عن تحقيقه يُحسب بسنوات قليلة للغاية.