الجبل الأسود

الجبل الأسود - التاريخ والثقافة

التاريخ

من الأشياء التي تشغل الجميع في البلد التي يريدون السفر إليها هي تلك التي تتعلق بالتاريخ، وتحديدًا الحياة التاريخية التي مرت بها البلاد، وفيما يتعلق بالجبل الأسود فيُمكن القول إن الحياة هناك قد تقسمت لأكثر من مرحلة تاريخية.

مرحلة القرون الأولى

البداية الحقيقية للحياة التاريخية في دولة الجبل الأسود تأتي في القرن السادس الميلادي، حيث كان السلافيين في ذلك التوقيت هم من قاموا بافتتاح الحياة في هذه البلد وبداية العصر الأول لها، وبعد تلك الفترة بثلاثة قرون فقط، وأثناء الاجتياح الروماني، خضعت الجبل الأسود لحكم الرومان ما يقترب من الثلاثة قرون، وفي هذه القرون الثلاث شهدت الجبل الأسود ضعفًا عامًا شديدًا حتى جاء وقت تقسيم الإمبراطورية الرومانية وكانت الجبل الأسود وقتها هي الحدود الفاصلة بين الجزء الشرقي والجزء الغربي، وقد انتهت مرحلة القرون الأولى بتفتت المملكة الرومانية المتحدة.

مرحلة إمارة دوكليا

المرحلة الثانية الهامة في حياة دولة الجبل الأسود هي تلك المرحلة التي شهدت تولي الملك بيتر التابع للحكم البيزنطي السيطرة الكاملة على البلاد، وعلى الرغم من تابعته لمملكة كبرى إلا أن بيتر اعتبر الجبل الأسود قطعة خاصة به وقام بتطويرها لدرجة أن تلك المرحلة في تاريخ الدولة هي المرحلة الأهم والأكثر ازدهارًا، وخاصةً مع انتشار الثقافة اللاتينية وتوغلها، كما أن تلك المرحلة قد شهدت تنصر الجبل الأسود، وقد عُرفت هذه المرحلة من خلال نقش تم اكتشافه في نهاية القرن التاسع عشر يقول أن بيتر كان الملك الأول والأهم لإمارة دوكليا.

مرحلة العصر الحديث

يُرمز للقرون الخمس الأخيرة باسم مرحلة العصر الحديث، وبالفعل كانت هذه المرحلة هي مرحلة الخلاص والنجاة بالنسبة لدولة الجبل الأسود، إذ أنها قد شهدت في البداية سيطرة من السلطة العثمانية التي استمرت لفترة طويلة وكانت أهم نتائجها دخول ثلث السكان في الديانة الإسلامية مع الخروج بعدد وافر من الأبنية التابعة للهوية الإسلامية أيضًا، أيضًا هذه المرحلة شهدت اتحاد الجبل الأسود مع العديد من الدول تحت سيطرة تركيا.

قبوع الجبل الأسود للحكم العثماني أدى إلى دخولها الحرب العالمية الأولى كعدو رئيسي لها، وبعد الانتصار تم الاتحاد الأخير مع دولة صربيا، وعلى الرغم من أن الجبل الأسود لم تكن مُرغمة تمامًا على الانضمام إلى ذلك الاتحاد إلى أنها ظلت تُحارب من أجل الانفصال عنه، وقد تحقق المراد بالفعل في عام 2006، وذلك بعد استفتاء شعبي حاشد نادى خمسة وخمسين بالمئة ممن قاموا به بالانفصال التام عن صربيا والتحول إلى دولة مستقلة لها كيانها الخاصة، هذه الدولة هي التي تُعرف الآن باسم الجبل الأسود وتمتلك ما يقترب من السبعمائة ألف نسمة بداخلها.

الثقافة

لا خلاف بالتأكيد على أن تناول الجانب الثقافي عند التحدث عن أي بلد أمر في غاية الأهمية، خاصةً وإذا كانت تلك البلد هي الجبل الأسود، على العموم، من أهم مظاهر الهوية الثقافية للجبل الأسود الدين.

الدين

كان الدين هو المسمار الأول في الهوية الثقافية الخاصة بدولة الجبل الأسود، وذلك على الرغم من كونها لم تتنصر أصلًا إلى مع القرن التاسع الميلادي، لكن منذ ذلك الوقت انتعشت الجبل الأسود وأصبحت تمتلك مرجعية مُقنعة، وبدأت بعد ذلك الوقت تظهر الكثير من العادات والتقاليد التي اعتمدت في المقام الأول على الحالة الدينية، لكن لا يُمكن القول أبدًا أن تأثير الدين على الهوية الثقافية قد توقف عند ذلك الحد، فقد امتد ليشمل جزء هام جدًا يتمثل في العمارة.

العمارة

كانت العمارة كذلك أحد مظاهر الهوية الخاصة بدولة الجبل الأسود، فقد أدت فترات الحكم الخارجي المتقطعة التي شهدتها هذه البلاد إلى نهضة كبيرة في هذا المجال، إذ أنه كان هناك وجود للكثير من الأبنية الرومانية مع وجود كذلك للأبنية التركية، وكل فن من هذين الفننين يُمكن الحديث عنه لأيام طويلة، كذلك لا ننسى أن تلك النهضة المعمارية قد انعكست بصورة رئيسية على الأماكن الدينية، والحديث هنا عن المساجد والكنائس والكاتدرائيات ودور العبادة عمومًا.

المطبخ

البعض قد يندهش طبعًا من دخول المطبخ ضمن مشكلات الهوية الثقافية، لكن هذا الأمر صحيح مئة بالمئة، إذ أنه يُحدد بصورة كبيرة شكل الدولة وحالتها، وفيما يتعلق بمطبخ الجبل الأسود فهو متأثر كثيرًا بمطابخ البحر الأبيض المتوسط، وخصوصًا تلك المناطق القريبة من الساحل، أما المناطق الداخلية داخل الجبل الأسود فهي تعتمد بشكل كبير على الأطباق الخفيفة كالبطاطس وبعض منتجات الحليب.

الرياضة

من الأشياء المُشكلة أيضًا للهوية الثقافية الرياضة، فمنذ انفصال الجبل الأسود عن صربيا بدأت على الفور الالتحاق بالاتحادات الرياضية المختلفة، وكان أولها اتحاد كرة القدم، وعلى صعيد الإنجازات فقد حققت الجبل الأسود بطولة الأمم الأوروبية في الرياضات المائية، وهو إنجاز كبير بكل تأكيد يتوقع أن يتحقق مجددًا في رياضات التسلق وكافة الألعاب المائية بشكل عام، وما ساعد على ذلك بالتأكيد الطبيعة الخاصة لهذه الدولة وتوافر إمكانيات هذه الرياضات بها.

الأدب

فيما يتعلق بمجال الأدب فيُمكن القول إن السقطة الحقيقية تبدأ من هنا، بسبب الصراعات الطويلة التي حظيت بها هذه الدولة على مدار تاريخها لم تتمكن في نهاية المطاف من الخروج بإنجاز أدبي حقيقي، لم تتمكن أصلًا من إيجاد نهضة أدبية بأية شكلٍ من الأشكال، إذ أنه من الصعب جدًا، بل ربما يكون من المستحيل، أن يتم العثور على روائي أو شاعر ينتمي للجبل الأسود، صحيح أنهم موجودين لكنه وجود محلي فقط يكفي الطلب الداخلي، لكن يُتوقع أن تحدث نهضة حقيقية بهذا الصدد في الفترة المقبلة، وخاصةً بعد حدوث الانفصال وتحول الجبل الأسود إلى دولة قائمة بذاتها.

الفن

عانى الفن كذلك من نفس ما عانت منها الحركة الأدبية، وإن كان الفن قد أفلت قليلًا في بعض المجالات، وعلى رأس هذه المجالات الموسيقى، حيث أن الموسيقى في دولة الجبل الأسود تمكنت من الاستفادة كثيرًا من الموسيقى التركية وقت سيطرة الدولة العثمانية على تركيا، أيضًا كانت هناك بعض الاستفادة من موسيقى الجيران كالموسيقى الصربية والموسيقى الألبانية، ولهذا يُمكن القول إجمالًا أن موسيقى الجبل الأسود بخير، ويُشاركها في ذلك أمور أخرى مثل النحت والرسم، فهي أشياء تحتاج إلى مواهب فردية أكثر من كونها تحتاج إلى إمكانيات وقدرات، وهذا ما لم تتمكن الدولة من توفيره.

على العكس تمامًا من الموسيقى يأتي المسرح والسينما، فهما لم يستفيدا على الإطلاق من أي جيران أو خضوع لحكم دول أخرى، فالسينما هناك تكاد تكون منعدمة، ولا يوجد سوى عمل سينمائي واحد أو عملين على الأكثر يتم إنتاجهما في العام الواحد، بل وفي بعض الأعوام لا يكون هناك أي إنتاج على الإطلاق، وعلى ما يبدو فإنه لن يكون هناك شيء من هذا القبيل في القريب العاجل، إذ أن الاهتمام بالسينما شبه منعدم تقريبًا.