البوسنة والهرسك في العصور القديمة
في البداية يعتبر العصر الحجري الحديث هو أول الحقب الزمنية التي تم فيها استيطان أراضي تلك الدولة، وعاش الإنسان في هذه الفترة بسلام إلى أن أتى قبائل الإيليريون في العصر البرونزي وهم كانوا قوم عداوة وذو بأس شديد، ويقول المؤرخون أن هذه القبائل هم أصول الهندو أوروبي أي الخليط ما بين قارتي أوروبا وأسيا، ثم بعد ذلك جاءت قبائل السلت خلال القرن الرابع والثالث قبل الميلاد فقاموا بطرد أغلب سكان هذه الأراضي واستوطنوها من بعدهم، واستمروا هكذا عدة أعوام حتى دبت الخلافات فيما بينهم وتدخل الرومان حتى استكانت لهم البلاد بأكملها في العام التاسع الميلادي، وبدأت الهجرات الرومانية من كل أوروبا تتوافد عليهم شيئًا فشيء حتى أقبل بعض الجنود الذين عدوا حماة الديار فيما بعد.
ومع مرور الكثير من الأعوام تم تقسيم الدولة وألحقت أجزاء منها بالإمبراطورية الرومانية، وتقول بعض الكتب التاريخية أنه قد تم غزو الدولة في منتصف القرن الخامس الميلادي على يد قبائل القوط، ثم استعادها منهم القائد والإمبراطور جستنيان الأول إمبراطور الدولة الرومانية العتيقة.
البوسنة والهرسك في العصور الوسطى
أما تاريخ دولة البوسنة والهرسك في العصور الوسطى فهو متضارب بعض الشيء وبه الكثير من الحقائق التائهة، فتقول المصادر أنه قد تم الاستيلاء على الدولة من قبل قبائل السلاف ثم أخذتها منهم الفرنجة في القرن التاسع الميلادي، وبعدها بدأ التبشير المسيحي في دولة البوسنة والهرسك وهذا يعتبر وقت متأخر جدًا بالنسبة لبداية التبشير، ولكن السبب في ذلك يعود إلى بُعد الدولة جغرافيًا عن مناطق الدعوة الأساسية، وفي نفس الوقت بدأت دولتي كرواتيا وصربيا في المنافسة على تقاسم دولة البوسنة والهرسك فأخذت كل واحدة منهم نصف الدولة، وما لبث أن دبت الكثير من الحروب والنزاعات في الكثير من أراضي أوروبا بين الإمبراطورية البيزنطية ومملكة المجر، وصارت البوسنة والهرسك بدون وصي أو حاكم أجنبي عليها وبذلك يأتي دور الملكية الجديدة وكانت للبوسني بان كولين، وقد حكمها هذا الملك الوطني لمدة ثلاثين عام لم تحدث بها أي مشاكل وساد السلام وازدهر الاقتصاد بعدما عقد بعض الاتفاقيات مع الممالك المجاورة.
وبعد موت هذا الملك وتعاقب الملوك من بعده حدثت بعض النزاعات بين أسرتين كبيرتين للاستحواذ على الحكم، انتهت تلك النزاعات والصراعات بتعيين الملك ستيفن بان الثاني الذي كان محب للتوسع والاستحواذ على الأراضي المجاورة، ومرت الأعوام تلو الأخرى وضعفت الدولة بعد موت الملك تفيرتكو عام 1391 تزامنًا مع صعود العثمانيين وزيادة قوة دولتهم، حتى تمكنت الدولة العثمانية من إسقاط البوسنة والهرسك تحت أيديهم.
البوسنة والهرسك تحت الحكم العثماني
تمكنت الجيوش العثمانية القوية من إخضاع البوسنة عام 1463 ثم بعدها بتسعة عشر عام تقريبًا تمكنوا من إخضاع الهرسك وبذلك تكون البلاد بأكملها تحت حوزتهم، وبالرغم من القضاء على أغلب أمراء تلك الدولة إلا أنها لم تقم بالقضاء على الهوية الخاصة بهم وأبقت الأمور من ناحية الوطن والهوية كما هي، وهذا أمر غريب بعض الشيء بالمقارنة مع باقي دول أوروبا التي تم الاستيلاء عليها من قبل العثمانيين، وقامت الحكومة العثمانية بتنظيم البلادة إداريًا وسياسيًا وعملت على نشر الإسلام فيها حتى أسلم الكثيرين من سكان البوسنة والهرسك وصاروا النسبة الأكبر في الدولة، ومع اتساع رقعة الدولة العثمانية نمت البوسنة والهرسك وازدهرت بشكل كبير جدًا، وقام السلاطين والوزراء بتشييد القصور والابنية المعمارية الهامة في أراضي الدولة وأشهر هذه الأبنية هو مسجد غازي خسروا بك، وتطوع الكثير من الجنود البوسنيين في الجيش العثماني وشاركوا في المعارك الحربية مثل كربافا وموهاج.
واستمرت الحياة هادئة تمامًا طوال الثلاثة قرون الأولى من حكم العثمانيين للبوسنة والهرسك ولكن خلال القرن الرابع والأخير بدأت القلاقل والمشكلات في تطويق العثمانيين وجيوشهم، حتى انتهى حكم العثمانيين بها وفق بنود معاهدة برلين التي أجريت في عام 1878 لتخرج الدول من تبعيتها للعثمانيين إلى تبعيتها للإمبراطورية النمساوية المجرية.
البوسنة والهرسك تحت حكم الهنغاريين
بعد ذلك تنتقل البوسنة والهرسك إلى حكم الإمبراطورية النمساوية المجرية حتى عام 1918 أي بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وقد عاشت البوسنة والهرسك مع الهنغاريين طوال تلك المدة في تفاهم وسلام إلا بعد مناطق الهرسك الذي رفضت تلك الإمبراطورية، وبعد ذلك عززت الإمبراطورية تواجد الديانة المسيحية في البوسنة والهرسك فقامت ببناء ثلاثة كنائس ليصل عدد الكنائس الكاثوليكية في البوسنة فقط إلى عشرين، وعملت الإمبراطورية أيضًا على تطوير البلاد وتنمية النشاط الاقتصادي بها حتى قررت ضم البوسنة والهرسك إليها رسميًا، وهذا وفق مشروع إقامة دولة موحدة للسلاف وبما أن البوسنة والهرسك عرقية سلافية فكانت ضمن مقترح الضم، ولكن روسيا اعترضت على ذلك وحاولت وقف ذلك المشروع ولكنها وافقت في الأخير مقابل وعود سياسية أخرى من قبل النمسا، ثم تأتي الحرب العالمية الأولى وبها تنتهي تبعية البوسنة والهرسك للإمبراطورية النمساوية المجرية.
البوسنة والهرسك من 1918 حتى الاستقلال
بعدما انتهت الحرب العالمية الأولى انضمت البوسنة والهرسك إلى حلف جمهورية يوغسلافيا الأولى وكان مكون من كرواتيا وصربيا وسلوفينيا، ولكن الحياة لم تسير بسلام بسبب عجز الحكومات عن توزيع الثروات الاقتصادية على كافة دول الجمهورية بالتساوي، وأيضًا الاضطرابات الاجتماعية وتشكيل العديد من الأحزاب وغيرها من الأشياء الأخرى، ثم تأتي الحرب العالمية الأولى ويعلن هتلر حربه ضد جمهورية يوغسلافيا فخرجت البوسنة والهرسك من الجمهورية سريعًا مخافة الإبادة، ولكنها زجت إلى الحرب بسبب تداعيات الحرب والتي انتهت بتكوين دولة يوغسلافيا الاشتراكية المكونة من عدة دول منها البوسنة والهرسك، وبفضل موقعها الجغرافي الممتاز تحكمت البوسنة والهرسك في أغلب مجريات الأمور بالدولة الاشتراكية الجديدة وخاصة بما يتعلق بالمجال العسكري، فكانت أغلب الأسلحة والمعدات العسكرية الحديثة داخل أراضي البوسنة والهرسك.
وهذا التواجد العسكري الكبير كان السبب في إشعال الحرب البوسنية بشراسة منقطعة النظير، فبعد تفاقم الأحداث بين الأعراق الموجودة في الدولة والتي كانت تمثلها بعض الأحزاب، اشتعلت نيران الحرب منذ عام 1992 ولم تنطفئ إلا في 1995.
الأدب والفن في البوسنة والهرسك
عند حديثنا عن الأدب والفن في هذه الدولة فلابد من ذكر أشهر من بزغوا ولمعوا من تلك الدولة حيث أنها قد أخرجت العديد من الشعراء والكتاب مثل جوفان دوسيتش وماك ديزادار وأنتون سيميك، وفي الكتابة بزغ ميسا سليموفيتش وعبد الله سيران وزلاتكو توبسيتك وغيرها من الكتاب الأخريين، ولا ننسى الكاتب الكبير الحائز على جائزة نوبل عام 1961 وهو ايفو أندريتش، وقد تم بناء المسرح الوطني للدولة في العاصمة سراييفو عام 1919 وأولى المخرجين به كان برانيسلاف نوشيتش، أما عن الفن في البوسنة والهرسك فقد أنشئت الدولة متحفًا للفن المعاصر في عام 2007 وقد حمل اسم آرس افي وقامت بوضع العديد من أعمال الفنانين المشهورين بالدولة فيه، وبعيدًا عن المتحف فتعد البوسنة والهرسك مليئة بالفنانين الذين برعوا في تجسيد ما حدث بالعصور الوسطى وخاصة القبور التي كانت موجودة حينها.
وفي القرن العشرين تعلم الكثير من الشباب في الأكاديميات والجامعات الأوروبية حتى صاروا أعلامًا في الفن مثل رومان بتروفيتش وبيتر سين ولازار درليجا وغيرهم الكثيرين، فالدولة بشكل عام محبة للفن وخاصة الرسم وهذا ما ظهر لنا جليًا في أعداد اللوحات التي رسمت والموجودة بمتاحف الدولة، هذا بجانب أن أعداد الرسامين والفنانين بشكل عام قد ارتفعت جدًا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.