إيرلندا الشمالية قبل التقسيم
قبل كل شيء علينا أن نعلم جميعًا أن جمهورية إيرلندا كلها سكنها الكثيرون من فرنسا وإنجلترا في بمطلع القرن الثاني عشر، ونشأوا وترعرعوا بها حتى صاروا كتلة صميمة من هذا الشعب بجانب غرب إسكتلندا الذي كان يهاجر على الدوام إلى الشرق والشمال من إيرلندا، وقد تأسست مستوطنة حملت اسم أولستر بلانتيشن مكونة من الإنجليز والإسكتلنديين، ولكن كان الاختلاف المذهبي هو أحد أهم أسباب الصراع الذي دار بين الإيرلنديين والإسكتلنديين والإنجليز، فإنجلترا ومعها الإسكتلنديون كانوا يعتنقون المذهب البروتستانتي في حين أن الإيرلنديون كانوا معتنقين الكاثوليكية، وللأسف تحول هذا الاختلاف إلى صراع سياسي حربي انتهى بهزيمة الإيرلنديون في مطلع القرن السابع عشر، حيث وقعت معركة كينسالي والتي كان فيها النصر حليف الإنجليز وتمكنوا حينها من فرض سيطرتهم على كامل البلاد، وما أن هبت قوى إيرلندا لاستعادة السيطرة حتى كانت القوات الإنجليزية مع الإسكتلندية في انتظارهم بحرب وليامايت والتي انتهت بهزيمة أيرلندا أيضًا.
وهدئت الأوضاع قليلًا حتى قامت الثورة الفرنسية فخرجت إيرلندا مطالبة بتوحيد جمهوريتها هي الأخرى والانفصال عن إنجلترا، وهذا بعد الاتفاق مع جميع الطوائف الدينية في البلاد، ولكن الإنجليز حالوا دون ذلك ورفضوا منحهم الاستقلال بل وقاموا بخطوة أكثر ذكاءً، وهي دمج المملكة المتحدة مع بريطانيا العظمى وهنا يكون جبرًا على إيرلندا الانصياع والدخول مع إسكتلندا وويلز وإنجلترا في تحالف واحد، وكان ذلك الأمر في العام الأول من القرن التاسع عشر.
تقسيم جمهورية إيرلندا
في نهاية القرن التاسع عشر حدثت الكثير من الإصلاحات القانونية أهمها إلغاء التمييز بين الكاثوليك والبروتستانت، وإتاحة الفرصة للمزارعين المستأجرين بشراء الأراضي من الملاك الأصليين بدون قيد أو شرط، ومع بدايات القرن العشرين حدثت نزاعات واختلافات بين مجلس اللوردات المسئول عن المملكة المتحدة والعموم والنقابيين في إيرلندا، فقال بعض الرجال المؤثرين في المملكة بأن الحل الأمثل هو السير إلى المعارضين في إيرلندا والقضاء عليهم بقوة السلاح لو استلزم الأمر، ولكن الأمر تدارك قليلًا حتى تسربت إحدى الإشاعات التي تثبت بأن الإيرلنديون يستقدمون أسلحة من ألمانيا استعدادًا للاستقلال والحكم الذاتي، وكان المسئولون عن ذلك الأمر في إيرلندا هم متطوعي أولستر الذين كانوا يعيشون في المقاطعة التي تحمل نفس الاسم أولستر، وفي عام 1914 كانت بداية التقسيم حيث تم تقديم مذكرة تفيد بأن المقاطعات الستة وعشرين تريد الانفصال والاستقلال والست الباقين هم ممتنعين عن ذلك.
وظلت المذكرة معلقة حتى حدثت الحرب العالمية الأولى والتي كان يظنها الجميع أنها حرب أسبوعين أو شهر على الأكثر، ولكنها استمرت أربعة أعوام كانت مشورة التقسيم معلقة خلالهم، وبعد انتهاء الحرب جد ديفيد جورج في طلبه لتقسيم الجمهورية إلى قسمين شمالي وجنوبي الأول سيبقى ضمن المملكة المتحدة والجنوبي سيصبح ذو حرية واستقلال تام، وهذا ما حدث في عام 1921 حيث حدث تقسيم الستر والذي نالت في جنوب البلاد استقلالها عن المملكة المتحدة وبقيت إيرلندا الشمالي بمقاطعاتها الست ضمن أملاك المملكة.
إيرلندا الشمالية والإضرابات العنيفة
بعد أن أنفصل جنوب إيرلندا عن شمالها كان لدى الشماليون الحق في الانضمام إلى جمهورية إيرلندا الحرة أو أن تظل جزء من المملكة المتحدة، ولكنها ظلت على نفس وضعيتها حتى حدثت صراعات شديدة بين الطوائف المذهبية الدينية في البلاد، فدبت مشكلة بين الكاثوليك والبروتستانت راح ضحيتها أكثر من ثلاثة آلاف شخص، حيث كان يوجد تمييز بين الكاثوليك والبروتستانت في العمل وهذا هو سبب المشكلة، وبعد إخماد نيران الفتنة قامت الدولة بعمل توازن بين المذهبين في الشرطة والإسكان والسياسة والانتخاب والمراكز الحكومية الهامة والمجالس وغيره، وما أن هدئت الأوضاع حتى قام الجيش الجمهوري الإيرلندي بإشعال فتيل حرب جديدة ولكنها حرب مسلحة، وكان هذا عام 1969 والهدف منها هو توحيد الجمهورية شمالًا وجنوبًا والقضاء على تدخلات المملكة المتحدة في إيرلندا الشمالية، وشعار هذه الحرب كان إيرلندا للجميع 32 مقاطعة، وفي عام 1972 تعلق أعمال الحكومة الإقليمية وحدث جمود سياسي في البلاد.
وكان العام التالي 1973 هو عام تحديد المصير حيث جرى استفتاء كبير في إيرلندا الشمالية كلها لتحديد أيهما تريد الانضمام جمهورية إيرلندا أم المملكة المتحدة، كانت نتائج هذا الاستفتاء هي ثمانية وتسعون بالمائة يريدون البقاء ضمن المملكة المتحدة وواحد بالمائة فقط يريدون الانفصال وهم كانوا من معتنقي المذهب الكاثوليكي، فشعب إيرلندا الشمالية القليل جدًا كان يرى أن أسلم حل له هو الحفاظ على الوضع الراهن والبقاء مع شعب المملكة المتحدة الكبير والقوي، حيث أن جمهورية إيرلندا التي انفصلت منذ أعوام قليلة كانت دائمة التنازع وحدثت فيها الكثير من الصراعات المسلحة بين الطوائف الدينية والغير دينية، في حين أن المملكة المتحدة أمنة مطمئنة تحافظ على وحدتها وتكفي حاجات شعبها وهذا ما اعتدنا عليه منذ قديم الأزل بالنسبة للمملكة المتحدة.
الثقافة في إيرلندا الشمالية
مع انتهاء الحروب والصراعات التي جرت فوق أراضي إيرلندا الشمالية حل السلام على المنطقة وبدأت الثقافة في الازدهار، وقد أتت هذه الخطوة ثمارها حيث أن أعداد السياح الذي زاروا إيرلندا الشمالية في الأعوام السابقة كانوا في زيادة مستمرة، وأهم ما يقام في تلك البلاد هي التقاليد الفنية والموسيقية والمهرجانات الثقافية والألعاب الرياضية وصيد الأسماك والغولف والمنازل العامة، وعلى ذكر المنازل العامة فقد تم فتح هذه المنازل للمرة الأولى في العام السابع والثمانين من القرن العشرين، وكان موعد فتحها هو يوم الأحد من كل أسبوع ولكنها قوبلت بالقليل من المعارضة التي لم تؤثر على الإطلاق في فتحها، ومن الدورات الهامة التي تقام في إيرلندا الشمالية هي دورة الستر التي تلقى فيها العديد من أبيات الشعر والنثر والأغاني بداخل مدينة الستر وتحديدًا في شرقها، والدورة أقيمت بسبب إحدى ملوك الستر الذي ذاع صيتهم وانتشرت الأساطير حولهم.
فقد قيل إنه كان على مقربة من السيد المسيح، وقيل أيضًا أن تم عزله ونقله إلى منطقة أخرى في البلاد، اضطر للدخول في بعض الصراعات والنزاعات مع بعض الملوك والملكات الآخرين، وبشكل عام تعتبر الثقافة الإيرلندية الشمالية زاخرة ومليئة بالنشاطات والبرامج الثقافية.
الرياضة في إيرلندا الشمالية
تنتشر في دولة إيرلندا الشمالية ثلاثة رياضات رسمية والبقية يعدون من الرياضات الغير شائعة وتمارس في نطاق محدود، والرياضات الثلاثة هم كرة القدم والغولف والسنوكر أو البلياردو كما يسمى، أما عن كرة القدم فجمعية إيفا هي المسئولة عن الكرة في البلاد فهي تنظم الدوري الممتاز والكأس وبعض البطولات الصغيرة التي تقام على مستوى الجزر فقط، وبالرغم من مستوى كرة القدم في إيرلندا الشمالية وهو ليس بالضعيف إلا أن أغلب مشاهير كرة القدم لديهم محترفين إما في الدوري الإنجليزي أو الإسكتلندي وخاصة الإنجليزي، أما عن رياضة الغولف وهي الرياضة الأكثر احترافًا وقوة في دولة إيرلندا الشمالية، حيث أنه قد بزغ عدد كبير من النجوم الإيرلنديين الشماليين في تلك اللعبة، ولا ننسى أن أول اتحاد لرياضة الغولف في العالم هو اتحاد إيرلندا الشمالية الذي بدأ عمله في عام 1891، وقبلها بعشرة أعوام تقريبًا تم إنشاء نادي الغولف الملكي في مدينة بلفاست العاصمة الإيرلندية.
وأشهر لاعبي الغولف في الوقت الحالي بتلك الدولة هو روري ماكلروي الحاصل على جائزة لورويوس كأفضل تقدم بعام 2012، أما عن رياضة البلياردو أو السنوكر فلدى إيرلندا سجل كبير في تلك المنافسة، أبرز ما حدث في سجلاتها هو حصول اللاعب أليكس هيغينز على لقب بطولة العالم في نسختين وهما عامي 1972 و1982، وأيضًا اللاعب دينيس تايلور الحاصل على البطولة عام 1985، هذا بجانب اللاعبين الأخريين الذي وصلوا إلى أدوار نهائية في تلك البطولة العالمية، فالبلياردو والغولف هما أهم ما يميز دولة إيرلندا الشمالية.
التعليم في إيرلندا الشمالية
بالرغم من التطور الملحوظ والنشط في مستوى التعليم في دولة إيرلندا الشمالية إلا أنه وبكل أسف تعتبر النزعة الدينية ذات أيدي طائلة في ذلك الأمر، فالمذهب الكاثوليكي يدير خمسين بالمائة من مدارس الدولة والمذهب البروتستانتي يدير الخمسين بالمائة الباقية، وبالرغم من محاولة دمج هذه المدارس إلا أنها ما زالت إلى الآن تدار من قبل الكاثوليك والبروتستانت، فهناك حوالي خمسمائة وثلاثين مدرسة تابعين للمذهب الكاثوليكي، في حين أن هناك ما يتراوح بين الخمسمائة إلى خمسمائة وعشرين مدرسة بروتستانتية، وتحاول الدولة دمج أكبر قدر من هذه المدارس التي تغمرها النزعة المذهبية الدينية كعادة أغلب مدارس العالم، إلا أنه إلى الآن لم يتمكنوا من دمج سوى أربعين مدرسة فقط، أما عن التعليم الجامعي فيوجد في دولة إيرلندا الشمالية جامعتين رئيسيتين فقط وهما جامعة ألستر وجامعة الملكة في بلفاست العاصمة.
وتعتبر جامعة الملكة في العاصمة بلفاست هي الأكثر تطورًا واحتواءً للطلاب، وقد تم إنشاءها بشكل رسمي في عام 1845 وافتتحت عام 1849 ولكنها كانت تعمل منذ عام 1810 تحت مسمى أكاديمية بلفاست الأكاديمية.