إنجلترا - التاريخ والثقافة

مما لا شك فيه أن إنجلترا وعراقتها يعنيان بالضرورة أن هذه البلد تمتلك تاريخًا كبيرًا وثقافة لا تقل عنهما في العراقة، فالتاريخ أصلًا هو من يصنع الثقافة، إذا لم تكن تمتلك تاريخًا فأنت بالضرورة لن تمتلك أي ثقافة، وذلك لأنها ببساطة تُصنع من قِبل التاريخ، والواقع أن عمر قارة أوروبا، والذي يزيد عن المليون عام، عمر طويل جدًا يسمح بتواجد تاريخ لا بأس به لكل الدول الموجودة داخل القارة، صحيح أن هذا التاريخ لا يقترب من تاريخ الحضارة الفرعونية أو الفينيقية، لكنه أيضًا تاريخ مُحترم لا يُمكن الاستهانة به، ولا ننسى أن الحضارتين الرومانية واليونانية هما في الأساس حضارتين أوروبيتين، لكن ماذا عن تاريخ دولة إنجلترا يا تُرى؟ هذا ما سنعرفه من خلال السطور القادمة، وهذا ما نحتاج إليه أصلًا نظرًا لأن الحديث، كما هو واضح، مُحدد لجزء واحد فقط من القارة، وهو الجزء الخاص بدولة إنجلترا.

تاريخ دولة إنجلترا

في الحقيقة، مر التاريخ الإنجليزي بأكثر من منحنى، كل منحنى مُتفاوت ومختلف تمامًا عن المنحنى الذي يسبقه في القوة، فإذا اعتبرنا أن إنجلترا الآن دولة قوية، وهي كذلك بالتأكيد، فإن العصور المظلمة في أوروبا كانت تشهد دولة إنجلترا الضعيفة، وما قبل عصور الظلام كانت إنجلترا قوية ومُتحكم في أوروبا من خلال تحكمها في الكنيسة وقيادتها للحملات الصليبية التي كانت قوة لا يُستهان بها، أما ما قبل ذلك فقد كان ضعفًا أيضًا، إنه كما نرى تاريخ متفاوت بدأ قبل ما يزيد عن الخمسة آلاف عام، وتحديدًا منذ أن نزح الإنسان الإنجليزي الأول من شبه الجزيرة الأيبيرية، فمنذ ذلك التوقيت بدأت إنجلترا في كتابة التاريخ الخاص بها، وعلى ما يبدو أنها بالطبع قد نجحت في ذلك.

تلك الحقيقة في الواقع يمكن أن تتضح للجميع من خلال كتابات المؤرخين والأحداث التاريخية التي كان لإنجلترا دور فيها، تلك الأحداث التي أعطينا مثالًا منذ قليل على أهمها وأشرها على الإطلاق، ألا وهي قيادة الحملات الصليبية وتزعم القارة الأوروبية بأكملها في مواجهة المشرق بأكمله، بل وتحقيق نجاحات كبيرة كادت تكبر أكثر لولا الاصطدام بعقبة صلاح الدين الذي تمكن من إيقاف هذه الحملة، لكن يا تُرى، ما هي الدلائل الأخرى التي يُمكن القول إنها كانت أيضًا موثقة للتاريخ الإنجليزي القديم والحديث؟

دلائل عظمة التاريخ الإنجليزي

الدليل، هذا هو أول ما سيخطر في أذهان البعض ويُطالبون به، جميل جدًا أن تتحدث عن شيء ما، لكن الأجمل أن تُدلل عليه ببعض الأدلة التي تؤكده، وفيما يتعلق بالتاريخ الإنجليزي فإن كل مرحلة قد تم توثيقها ببعض الأدلة التي لا خلاف على تأكيدها لعظمة تاريخ الإنجليز، فمثلًا، تلك الفترة التي كانت الكنيسة فيها تقود أوروبا سوف نجدها موثقة من خلال الكاتدرائية الرسمية في لندن والعديد من الكنائس الأخرى التي تُعتبر الأكبر في أوروبا بلا منازع، أما باقي مراحل التاريخ فهي تظهر في صورة متاحف منتشرة بعدة مدن داخل إنجلترا، والحقيقة أن ثمة أمر غريب بعض الشيء وربما لا يحدث سوى في هذه البلد، وهو أن كل مدينة تمتلك متحف إقليمي خاص بتاريخها منذ النشأة وحتى اللحظة الحالية، وهذا يعني أن تراث هذه الحضارة لن يضيع أبدًا ما دمت الدولة بأكملها أشبه بكتالوج كبير يتم تصفحه من خلال مجموعة متاحف، ولا ننسى الأشياء الفريدة من نوعها والمتواجدة في إنجلترا فقط كساعة بيج بن، نهر التايمز، حديقة كينجستون.

الثقافة في إنجلترا

الثقافة أيضًا في إنجلترا كانت حاضرة وبقوة لتُبرهن على التكامل الموجود في هذه الدولة، والثقافة في الواقع هي أسهل شيء يُمكن ملاحظته بسهولة بسبب كثرة المتاحف التي تهتم بكل ناحية من نواحي الثقافة، ولا ننسى كذلك أن إنجلترا تُعتبر من أكبر البلاد التي تقوم بعمل حفلات توقيع دورية لأشهر كتاب العالم، أي أن أفضل المثقفين على الكرة الأرضية يزورون إنجلترا باستمرار، وهذا يعني بالتبعية أن الثقافة موجودة داخل أرجاء هذه البلد دومًا، وعلى الجانب الآخر، والذي يعكس أيضًا الناحية الثقافية العالية للدولة، نجد أن هناك الكثير من الجامعات في إنجلترا تحظى بتصنيف عالمي، وهي محط أنظار العلماء والباحثين من كل مكان في العالم، كما أن الطلاب أيضًا يأتون للدراسة فيها من كل بقعة في الكرة الأرضية، وهذا لا يجعلنا ننسى بالتأكيد تواجد الكثير من المكتبات الضخمة التي تضم كتب نادرة ربما لا تتواجد في مكانٍ آخر، ولكي نكون منصفين فإن إنجلترا قد تمكنت من الحصول على هذه الكتب عنوة، وذلك من خلال المدن والدول التي قامت باحتلالها في الثلاثة قرون الأخيرة، لكن هذا لا يمنع من قدرتها الهائلة على المحافظة الشديدة على تلك الكتب وعرضها في أفضل حالة ممكنة، وهو أمر ربما لم تكن الدول، صاحبة الكتب الأصلية، قادرة على القيام به.

الفنون في إنجلترا

طبعًا لا يُمكننا إغفال الجانب الفني المُدهش عند الحديث عن إنجلترا وعظمتها، فكما أن الثقافة قد حظيت بالكثير من النقلات الرائعة وكأن لها دورًا كبيرًا في جذب الأعين إلى الدولة بأكملها فإن الفن كذلك لم يُقصر فيما يتعلق بهذه النقطة، حيث أنه من المعروف أن إنجلترا من أفضل الدول في العالم التي تُقدم الفن الحقيقي، وربما كل ما سبق يتوقف على المعنى الذي ستفهمونه من مصطلح الفن، فإذا كنتم تعنون به السينما والتلفزيون فإن إنجلترا ليست الدولة الأولى بالطبع، فهناك الولايات المتحدة الأمريكية والهند في المرتبتين الأولى والثانية، لكن الجميع يشهد أن إنجلترا عندما تُنتج فيلمًا أو مُسلسلًا فإنه يخرج في صورة أقرب من المتكاملة في جميع العناصر، أما عن المسرح فلا يوجد أعظم من إنجلترا في العالم بهذا المجال، حيث يكفي أن أشهر المسرحيات العالمية قد عُرضت في الأصل على المسرح الإنجليزي، ولا ننسى طبعًا أن أحد أعظم مؤلفي هذا الفن هو الأديب الإنجليزي العالمي شكسبير، لكن هل هذا هو كل الفن الموجود على الأرض؟

بالتأكيد لا، فالفن له أقسام أخرى مثل الرسم والغناء والمعارض، وهنا يُمكن أن نقول حدث ولا حرج عن بلاد الإنجليز، فلا أحد يُمكنه أن ينكر بأن إنجلترا هي أكبر دولة من حيث المعارض الفنية التي تُقام بأرضها، أما الغناء وفنون الأوبرا فإن إنجلترا تمتلك ميادين خاصة بهذه الفنون وتُقيم من أجلها الكثير من الحفلات، أكبر عدد من الحفلات سنويًا على وجه التحديد، وهذا بالإضافة طبعًا إلى المهرجانات والأحداث الكبرى الأخرى، ببساطة، الفن في إنجلترا كالماء والهواء تمامًا.