عند الحديث عن أي مكان يكون من البديهي تمامًا أن يتم التطرق إلى تاريخه، والحقيقة أن هذا التاريخ يأخذنا بصورة تلقائية إلى ثقافة المكان، فالثقافة شيء يصنعه التاريخ، إذا لم يكن لك تاريخ فأنت بالتبعية لن تمتلك ثقافة في يومٍ من الأيام، لكن لا يُمكننا أبدًا أن نعني بهذا الحديث مدينة عريقة مثل مدينة برمنغهام، وذلك لسبب بسيط جدًا يتعلق بكونها في الأساس جزء من إنجلترا، وهي بالطبع أعرق الدول في العالم والمعنى الحقيقي لكلمة حضارة، كيف لا وقد مر على وجودها ما يزيد عن العشرة آلاف عام، وهو عمر يسمح بمنحها الأهمية لكل جزء منها، حتى ولو كان ذلك الجزء لم يمض عليه سوى ألف عام فقط، عمومًا البداية دائمًا مع الأصل، والأصل هنا يُقصد به تاريخ مدينة برمنغهام، فما هو تاريخ هذه المدينة يا تُرى وكيف ساعد في عملية الجذب إليها؟
تاريخ مدينة برمنغهام
كما ذكرنا، بما أن مدينة برمنغهام جزء من إنجلترا والمملكة المتحدة فهي بالتالي تمتلك تاريخ طويل، هذا التاريخ لم يبدأ الآن مع تواجد مليون شخص، ولكن قبل ذلك عندما كانت أعداد السكان لا تتجاوز الخمسين ألف نسمة، فقد بدأ البناء الحقيقي للمدينة قبل حوالي ثلاثة قرون وكان من المفترض أنها تسير على خطة مُحكمة قادرة على وضع المدينة على قمة مدن المملكة المتحدة، وربما جعلها العاصمة المستقبلية للمدينة، لكن بين يومٍ وليلة، وتحديدًا في الحربين العالميتين الأولى والثانية، تدمرت أجزاء كبيرة جدًا من مدينة برمنغهام حتى كادت المدينة تفقد وجودها من الأساس، لكن كفاح المئة وخمسين ألف نسمة، واللذين كانوا يمثلون تعداد المدينة بأكمله في هذا التوقيت، تمكنوا من القيام بعملية إعادة إعمار المدينة وبناء بنية تحتية مُحكمة جعلت برمنغهام تسترد وضعها من جديد لتُصبح حاليًا ثاني أكبر مدينة في المملكة المتحدة العريقة، وهذا بالتأكيد جزء صغير جدًا من تاريخ المدينة نظرًا لأن جانب الثقافة يحتاج حديثًا مُجملًا عنه أيضًا.
الثقافة في برمنغهام
بالنسبة للثقافة، وهي جزء هام من حضارة أي مدينة كما ذكرنا، فإنه من الكافي جدًا عند التحدث عن هذا الجزء أن نذكر مكتبة برمنغهام، فهي تكفي إن كان للاكتفاء معنى حقيقي في أذهانكم، فبالطبع مكتبة تحتوي على أكثر من نصف مليون كتاب كفيلة للغاية بمنح الجانب الثقافي للمدينة بأكملها بُعد آخر، فلمن لا يعرف، تُعتبر مكتبة برمنغهام واحدة من أكبر خمس مكتبات موجودة في العالم، لكن هذا الأمر لم يأتي فقط لمجرد وجود بعض الكتب القيمة داخل هذه المكتبة، وإنما أيضًا الفاعليات الكثيرة التي تُنظم بداخلها والتي تُنمي جميعها الجانب الثقافي، فعلى سبيل المثال، هناك، في قلب هذه المكتبة، تُقام سنويًا الكثير من حفلات التوقيع التي يحضر فيها أشهر الكتاب في العالم ليوقعوا على أشهر الكتب وأكثرها مبيعًا، كما أن الجو الثقافي العام المتمثل في القسم الخاص بالقراءة، والذي تقوم فيه عملية القراءة على صوت الموسيقى الهادئة، يُعتبر كذلك دليلًا آخر على الاهتمام بالجانب الثقافي للمدينة وتعمد إظهاره في أفضل صورة ممكنة.
كل ما سبق ذكره عن مكتبة برمنغهام صحيح بكل تأكيد، لكن كي نُعطي الحق لأصحابه ونضع الأمور في نصابها الصحيح علينا أن نؤكد كذلك على أن نسبة تزيد عن خمسين بالمئة من الكتب الموجودة داخل مكتبة برمنغهام هي في الأساس كتب تم سرقتها أثناء الاحتلال الإنجليزي لأغلب دول الشرق الأوسط وأسيا وأفريقيا، صحيح أن هذه الكتب تتواجد الآن في مكتبة إنجليزية وتُضيف إلى تاريخ برمنغهام والمملكة المتحدة لكن في النهاية تبقى هذه الحقيقة غير قابلة للتغاضي عنها، لكن ما يعنينا في النهاية أن الاهتمام بالثقافة في برمنغهام لم يكن أمرًا فرعيًا بالمرة.
الفنون في برمنغهام
الفن أيضًا يُعتبر من مكملات الثقافة، من النادر جدًا أن ترى دولة عريقة أو حضارة شامخة دون أن يكون لها بصمة حقيقية في عالم الفن، وفيما يتعلق بمدينة برمنغهام على وجه التحديد فإن مسألة الاهتمام بالفن قد خرجت في صورة المتاحف الكثيرة الموجودة في المدينة، وأيضًا المعارض التي تُقام باستمرار داخل هذه المتاحف والهيئات الثقافية، وهذه المعارض قد تهتم بالكتب وقد تهتم باللوحات والرسومات، فهي أيضًا جزء من الفن، ولا ننسى طبعًا وجود دار أوبرا مُخصصة لنوع نادر جدًا من الفن مثل فن الأوبرا، وأيضًا هناك المسارح الوطنية التي بدأ البعض ينسى أنها جزء أصيل من الفن في ظِل الهجمة الشرسة من السينما والتلفزيون، أضف إلى ذلك فن النحت والنقش والكثير من الفنون الأخرى التي تبرع فيها برمنغهام أو على الأقل تُشجع عليها من خلال احتضان الفاعليات الخاصة بها، وهذا أمر كافٍ جدًا وكفيل بحجم الاهتمام والتقدير للفن من قِبل القائمين على الأمر في مدينة برمنغهام.