التاريخ والثقافة

سجل تاريخ مدريد بالغزو الروماني لشبه جزيرة إيبريا في الحرب البونية الثانية عام 27 قبل الميلاد، ليقسم الرومان البلاد لثلاث محافظات وكانت محافظة تاراكونينسي مدينة مدريد الحالية، والتي كانت لا تتعدى منطقة ريفية غنية بالثروات الطبيعية، كما تدل بعض الاكتشافات بالقرب من كنيسة فيسقوثيك القديمة على وجود سكان في المدينة بالإضافة لوجود مقبرتين بالمستعمرة الفيسقوثية السابقة، وقد بدأ أمير قرطبة محمد الأول في الفترة ما بين 852 و886 حكمه ببناء قصر صغير فيها ليصبح مركزا لخروج الغارات ضد الممالك المسيحية شمالا، وفي عام 1085 وضع الملك ألفونسو الرابع يده على المدينة خلال زحفه إلى طليطلة، والذي قام بترحيل السكان المسلمين واليهود منها، ثم قامت قوات المرابطين بقيادة علي بن يوسف بن تاشفين بحصار المدينة عام 1109 لكنهم لم يستطيعوا السيطرة عليها، واستمرت هجمات المسلمين على المدينة خلال القرن الثاني عشر .

في عام 1309 اجتمع برلمان كاستيا برئاسة الملك فرديناند الرابع لتقديم المشورة له، وقد ساهم البرلمان في نمو المدينة بشكل سريع وعمل على تنظيم الحياة بين السكان اليهود والعرب المغاربة الذين استقروا في منطقة موريريا حتى ترحيلهم منها في أواخر القرن الخامس عشر.

وفي عام 1406 بنى ملك قشتالة انريكي الثالث مدينة مدريد مرة أخرى ليفرض نفسه في منطقة آمنة في إيل باردو المحصنة ويمهد الطريق لدخول فرناندو الثاني ملك أرجون والملكة إيزابيل ملكة كاستيا بعد الصراع الكائن بين قشتالة وأراغون، ثم ليعلنوا مملكة قشتالة وعاصمتها طليطلة وتاج أرجاون وعاصمته سرقسطة بمملكة إٍبنيا الحديثة، وفي عام 1561 تم نقل البرلمان الإسباني وتبعه مقر الملك عام 1588 من مدينة طليطلة بأمر من فيليب الثاني للمدينة، ومن هنا أصبحت مدريد عاصمة إسبانيا وبدأت مكانتها تلمع وتتألق بين عواصم ومدن العالم.

استمرت مدينة مدريد مركزا يضم ثروات إسبانيا حتى أصبحت في القرن الذهبي لإسبانيا تشبه العواصم الأوروبية كمركز اقتصادي للبلاد، ثم قام الملك فيليبي الرابع ملك إسبانيا عام 1625 بهدم المدينة القديمة بسبب الضرائب، ليعود الملك فيليبي الخامس بتطوير المدينة وبناء القصور الجديدة.

ثم بدأت حروب الخلافة الإسبانية لتستمر من 1701 حتى 1713 لتتنازع على حكم إسبانيا العديد من الأطراف الأوروبية بعد وفاة الملك تشارلز الثاني، ويتوالى الإنجليز والبرتغال ثم الفرنسيين على المدينة حتى نصب جوزيف شقيق نابليون بونابرت ملكا على إسبانيا، وكان حكم الفرنسيون محاولة للسيطرة على مدينة مدريد وهدم العديد من الكنائس ليحل مكانها المباني الخاصة بهم مما أثار غضب أهالي المدينة ومعظم المدن الإسبانية لتندلع الثورة في 2 مايو 1808 ضد الفرنسيين.

في عام 1873 أعلن الديكتاتور إيميليو كاستيلار أول جمهورية إسبانية بعد نشوب الحروب القشتالية وانتشار الكوليرا الذي قضى على عدد كبير من سكان مدريد، وفي 14 أبريل 1931 أعلن الجنرال ميغيل بريمو دي ريفيرا الجمهورية الثانية وتندلع الحرب الأهلية الإسبانية التي استمرت ثلاث سنوات حتى 1939 وتصبح المدينة تحت حكم الجمهوريين بقيادة الجنرال فرانكو الذي استمر حكمه حتى 1975 لينهض بالبلاد نهضة كبيرة، كما مهد فرانكو الطريق للديمقراطية بعد وفاته وتولي الملك خوان كارلس الأول الحكم عام 1975، الذي استمر حكمه رغم محاولات الانقلاب العسكري الذي حاول القيام به مجموعة من العسكريين عام 1981 لكنه باء بالفشل.

تعرضت مدريد في 11 مارس 2004 لعدة هجمات إرهابية على بعض خطوط السكك الحديدة مما أدى لقتل 191 شخص تقريبا نسبته الحكومة الإسبانية للإسلاميين المقربين من حركة القاعدة مما أدى لفشل تنظيم مسابقة الألعاب الأوليمبية في البلاد المخطط عقده عام 2012.

يلمع نجم مدريد أيضا في مجال التعليم الجامعي حيث تكتظ بالعديد من الجامعات الحكومية والخاصة والتي تعد من أقدم جامعات العالم، وفي المقدمة تأتي جامعة مدريد في المركز الأول للجامعات في إسبانيا والتي زاد من شهرتها نيكولاس كابريرا عالم الفيزياء الشهير، بالإضافة لجامعة لا يونيفير سيداذ كومبلوتنسا دي مدريد والتي تعد أكبر جامعة في إسبانيا، جامعة كمبلوتنسي، جامعة ألكالا دى إيناريس، الجامعة التقنية، جامعة بونتيفيكا كاميياس، جامعة الملك خوان كارلوس، جامعة سالامانكا كامبوس دي مدريد، جامعة سانت لويس، وجامعة سان بابلو وحدة التقييم المركزية وجامعات عديدة أخرى في مجالات التعليم المختلفة، كما تتوفر في مدريد كثير من المعاهد العليا والمتوسطة.

من الجدير بالذكر أن اهتمام مدريد بالثقافة جعلها أكثر مدن أوروبا اهتماما بالفنون والمتاحف لنجد أكثرها شهرة متحف المثلث الذهبي لفن الذي يضم ثلاث متاحف والكائن في باسيو دي برادو، كما تفخر مدريد بوجود متحف برادو وهو أحد متاحف العالم الكبرى والذي يعرف باسم المتحف الوطني لفن التصوير التشكيلي والنحت، يمتلك المتحف 2000 لوحة فنية مشاهير الفن التشكيلي الإسباني والعالمي، ومن تلك اللوحات الثرية ما يزيد عن 30 لوحة للتشكيلي إل جريكو، و100 لوحة وأكثر لفرانسسكو جويا، 50 لوحة لدييغو فيلازكيز ومن أشهرها لوحة وصيفات الشرف، ومتاحف أخرى عديدة مثل متاحف التاريخ الطبيعي والعلوم، متحف تاسن-بورنمسيزا، متحف الأمريكيتين، متحف كاسا مانويل بنديتو، متحف أنتروبولوكيا هيسبانا، متحف رلوج كراسي، متحف لازارو كالديانو، متحف المركز الوطني للفن راينا صوفيا، الأكاديمية الملكية للفنون الجميلة في سان فرناندو، المتحف البحري، متحف كاسا خوسيه بالديلا، بالإضافة لمقر الدار الوطنية للوثائق التاريخية والمكتبة الوطنية لإسبانيا.

يتمثل الفن الموسيقي في مدريد في المسارح التي تقدم عروض الأوركسترا وأشهر السيمفونيات مثل الأوركسترا الوطنية الإسبانية والذي يقدم عروضه يومي الجمعة ولسبت، أما أويديتوريو ناسيونال دي ميوزيكا يقدم عروضه يوم الأحد فقط، أوركسترا آر تي في السيمفوني الذي يعرض الثلاثاء والجمعة على تياترو مونمنتال، تياترو ريل يعرض في دار الأوبرا الرئيسي، تياترو ده لا زارزويلا الذي يقدم الزارزويلا والاوبرتا، بالإضافة للعديد من فرق الأوركسترا الشهيرة بالمدينة مثل: أوركسترا مدريد السيمفوني، أوركسترا دي لا كويمنيداد مدريد السيمفوني، أوركسترا دي كامارا راينا صوفيا.