أوكرانيا

أوكرانيا - التاريخ والثقافة

بلا شك الحديث عن ثقافة وتاريخ دولة أوكرانيا شيء لا خلاف على أهميته بالنسبة للسائح الذي يُريد استكشاف هذه المنطقة ومعرفة كل شيء يتعلق بها، فثقافة وتاريخ أي دولة جزء لا يتجزأ من هويتها، ودولة أوكرانيا بالذات تمتلك من المغريات ما يجعلنا منجذبين لمعرفة تاريخها وثقافتها، وهذا بالضبط ما سنحاول فعله في السطور المُقبلة، والبداية ستكون مع الأصل، مع التاريخ، فما الذي يُمكننا قوله عن تاريخ دولة أوكرانيا يا تُرى؟

تاريخ دولة أوكرانيا

كما ذكرنا، الأصل دائمًا هو التاريخ، وفيما يتعلق بتاريخ دولة أوكرانيا فيُمكن القول إن الحياة الحقيقية قد بدأت قبل حوالي أربعة آلاف عام ونصف من التاريخ الميلادي ثم أخذت تتطور تزامنًا مع توافد جماعات من البشر حتى تشكلت في صورة دولة أو كيان في القرن السادس الميلادي تقريبًا، وقد كانت تُعرف في هذا التوقيت باسم مملكة روس كييف نظرًا لكون أغلب السكان من الروس في هذا الوقت، هذا طبعًا بالإضافة إلى النظام الحاكم من الدولة الروسية الأولى، بيد أن تماسك دولة روس كييف لم يستمر طويلًا، إذ أنه في ذلك التوقيت حدث ما يُعرف بالتفكك، وتحديدًا في القرن الثاني عشر، وتوزعت دولة روس كييف بين الروس والنمسا والدنمارك، وهو ما يُظهر ضعف الدولة الأوكرانية في ذلك التوقيت، لكن عام 1917 والذي شهد تواجد أوكرانيا في نطاق الاتحاد السوفيتي يُمكن القول أنه بداية النهاية في عملية الانفصال التام، والذي جاء مع سقوط الاتحاد السوفيتي وحصول أوكرانيا على استقلالها الكامل عن الاتحاد السوفيتي وأي مكان آخر في عام 1991، ومنذ ذلك العام ظهرت مناسبة تُعرف بعيد الاستقلال، والمُدهش حقًا في هذه المسيرة التاريخية أن أوكرانيا قد صعدت بسرعة الصاروخ وأحرزت الكثير من التقدم في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية، فماذا عن الثقافة تحديدًا؟

الثقافة في أوكرانيا

عندما نتحدث عن الثقافة في أوكرانيا فإننا لا نقصد فقط ذلك الجانب المُتعلق بالأدب، وإنما الثقافة في الحقيقة هي الهوية، هي العادات والتقاليد، وقد استمدت أوكرانيا هذه الهوية من الديانة المسيحية المُقدسة بالنسبة لها، وأيضًا الحضارة الشرقية كان لها نصيب كبير في تكوين هذه الثقافة بالإضافة إلى الروس، على العموم، هذا المزيج الكبير من مصادر الثقافة الأوكرانية خرج في النهاية على أكثر من صورة، ففي البداية هناك بعض العادات والتقاليد المُتأصلة في أوكرانيا كيوم بدء الجني وأول يوم للزرع، وهناك عادات خاصة في الزواج والانفصال، أما الديانة المسيحية، والتي كانت مصدرًا رئيسيًا من مصادر الثقافة في أوكرانيا، فقد تم استخدامها كذلك في الكثير من الأعياد والمناسبات الخاصة بهذه البلد تحديدًا لدرجة أن دول مسيحية أخرى لا تحتفل بها، حتى في الأدب، يُمكننا أن نلحظ بسهولة أن أغلب الكتب التاريخية الأوكرانية وأشهر الكتاب في هذه البلد قد كتبوا أصلًا في التاريخ المسيحي، بل حتى الكتاب أنفسهم كانوا من رجال الدين المسيحيين، وهذا ما يُظهر التأثر الكبير بالدين في كل شيء يتعلق بالمناخ الثقافي الأوكراني، لكن هل هذا كل شيء؟ بكل تأكيد لا.

أول جريدة أوكرانية كانت في القرن الثامن عشر وأول مطبعة كانت في القرن السادس عشر ثم بعد ذلك توالت دور النشر التي كانت تنشر الكتب والمؤلفات الخاصة بكبار المؤلفين في أوكرانيا، وعلى رأسهم الفيلسوف والكاتب الأوكراني الأشهر في التاريخ سكوفورودا، فهو يمتلك الكثير من الكتب باسمه في أكثر من مجال، وعلى يده كانت النهضة الثقافية في القرنين السابع عشر والثامن عشر، هذا على الرغم من أن هذين القرنين في الأساس قد شهدا احتلالات واستعمارات من بولندا وروسيا، أما في القرنين الماضيين فإن الأدب الأوكراني لم يدخل أبدًا في طريق المجهول وظل قويًا كما هو وقادر بالكلمة على إنجاز ما لم تستطع الأسلحة إنجازه، وخاصةً فيما يتعلق بتحرير العقول والأوطان، ومن أشهر الكتاب الأوكرانيين في هذه الفترة إيفان فرانكو وبافلو جرابوفسكي، على العموم، لم يكن الأدب وحده صاحب النهضة في الحياة الأوكرانية، وإنما الفن كذلك كان له حضور يستحق التحدث عنه طبعًا بشكل منفصل.

الفنون في أوكرانيا

اهتمام أوكرانيا بالفنون المُختلفة أمر لا جدال عليه، والحديث هنا عن فنون كثيرة بعضها لم يخطر أصلًا في بالكم مثل فنون العمارة والنحت، فهذين الفنين بالذات شهدا نقلة كبيرة في العصور الوسطى، وبالنسبة لبقية الفنون، والتي كان لها مكانة أكبر من العمارة والنحت، فهي تتمثل في فن الموسيقى على سبيل المثال، فقد عرفت أوكرانيا الموسيقى منذ القرن السادس عشر ثم كانت من أوائل الدول في أوروبا فيما يتعلق بإنشاء الفرق الموسيقية، بعد ذلك ظهرت دور الأوبرا التي لا تزال أوكرانيا تُحافظ عليها حتى الآن كواحدة من الدول الأوروبية القليلة التي تحافظ على هذا الفن، أيضًا المسرح بدأ وجوده مع وجود الموسيقى، وتحديدًا مع نهاية القرن الخامس عشر الذي شهد بدايته وجود مسرح للعرائس قبل أن يتحول مع الوقت إلى مسرح مُحترف يُقدم أفضل المسرحيات الأوكرانية بفنانين أوكرانيين، وربما البعض يُمكنه ملاحظة عشق المسرح في أوكرانيا من خلال تواجد المسارح في كل المدن تقريبًا، وهو أمر نادر بعض الشيء في بعض دول أوروبا التي لم تعد تُولي أي اهتمام بالمسرح وتهتم أكثر بالسينما، وبمناسبة السينما، ما هي حالة السينما يا تُرى في أوكرانيا؟

طبعًا لا خلاف على أن السينما قد أصبحت في الوقت الحالي هي الفن الشعبي الأول في العالم، لكن في أوكرانيا ربما لا تأخذ السينما نفس هذه المكانة، وهذا لا يمنع بالتأكيد من وجود طفرة سينمائية في نهاية القرن المنصرم وبداية القرن الحالي، والدليل على ذلك أفلام المخرج الأوكراني العالمي ألكسندر دوفجينكو الذي أبرز مجموعة من الأفلام الخالدة في تاريخ السينما الأوكرانية، أضف إلى ذلك مشاركة بعض الأفلام الوطنية في المهرجانات الدولية وحصولها على جوائز كُبرى، لكن إذا أردنا التدقيق فإن الأفلام الوثائقية هي التي تلقى الاهتمام الأكبر من قِبل السينمائيين في هذه البلد، إجمالًا، ما يُمكن قوله في النهاية أن السينما والفن في أوكرانيا بشكل عام لا يزالون بخير.