أسكتلندا

إسكتلندا - التاريخ والثقافة

تاريخ إسكتلندا رائع ومُعقد، حيث ستجد هناك جنود رومانيون، وغزوات فايكنج، وعشائر نبيلة، وفترات حكم قوية، وحتى فلاسفة مستنيرون، كما شهدت إسكتلندا نموًا وتغيرًا غير عاديين خلال فترة حياتها، إنها مكان تم غزوه واستقراره عدة مرات، وقد أسهم ذلك إسهاما كبيرًا في الثقافة والمجتمع، حيث مرت آلاف السنين مليئة بالأشخاص والأحداث، من خلال جدولنا الزمني الذي يُسلط الضوء على بعض أهم اللحظات في تاريخ إسكتلندا الرائع، هذا بجانب الثقافة الفريدة والتراث الغالي جدًا على الإسكتلنديين، سواء من حيث التراث الظاهري أو التراث الأدبي والتاريخي، يمكنك فهم تقاليد وعادات هذه الشعب، فهم مجتمع محافظ جدًا لدرجة أن حفلات زفافهم تتم حتى اليوم بارتداء الرجال للزي التراثي الإسكتلندي، كنوع من عراقة الزواج وأهميته.

بدايات إسكتلندا

تعود فترة أقدم وجود للإنسان في إسكتلندا إلى العصر الحجري القديم، وكان الصيادون يجمعون الأسماك والحيوانات البرية ويجمعون الفواكه والمكسرات والنباتات والجذور والأصداف، كانت الحياة بدائية جدًا، ولم يكتشفوا الزراعة بشكل كامل، كما وجدت في إسكتلندا أدوات صيد يرجع تاريخها إلى أكثر من 3000 عام قبل الميلاد، ومعظمها كانت أدوات لصيد الحيوانات أو صيد الأسماك، وبعد ذلك وجدت آثار للزراعة ولبعض الأبنية، وبعض الحفريات التي وضحت طقوس الدفن عند شعوب إسكتلندا قديمًا.

احتلال الرومان

في عام 124 بعد الميلاد، دخل الرومانيون إسكتلندا وقاموا باحتلالها، ومن هناك يعتبر الكثير من علماء التاريخ بداية تاريخ إسكتلندا الحقيقي كدولة أو كمدينة شاملة، لأن منذ هذا الاحتلال وتوالت عمليات الشد والجذب بين إسكتلندا والبلاد المحيطة والبلاد التي تحاول السيطرة عليها، وعلى الرغم من قوة الإمبراطورية الرومانية في ذلك الوقت، ولكن لك أن تعرف أن الرومان لم يحتلوا إسكتلندا احتلال كامل، بل واجهوا صعوبة في مقاومة شعبها الآبي، وحيث واجهوا جدار هادريان في الحدود الشمالية الإسكتلندية، وفي كاليدونيا لم يستطيعوا السيطرة عليها، ولذلك انسحب الرومان في النهاية، ونجا جزء كبير من جدار أنطون الإسكتلندي، والذي بلغ طوله في ذلك الوقت 60 كيلو متر، والذي يعتبر من أكبر الجدران والفواصل في ذلك الزمن على الإطلاق.

الفايكنج

في عام 800 ميلادية، قامت شعوب تدعى الفايكنج في الدنمارك والنرويج والسويد وتمكنوا من عبور بحر الشمال والوصول إلى المناطق الغربية لإسكتلندا، وكانوا الفايكنج معروفين بشراستهم في الحرب والتعامل مع الأسرى، وفي حين كانوا يسيطرون على الغرب، كان الإسكتلنديون يؤسسون مملكة جديدة تدعى ألبا، وربما يعتبر ماكبث الذي كتب عنه الكاتب العملاق شكسبير روايته الشعرية، هو أحد أفضل ملوك مملكة ألبا (إسكتلندا في ذلك الوقت) وكانت فترة حكمة ما بين عامي 1040 إلى 1057 أي حكم سبعة عشر عام.

سيطرة ملوك إنجلترا على إسكتلندا

كانت إسكتلندا دائمة التأثر بإنجلترا، وذلك لعدة أسباب أولها هو وجود الفايكنج الذي كان يهدد هذه المنطقة بالكامل، سواء “وسكس” أو فيما بعد عندما أصبحت إنجلترا حينما اتحدت نورثمبريا ووسكس، وفي هذا الوقت تراجعت سطوة الفايكنج في أوائل القرن الثاني عشر، وقويت إنجلترا، مما أدى إلى دخول النفوذ الإنجليزي إلى إسكتلندا، وتحكم الأغنياء والحكام الإنجليز في إسكتلندا، وأدى ذلك إلى ظهور النظام الإقطاعي، ليعمل الشعب الإسكتلندي كأجير عند مالكي الأراضي، في مقابل العمل والمال والطعام المتوفر في الأسواق، دون أي حرمان، كون هذا الوضع تبعية واضحة من إسكتلندا لإنجلترا، ولكن في المقابل أدت هذه التبعية إلى ازدهار إسكتلندا مع الوقت.

ولكن سرعان ما تسببت أزمة الخلافة في إنجلترا في حدوث اضطرابات في إسكتلندا خصوصًا بعد وفاة ألكسندر الثالث، واعتقد الملك إدوارد الأول ملك إنجلترا أنه يجب الاعتراف به كسيد فوقى لإسكتلندا، لذلك أمر جيشه بالتوجه شمالًا لأجل حصار دموي، وفي عام 1297 خطط جيش إدوارد لعبور نهر فورث في جسر إستيرلينغ، ولكن استغل الإسكتلنديين الفرصة للهجوم على معبر نهر فورث عند جسر إستيرلينغ، مما أجبر جيش الإنجليز على التراجع، وكان هنا أحد أشهر شخصيات إسكتلندا وهو: ويليام والاس، الذي حصل على مكانته في كتب التاريخ والكفاح إلى الأبد.

تتويج روبرت بروس ملكًا لإسكتلندا

في القرن الرابع عشر استمرت النزاعات بين الرغبة الإنجليزية في الهيمنة على الأراضي الإسكتلندية، وبين كبرياء الإسكتلنديين الذين كانوا يقاومون رغم قوة الإنجليز في ذلك الوقت، وعندما توج روبرت بروس ملكًا لإسكتلندا، لم يصمت الإنجليز والملك إدوارد، لأنه من البداية كان يريد ضم إسكتلندا إلى إنجلترا، ولذلك في عام 1314 قامت معركة بانكوبرن، وحينها هزم روبرت بروس ملك إسكتلندا، إدوارد الثاني، ويعتبر هذا النصر نقطة تحول في حياة روبرت بروس الملكية.

إعلان استقلال عام 1320

في عام 1320، تم إرسال رسالة إلى البابا يوحنا الثاني والعشرين، الذي كان قمة ورأس الكنيسة الكاثوليكية في ذلك الوقت، وكانت الكنيسة قد تمكنت من السيطرة على السياسة في أوروبا، الرسالة أرسلها بارتونز ونبلز، وكُتبت باللاتينية، ورأي البابا يوحنا حينها أن إسكتلندا هي دولة مستقلة، وأعلنت من قبل الكنيسة الكاثوليكية بالفعل دولة مستقلة، ولكن هذا الإعلان كان رمزي، وذلك لأنه في ذلك الوقت لم يكن هناك منظومة عامة تلزم دول أوروبا بالتوحد على رأي واحد، ولكن هذا لا يمنع قوة هذا الإعلان على التأثير على إنجلترا وبقية دول أوروبا في التراجع عن مضايقة إسكتلندا واعتبارها منطقة مستباحة.

العصور الوسطى

في القرن الخامس عشر بدأت إسكتلندا في النهوض من جميع النواحي، وبدأ الشعب الإسكتلندي يكون هوية وشخصية وثقافة تميزه، ليحدث تباعًا لذلك نهوض كبير في العمارة، والمباني، وعلى مستوى الأدب، وعلى مستوى الموسيقى وعلى مستوى السياسة، كانت اسكتلندا تنمو بسرعة كبيرة جدًا حتى جاءت الملكة ماري ستيوارت، والتي كان في زمن حكمها في منتصف القرن السادس عشر لغط كبير، بسبب الخلاف الديني السائد بسبب وصول الإصلاح الديني على يد مارتن لوثر، لتقوم الحرب بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الإنجيلية، هذا بجانب أن تم اتهامها بقتل زوجها 1567، وتم إجبارها على التنازل عن العرش ثم تم إعدامها عن عمر يناهز 44 عام على يد الملكة إليزابيث الأولى لمحاولتها اغتيال الملكة التي لم يكن لها وريث وامتلاك العرش الإنجليزي بسبب صلة القرابة التي تربطها بالملك هنري السابع من جدتها، ثم تولى ابنها جيمس الأول نصب الحكم، في ظل وجود وصاة وشيوخ.

اتحاد إسكتلندا وإنجلترا

خلف جيمس السادس بن الملكة ماري العرش في عمر 13 شهر فقط بعد أن أجبرت ماري على التنازل عن العرش، عندما توفيت إليزابيث الأولى بلا أطفال ولا وريث، نجح جيمس السادس في الحصول على العرش الإنكليزي وأصبح جيمس الأول ملك إنجلترا واسكتلندا وإيرلندا، وأقدم جيمس على خطوة تاريخية معروفة الآن باسم اتحاد التاج، ففي عام 1707، جعل قانون الاتحاد إسكتلندا أقرب إلى بريطانيا من خلال إنشاء برلمان واحد للمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى في قصر وستمنستر.

الحركة التنويرية وبداية التطور

في القرن الثامن عشر، سادت حركة تنويرية في إسكتلندا، وشكلت أفكار الفلاسفة الذين يعيشون في إسكتلندا خلال عصر التنوير العالم الحديث، كما سعت الحركة الفكرية السائدة هناك في ذلك الوقت لفهم العالم الطبيعي، والعقل البشري، وتراوحت النقاشات والأبحاث في الفلسفة والكيمياء والجيولوجيا والهندسة والتكنولوجيا والشعر والطب والاقتصاد والتاريخ، ولا تزال شخصيات مثل توماس هوبز وديفيد هيوم وآدم سميث وروبرت بيرنز والسير والتر سكوت مذكورين في تاريخ إسكتلندا ليومنا هذا، أما في بداية القرن التاسع عشر، أصبحت إسكتلندا من المناطق الحضرية والصناعية الكبرى في أوروبا، وكان أحد أسباب التقدم الصناعي والثروات هي تجارة التبغ والسكر والقطن، تحولت البلاد من الريف الضيق والمتناثر إلى المدن، والبلدات الضخمة والمصانع الضخمة، هذا بجانب أن الصناعات الثقيلة ترسخت، كما كان للتعدين وبناء السفن والمنسوجات دورًا في تطوير إسكتلندا خلال هذه الفترة.

الموسيقى في إسكتلندا

من أهم جوانب الثقافة في إسكتلندا هي الموسيقى، وهذا بالنسبة للزمن القديم والحديث معًا، وربما أشهر ملامح هذه الموسيقى هي آلة مزمار القربة، وهي عبارة عن قربة جلدية، يخرج منها عدة مزامير، كل مزمار يخرج نغمة مختلفة عند النفخ في بوق القربة، ثم الهواء يخرج من القربة عن طريق هذه المزامير، وعن طريق سد عدة مزامير وترك الأخرى يخرج نغمة معينة، نغمة حادة، وهي تميز الموسيقى الإسكتلندية جدًا، وتستمر نفس القربة ونفس الألحان منذ مئات السنين عبر انتقال التراث من جيل لآخر، ولذلك عندما تسمع هذه الألحان تشعر للحظات أنك رجعت للماضي بسبب قدم الآلة وقدم نوعية الألحان، ولكن من ناحية أخرى فإن الموسيقى الإسكتلندية لم تقف عن هذا الحد من الموسيقى، بل هناك تجد فرق شهيرة لكل أنواع الموسيقى، فهي بلد منفتح جدًا، وهذا يجعل مخزونهم الموسيقي رائع.

الأدب في إسكتلندا

يعد التراث الأدبي الإسكتلندي زاخر منذ البدء، وخصوصًا في العصور الوسطى، ويعتبر أول نص أدبي باللغة الإسكتلندية هو عمل أدبي للكاتب الإسكتلندي جون باربور، ويرجع تاريخ هذا العمل إلى القرن الرابع عشر، والذي كان يعبر عن حياة الكاتب، وبعدها تبع هذا العمل العديد من النصوص الرومانسية والنثرية، وفي القرن السادس عشر، وتحديدًا عندما تقلد جيمس السادس مقاليد الحكم، أزال مركزًا للأدب الإسكتلندي، وبدأ في تهميش اللغة الإسكتلندية، وبدأ في نشر الإنجليزية الأصلية، ولكن في القرن الثامن عشر، ازدهر الأدب الإسكتلندي، باللكنة الاسكتلندية مرة أخرى، من خلال شخصيات من بينها جيمس ماكفرسون.

أصبح ماكفرسون أول شاعر إسكتلندي يحظى بسمعة دولية وكان له تأثير كبير على التنوير الأوروبي، كما كان له تأثيرًا كبيرًا على روبرت برنز، والذي يعتبره الكثيرون الشاعر الوطني الأول في إسكتلندا، أيضًا ولتر سكوت، الذي كتب ويفرلي التي تعتبر أول رواية تاريخية في الغرب وفي رواياته الكثير لتعريف الهوية الإسكتلندية في القرن التاسع عشر، بعد ذلك وتحديدًا نحو نهاية العصر الفيكتوري، حصل عدد من المؤلفين المولودين في إسكتلندا على سمعة دولية ككتاب باللغة الإنجليزية، بما في ذلك روبرت لويس ستفنسون، وغيره، ثم في القرن العشرين، شهدت إسكتلندا عصر النهضة، حيث حدثت طفرة في النشاط الأدبي ومحاولات لاستعادة اللغة الإسكتلندية باعتبارها وسيلة للأدب الجاد.