مما لا شك فيه أن أي دولة، مهما كانت هذه الدولة، تمتلك في نهاية المطاف مخزون لا يُستهان به من التاريخ والثقافة، وإلا ما كانت موجودة وقائمة في الوقت الحالي من الأساس، لكن أيضًا يجب أن نضع في الاعتبار عند الحديث عن دولة آيسلندا بأن ذلك المخزون لن يكون بذلك الشكل الذي نتخيله، فما يُمكن قوله عن تاريخ آيسلندا قليل، وما يُمكن قوله عن ثقافتها أقل من ذلك بكثير، لكننا سنحظى بشرف المحاولة فيما هو قادم من سطور، والبداية ستكون مع التاريخ بالطبع.
الحياة التاريخية في آيسلندا
تاريخ آيسلندا حسب الروايات القوية يبدأ بعد القرن السابع الميلادي، أما بعض الروايات الضعيفة فتقول أن ذلك التاريخ لم يبدأ في ذلك الوقت، وإنما أبكر بكثير، وتحديدًا القرن الثاني الميلادي، على العموم، هناك من يقول أن بعض النروجيين في عام 847 قد دخلوا آيسلندا واتخذوها مستوطنة خاصة بهم، وإن كان هذا صحيحًا فإن هذا التاريخ يُعتبر التاريخ الحقيقي لاكتشاف العالم لهذه الجزيرة، والدليل على ذلك أنه بعد قرن واحد فقط بدأت النشاطات الزراعية داخل الدولة وبدأ كذلك النشاط البحري المتمثل في رحلات السفن، وهو ما يعني أن العالم انفتح على آيسلندا، لكن انفتاح آيسلندا نفسها على العالم لم يأتي إلا مع نهاية الألفية، أي القرن العاشر، ففي هذا التوقيت بدأ إنشاء المراكز السياسية وإدخال بعض أنظمة الحكم المُستمدة من الدول والحضارات المُحيطة، والأهم من ذلك أنه قد تم في ذلك التوقيت سلك توجه ديني مُحدد، وهو التوجه المسيحي بالطبع، ومع بداية العصور الوسطى بدأت آيسلندا مرحلة الاضمحلال بعد أن أصبحت تابعة رسميًا للتاج النرويجي، أو دولتي الدنمارك والنرويج تحديدًا، وفي هذه الفترة السوداء من تاريخ آيسلندا توالت المصائب تباعًا عليها.
بداية المصائب كانت بقتل كل رجال الدين في آيسلندا، ثم كساد الحياة الزراعية لتُصبح آيسلندا بصورة رسمية أفقر منطقة في أوروبا، ثم اكتمل هذا الدمار من خلال ما يُعرف باسم الموت الأسود، وهو المرض الذي قضى تقريبًا على نصف سكان الجزيرة، ومع انتهاء فترة العصور الوسطى دخلت آيسلندا خلال القرن التاسع عشر مرحلة جديدة تُعرف بالاستقلال، مستغلة بذلك حالة الضعف التي طالت التاج النرويجي، وبعد صراع طويل حصلت آيسلندا على ما الاستقلال عام 1904، لتبدأ مرحلة مملكة آيسلندا التي استمرت حتى عام 1944، وهو العام الذي تأسست فيه جمهورية آيسلندا وأصبحت بالشكل الحالي الذي نعرفه، وبكل تأكيد هذه الرحلة التاريخية التي استعرضناها رحلة عريقة تجعلنا نُجذم بأنها قد خلفت إرث ثقافي لا يُستهان به، فماذا عن ثقافة آيسلندا يا تُرى؟
الحياة الثقافية في آيسلندا
الثقافة في آيسلندا يُمكن أن تشمل أكثر من جانب، بل ودعونا نقول إن العادات والتقاليد الخاصة بأي دولة تُعتبر جزء من ثقافتها، كذلك الناحية الدينية بها تُعامل نفس المعاملة، ودعونا نبدأ من هذا الجزء تحديدًا، فالدين في آيسلندا موجود منذ بداية القرن الحادي عشر، أي الألفية الجديدة، وقد كان الدين هو الوازع الأول والأهم، بل والمرجع الرئيسي في بداية الدولة، ثم بعد ذلك بدأت الهوية الثقافية تتشكل من خلال المعمار، وكلنا نعرف عراقة هذا الفن وأصالته في آيسلندا، وبالمناسبة، كان الجزء الديني مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالجانب المعماري، وقد ظهر ذلك من خلال الكنائس التي بُنيت في ذلك التوقيت، على العموم، عجلة الحياة في ثقافة آيسلندا العامة لم تتوقف عند ذلك الحد، وإنما طالت كذلك العادات والتقاليد البارزة وكذلك منح أدوار كبرى للمرأة وتقديس الحياة الزوجية، فكل هذه الأمور من المفترض أنها كانت جزءًا من الهوية الثقافية، لكن البعض منكم قد يسأل الآن عن الثقافة نفسها، وهي المتمثلة في الأدب والفنون، فماذا عنها يا تُرى؟
في واقع الأمر لم تكن ثقافة دولة آيسلندا بذلك القدر الكبير من النضوج والشهرة، فلم نسمع يومًا عن أديب عالمي آيسلندي شهير في كل بقاع الأرض، فقط ما يُمكن الحديث عنه محاولات داخلية في أدب الرحلات وأدب الأطفال، وقد كان ذلك إثراءً للحياة الأدبية التي كانت بعد العصور الوسطى شبه منهارة، ثم جاء بعد ذلك دور النهضة الأدبية في القرنين التاسع عشر والعشرين، وهي أيضًا نهضة محلية إن جاز التعبير، وفيها برع الكثير من الأدباء والمثقفين الآيسلنديين وأنتجوا الكثير من الكتب المميزة في أكثر من مجال، كذلك حدث اهتمام بالتعليم نهاية القرن المنصرم وتضاعفت أعداد الجامعات الموجودة في الدولة ككل، لكن ماذا عن الفن يا تُرى؟ هذا سؤال آخر يفتقر الإجابة بالتأكيد.
الفن في آيسلندا
الحياة الفنية في آيسلندا أيضًا لها ما لها وعليها ما عليها، فالفن يشمل أكثر من مجال كما نعرف جميعًا، وأولى هذه المجالات تتمثل في الرسم والنحت والتصوير، وهذه الفنون الثلاث نالت نصيبًا كبيرًا من الاهتمام ولها الكثير من المعارض في آيسلندا، بل وأغلبها معارض دولية، ويُمكننا أن نُضيف كذلك إلى هذه الفنون فن الموسيقى، فالموسيقى الآيسلندية موسيقى مميزة وتجمع خليط رائع بين الموسيقى في أوروبا والموسيقى في أمريكا الشمالية، لكن عندما تتحول دفة الحديث إلى أحد أهم الفنون وأكثرها شعبية في العالم بأكمله، فن السينما، نجد أن هناك انحدار كبير للغاية، فالسينما في آيسلندا شبه منعدمة التواجد، بل وقلما نجد أفلام من هذه الدولة تُشارك في المهرجانات الدولية وتربح الجوائز الكُبرى، وربما هذا الأمر راجع أصلًا إلى القلة الشديدة في أعداد السكان، وبالتالي قلة الإبداع، وكذلك يُمكننا إلحاق فن المسرح في نفس السياق، فهو أيضًا لا يحظى برقي كبير، وإن كان طبعًا لا يصل لنفس المستوى المنخفض للسينما بسبب تواجد بعض المسارح الهامة في المدن الرئيسية، والحقيقة أننا إذا أردنا إعطاء تقييم عام للفن في آيسلندا مقارنةً مع المساحة وأعداد السكان فإن هذا التقييم سيكون بالتأكيد جيد، هذا إذ لم يكن جيد جدًا.
طبعًا عزيزي السائح الحالة الثقافية والفنية والتاريخية في آيسلندا تشمل جوانب أكثر بكثير من الذي تم التطرق له، لكننا في نهاية المطاف لا نوجه حديثنا إلى شخص مُتخصص، وإنما مجرد شخص يُريد التعرف على لمحة أو نبذة بسيطة، وهذا ما اجتهدنا بالفعل في القيام به من خلال ما سبق من سطور.