طبعًا بلا شك التاريخ والثقافة جانبان مهمان للغاية يجب الاهتمام بهما عند التحدث عن أي مكان في العالم، فما بالكم ونحن نتحدث عن قارة أسيا العظيمة، تلك التي تمتلك باعًا طويلًا في هذين المجالين وله كذلك الكثير من الإسهامات في الثقافة العالمية وليس فقط الأسيوية، ولهذا سيكون لزامًا علينا أن نعبر من جسر التاريخ والثقافة لهذه العريقة لنعرف ما الذي تتواجد عليه القارة الآن، فهذان الأمران بالذات لا يُعبران عن الماضي بقدر ما هما يعبران كذلك عن الحاضر وربما المستقبل أيضًا، ولتكن البداية مع التاريخ العظيم الذي تنعم به أسيا، فما هو الجانب الهام في هذا الصدد يا تُرى؟
تاريخ قارة أسيا
يمكن القول بلا أدنى تردد أن تاريخ قارة أسيا كان شاهدًا على معظم الحضارات التي تواجدت في العالم القديم، أما الإنسان القديم فهناك شبه تأكيدات على أن قارة أسيا كانت الموطن الأول لهذا الإنسان، والدليل على ذلك جمجمة بكين التي تم العثور عليها في جمهورية السنين قبل عدة سنوات، تلك الجمجمة التي تعود لأكثر من عشرة آلاف عام وتشغل حيزًا كبيرًا من الاهتمام نظرًا لكونها قد تمكنت من زحزحة الفكرة السائدة عن كون الإنسان الأول قد تواجد أصلًا في قارة إفريقيا، أيضًا لا يُمكننا إغفال حضارات مثل الصينية واليابانية والهندية، فتلك الحضارات قد رسخت للكثير من الأمور المتواجدة في هذا العالم الآن، كما أن القوة قديمًا كانت بيد هذه الحضارات الثلاث قبل ظهور الحضارات الأوروبية الكبيرة التي سيطرت على العالم فيما بعد، لكن تبقى الحقيقة الراسخة التي لا خلاف عليها أن قارة أسيا كانت شاهدة على الكثير من الأشياء التي مهدت لهذا العالم الحديث الذي نعيش فيه، حتى أن التقسيم القديم للعالم كان يشتمل على ثلاث قارات فقط، من بينها قارة كاملة لأسيا وباقي القارات الموجودة الآن كانت مدمجة بالكامل في قارتين فقط!
ملامح من التاريخ الأسيوي
الحديث الكبير الذي تحدثنا به عن قارة أسيا هو بكل تأكيد حديث مُستحق، لكن البعض بالتأكيد قد يسأل عن الملامح أو الصور التي تؤكد عراقة هذه القارة وتأثيرها على العالم الآن، ودعونا نبدأ مثلًا من ملامح ديني ربما لم يلتفت إليه البعض، وهو أن هذه القارة كانت مهبطًا للكثير من الأديان والرسل، في نفس الوقت نجد أنه من النادر جدًا أن نذكر بأن ديانة قد نزلت في إفريقيا أو أوروبا، وطبعًا إذا أردنا أن نتحدث عن ديانة لا خلاف عليها فإن الديانة الإسلامية سوف تكون حاضرة وجاهزة للبرهنة على ذلك الأمر بكل تأكيد، فقد هبطت الديانة الإسلامية على النبي محمد عليه الصلاة والسلام في قارة أسيا، وتحديدًا في شبه الجزيرة العربية، أي السعودية حاليًا، صحيح أن الديانات تخاطب العالم بأكمله لكننا نتحدث عن كون هذه القارة هي المهبط والمُتلقي الأول للديانة، ومنها انطلقت إلى أماكن كثيرة في العالم.
ملمح آخر هام في التاريخ الأسيوي يتعلق بتواجد أكبر قدر من الحضارات العريقة، وذلك مثل الحضارة الفينيقية واليابانية والصينية، والكثير من الحضارات الأخرى الهامة، وفي نفس الوقت نجد أن قارة إفريقيا مثلًا لا تعرف سوى الحضارة الفرعونية وقارة أوروبا لا تعرف سوى الحضارة الرومانية واليونانية، وهي فوارق كبيرة للغاية توضح الأهمية الكبرى للقارة الأسيوية، وإذا بحثت أكثر سوف تجد المزيد من الملامح التي تؤكد نفس الحقيقة، لكن ماذا عن الثقافة يا تُرى؟
الثقافة في قارة أسيا
الحديث عن الثقافة في قارة أسيا لا يُمكن أن يقل من حيث العظمة عن التاريخ، فمعنى أن يكون لديك تاريخ قوي أنك بالتأكيد سوف تستغل ذلك التاريخ الكبير في تكوين مخزون رائع من الثقافة، وهذا ما حدث بالفعل في قارة أسيا، فحضارات مثل اليابانية والهندية والصينية قد تركت خلفها قدرًا من الثقافة يُمكن أن يكون صالحًا لقارات العالم أجمع وليس فقط قارة واحدة، وهذه الثقافة تتمثل في المقام الأول بالعادات والتقاليد، أما من الناحية البحتة للثقافة المتمثلة في التعليم والآداب فهنا أيضًا يُمكنك أن تحدث دون أدنى حرج، فأذكى طفل في العالم على سبيل المثال ليس الطفل الأمريكي أو الأوروبي، بل هو الطفل الأسيوي، وتحديدًا الطفل الياباني الذي يُمكنه في سن صغير للغاية أن يقوم بالكثير من الاختراعات، وطبعًا أحدث وأفضل أجهزة الحواسب والهواتف هي في الأصل يابانية، كما أنه أكثر من دولة داخل هذه القارة تحتل مكانة عالية وترتيب مُتقدم في التعليم على مستوى العالم، وهذا أمر يعرفه الغرب ويُطلقون عليه الغزو الأوروبي.
بالنسبة للأدب فربما سيدهشكم أن أغلب الذين حصلوا على جائزة نوبل في الآداب بالسنوات الأخيرة هم في الأصل أسيويين، كما أن أكبر كتاب العالم حاليًا من حيث أعداد الكتب المباعة له هو الروائي الياباني هاروكي موراكامي، وثمة بالطبع الكثير من الكتاب الهنود المشاهير، أما بالنسبة للمنافسة على كتابة الرواية العربية فنجد أن عرب أسيا حاليًا يتفوقون كثيرًا عن عرب إفريقيا، فهناك الكثير من الأسماء البارزة على رأسها الكاتب الكويتي سعود السنعوسي، وإذا راقبت معارض الكتاب التي تُقام في هذه القارة فستجد أنها معارض فخمة للغاية على عكس معارض الكتاب في إفريقيا، ولن نبالغ إذا قلنا أنها تقترب من المعارض الدولية الأوروبية، وفي هذا دلالة واضحة على الاهتمام الشديد بالثقافة.
الفنون في قارة أسيا
لم يسقط الفن طبعًا من حِجر القارة الأسيوية، أو دعونا نقول الفنون بشكل عام لأن هذه القارة برعت في أكثر من نوع من أنواع هذه الفنون، وبالتأكيد أي شخص سوف يستمع لمصطلح الفن سوف يكون سؤاله في المقام الأول عن فن السينما، ومن هذه الناحية نجد أن السينما الأسيوية تُبرهن في كل يوم على تفوقها الكاسح الذي ربما يتفوق على السينما الأوروبية بمراحل، وأكبر دليل على ذلك بالطبع السينما الهندية بوليود، والتي أصبحت الآن تنافس سينما هوليود الأمريكية بكل سهولة، وأيضًا لا ننسى السينما اليابانية والإيرانية والصينية، فكل هذه سينمات تقارن بالسينمات العالمية وتُقدم كافة أشكال السينما التي يعشقها المُتلقي مهما كانت اهتماماته، وهناك أيضًا مجال المسرح الذي يبرز فيه عرب أسيا بشكلٍ خاص، وعلى رأسها دول الكويت والإمارات، فهذه الدول تمتلك مسارح عالمية تُقدم مسرحيات عالمية كذلك.
بالنسبة لبقية أنواع الفنون كالرسم والنحت والفنون التشكيلية بشكلٍ عام فإن قارة أسيا لم تتوقف كذلك في هذه النقطة، حيث أنها تُقيم الكثير من المعارض المُتخصصة بهذا الصدد وتوليها اهتمامًا، صحيح أنه قدر غير مُعادل للقدر الذي تأخذه فنون السينما والمسرح لكن هناك أماكن أخرى لا تنشغل أصلًا بالفن، كما أنه في الآونة الأخيرة بدأت تظهر العديد من الفنون الجديدة على الساحة وبدأ الاهتمام يتوجه إليها لأن القاعدة تقول أن أول ما يُقاس به تقدم أي دولة أو قارة هو حجم اهتمامها بالفن، وأسيا اهتمت وستهتم أكثر خلال الفترة القادمة بالفن، هكذا تقول المؤشرات على الأقل.