سوريا - التاريخ والثقافة

التاريخ القديم

تعتبر الجمهورية العربية السورية هي واحدة من أقدم الأراضي التي بدأت الحياة البشرية فيها، وهذا ما أوضحته لنا الآثار البشرية التي عثر عليها ويرجع تاريخها إلى سبعمائة وخمسين ألف عام قبل الميلاد، والإنسان العاقل بشكله الحالي ظهر فيها منذ مائة وخمسين ألف عام قبل الميلاد، أما عن الزراعة والاستقرار في الأراضي السورية فيرجع إلى أثنى عشرة ألف عام قبل الميلاد، وقد تأسست في سوريا العديد من المستوطنات البشرية سبعمائة منها عائد للعصر الحجري، ومن أشهر هذه المستوطنات هي مستوطني حلب ودمشق اللذان ما زالا مستمرين حتى يومنا هذا، وبسبب وجود الدولة السورية بجوار دولة العراق مباشرة كانت الحضارات تمد أيديها من هنا إلى هنا، فكانت الحضارة تنشأ في العراق وتتوسع حتى تتبعها بعض المدن السورية وهكذا مع الحضارة السورية أيضًا، وقد بدأت الممالك في الظهور بدولة سوريا منذ ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد، حيث نشأت مملكة يمحاض، وماري، وإيبلا، وأوغاريت، وكانا، وبعض الممالك الأخرى الأقل أهمية.

بعد ذلك جاءت الإمبراطورية الأكادية التي أسسها سرجون الأكادي في الهلال الخصيب، وظلت هذه الإمبراطورية حتى القرن الثالث والعشرين قبل الميلاد تقريبًا، بعدها جاءت الحضارة الكنعانية وظلت حتى القرن الثامن عشر قبل الميلاد، وكان سقوطها على يد الملك حمورابي موحد الهلال الثاني، ليعلن بذلك تأسيس الإمبراطورية البابلية التي كان مركزها العراق، وسرعان ما انهارت هذه الإمبراطورية الضخمة ودخلت سوريا في عصور مظلمة استمرت من القرن السادس عشر وحتى القرن الحادي عشر قبل الميلاد، وفي هذه الفترة توالى على حكم سوريا العديد من الإمبراطوريات الضعيفة مثل الكاشية والهندوأوروبية والحثية والمصرية القديمة، وظهرت في القرن الحادي عشر قبل الميلاد الحضارة الآرامية والتي استمرت لمدة قرنين فقط حيث سقطت على يد شلمنصر الثالث، فكان هذا الملك تابعًا للدولة الآشورية وبذلك يكون الموحد الثالث للهلال الخصيب، واستمرت البلاد تابعة للآشوريين حتى سقطت على يد نبوخذ نصر أحد ملوك الدولة الكلدانية، وبالرغم من كون الكلدان في العراق إلا أنهم حافظوا على وحدتها مع سوريا ليكون الهلال الخصيب كتلة واحدة مثل ذي قبل، واستمرت سوريا تابعة للدولة الكلدانية حتى عام 531 قبل الميلاد، وخلال تلك الفترة تطورت الدولة كثيرًا في الكثير من المجالات مثل الفنون والأدب والتجارة والعلوم والعمارة وغيرها من المجالات الأخرى.

سوريا قبل الفتح الإسلامي

قام الإسكندر الأكبر المقدوني بفتح الكثير من الأراضي في عهده ومنها الهلال الخصيب الذي يتشكل من بلاد الرافدين وسواحل بلاد الشام، وقد حدث ذلك الأمر في القرن الثالث قبل الميلاد وتحديدًا في العام الثالث والثلاثين منه، ولكن ما لبث أن مات الإسكندر الأكبر وتقسمت إمبراطورتيه العظمى بين قادة جيوشه، وكان الهلال الخصيب من نصيب القائد سلوقس الأول مؤسس الدولة السلوقية فيما بعد، وقد قام هذا الملك الجديد ببناء مدينة أنطاكية التي اتخذت مقرًا للحكم في الأراضي السورية، وكعادة كل القادة الذين تسلموا زمام الحكم بعد وفاة الإسكندر الأكبر قام سلوقس الأول بالنهوض بالبلاد وتطوريها بشكل كبير، فكل قائد منهم كان ينظر إلى الأراضي التي أخذها على أنها أصبحت ملك له ويجب الاهتمام بها حتى تكون على أحسن صورة عندما يتولى أولاده الحكم.

عامة انتشرت الثقافة الهيلينية اليونانية في أرجاء الدولة السورية، وتوسعت العمليات التجارية مع آسيا الصغرى ومصر وأرمينيا وبعض المناطق الأخرى، ولكن كعادة كل الممالك والدول ضعفت الدولة السلوقية مع مرور الوقت وخرجت بعض الأراضي السورية من حيز الحكم السلوقي، حيث قام ملك أرمينيا المسمى بديكران من ضم بعض أجزاء سوريا إلى مملكته وكان ذلك في العام التاسع والستين قبل الميلاد، وما لبث أن قام الرومان بقيادة بومبيوس الكبير بفتح سوريا عام أربعة وستين قبل الميلاد، وتحولت سوريا والمناطق المجاورة لها إلى ولاية سورية رومانية يشرف عليها والي روماني كبير، وصارت سوريا تعتنق المذهب المسيحي تباعًا حتى عُد الأسقف المسيحي الكائن في أنطاكية هو واحد من كبار رجال الدين المسيحي في العالم، وتقدمت سوريًا كثيرًا أثناء تبعيتها للرومان وزادت أهميتها تجاريًا بسبب موقعها الهام في قارة آسيا.

وكالعادة مع مرور الوقت ساءت أحوال البلاد وخاصة في المجال الاقتصادي فقد زادت الضرائب كثيرًا مما أدى إلى سخط الشعب السوري، وما زاد الطين بلة هي الحروب التي جرت بين الرومان والساسانيين والتي انتهت بانتصار الإمبراطورية الساسانية، فدخل الفرس سوريا وقام كسرى الأول عظيم الفرس بحرق ونهب بعض المدن مثل حلب وأنطاكية وأفاميا، ثم جاء من بعده كسرى الثاني في العام الثالث عشر من القرن السادس الميلادي وحرق ونهب مدينة دمشق الكبيرة، وفي عام ستمائة وثمانية وعشرين تمكن هرقل عظيم الروم بمفاجأة الفرس بهجوم خاطف أسفر عن استرداد البلاد وعودتها للحكم الروماني.

سوريا بعد الفتح الإسلامي

بعدما استرد الروم بقيادة هرقل سوريا من جديد لم يهنئون بذلك الاسترداد طويلًا فقد جاء المسلمون لفتح الأراضي السورية بعد ثمانية أعوام فقط، فقد جاء القائد أبو عبيدة بن الجراح بجيوشه الجرارة واستطاع إسقاط الحكم الروماني من البلاد، ومن الجدير بالذكر أن الكثير من الأراضي السورية قد تم فتحها سلمًا بدون أي حروب، وقد كان ذلك الفتح الإسلامي في عهد الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب، وسرعان ما حدثت الكثير من الصراعات داخل الأراضي السورية بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان، حيث كانت الحروب والصراعات دائمة في عهد الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب، ولم تهدأ الأوضاع إلا بعد تولي الدولة الأموية زمام العالم الإسلامي في الواحد والستين من القرن السادس الميلادي، حيث قام الخليفة معاوية بن أبي سفيان بنقل مركز الخلافة والحكم إلى دمشق السورية.

وبذلك تعد هذه البقعة من الأرض هي الأهم في العالم الإسلامي كله فازدهرت التجارة وانتعش الاقتصاد كثيرًا وزادت أعداد السكان في تلك المنطقة، وأيضًا لا ننسى الحركة الفكرية التي نشطت في عهد الدولة الأموية، واستمرت الدولة الأموية لمدة مائة وأثنين وثلاثين عام تتخذ من دمشق بالأراضي السورية مقرًا للحكم الإسلامي، ولكن بعد أن ثار العباسيون عليهم وتم إسقاط الدولة الأموية انتقل مركز الحكم إلى العراق، ومع انتقال الحكم إلى العباسيون بالعراق تم تدمير بعض الأشياء التابعة للأمويين في سوريا، فكان سقوط الخلافة الأموية وبالًا على الشعب السوري وهذا ما أدى إلى عدم خضوعهم للحكم العباسي، ولكن قوة السيف تقنع أي شخص فأثناء قوة الدولة العباسية كانت سوريا راضية بذلك الحكم، ولكن بعد ضعفها وخلال الأعوام الأخيرة لها خرجت سوريا عن طوع العباسيين، فكان الحل الأنسب لذلك هو دخول الدولة السلجوقية إلى الأراضي الروسية ومع القليل من الاتفاقيات والمعاهدات دخلت سوريا في طوع العباسيين مرة أخرى.

ولكنه كان أسميًا فقط فالحكم الحقيقي كان للسلاجقة، ومرت الأعوام وجاء الصليبيون في حملات متعددة تمكنوا في الأولى والثانية من إخضاع أغلب المناطق السورية لهم، وبالرغم من محاولات السلاجقة في ردعهم عن البلاد إلا أنهم لم يتمكنوا من ذلك بشكل كامل، ثم ظهرت على الساحة الدولة الزنكية الإسلامية وتمكنت من توحيد البلاد والقيام بمناوشات عديدة مع الصليبيون كللها صلاح الدين الأيوبي باسترداد سوريا كلها وتوحيد مصر والشام في مملكة واحدة، ثم تبعهم المماليك بعد ذلك فردعوا الهجوم المغولي الكاسح على العالم الإسلامي، فقضوا عليهم في معركة عين جالوت وهدئت الأوضاع تمامًا في بلاد الشام والعالم الإسلامي.

سوريا بعد مجيء العثمانيين

دخلت الدولة العثمانية إلا الأراضي السورية في العام السادس عشر من القرن الخامس العشر واستمرت حتى العام الرابع عشر من القرن العشرين وهو الموافق لبداية الحرب العالمية الأولى، وبذلك يكون العثمانيون قد ظلوا قرابة الأربعة قرون داخل الأراضي السورية حتى أخرجتهم النهضة العربية، عامة دخل العثمانيون إلى سوريا بعد معركة مرج دابق الشهيرة والتي فاز العثمانيون فيها بقيادة السلطان سليم الأول على المماليك بقيادة قانصوة الغوري، وعلى أثر هذه المعركة دخل العثمانيون إلى سوريا وجعلها ولاية مع فلسطين والأردن ولبنان تسمى الولايات العثمانية السورية، وقد ازدهرت الأوضاع في البلاد ونشطت التجارة والصناعة ثم الاقتصاد حتى كانت البلاد تعيش في رخاء نوعًا ما، ولكن ما لبث أن جاء القرن الثامن عشر وحمل معه الجدب والفقر والصراع على الأراضي السورية، فقد كان ولاة المنطقة في تناحرًا دائم فيما بينهم مثل الوالي ظاهر العمر وفخر الدين المعني الثاني وأحمد باشا الجزار وغيرهم، فازدادت الضرائب وهجمات البدو، وانتشرت الأمية والجهل، وانعدم الأمن في المنطقة.

ولكل ذلك تمكن محمد علي باشا من إخضاع سوريا له عام 1831 وبذلك تصبح في ملك مع مصر، وقد قام محمد علي بتطوير وإصلاح البلاد فانتعش الاقتصاد وازدادت التجارة ثم تحسن التعليم والأدب والإدارة، ولكنه غفل عن نقطة هامة كانت السبب في إبعاده عن حكم البلاد السورية ألا وهي التجنيد الإجباري، حيث ملل الشعب السوري من ذلك واستغل السلطان عبد المجيد الأول العثماني ذلك فأسترد سوريا مرة أخرى بعد تسعة أعوام تقريبًا، ومع عودة سوريا إلى الحكم العثماني بقيت الدولة في حالة ازدهار وتقدم وإصلاح حتى جاءت الحرب العالمية الأولى بالتزامن مع قيام النهضة العربية، ومنذ ذلك الوقت لم تعد سوريا تابعة للحكم العثماني وأصبحت مملكة ثم دخلت تحت الانتداب الفرنسي فترة من الوقت، وأخيرًا نالت حريتها وتأسست الجمهورية الأولى ثم الجمهورية الثانية التي لا تزال حتى وقتنا هذا.

الثقافة والأدب في سوريا

نأتي هنا للحديث عن الثقافة والأدب في الجمهورية العربية السورية وأهم ما يميزهم هو كونهم مزيج من الحضارات التي مرت على سوريا، حيث أننا وكما نعرف أن التاريخ السوري حافل بالأحداث ومرت عليه العديد من الحضارات والممالك، ولذا فالثقافة والأدب فيها مزيج جيد بين كل تلك الحضارات والممالك، ومن هذا المزيج الأمثال الشعبية، ورقصة السيف والترس، والحكواتي، والكركوزاتي، والسيارين، والزجل، والعراضية الشامية، والعديد من الأمثلة الأخرى للثقافة السورية الرائعة، أما عن الموسيقى والغناء في سوريا فأشهر ما فيها هي القدود الحلبية القديمة والتي تبنى على أغاني شهيرة أخرى لتستحوذ على نفس انتشارها ورواجها بين الناس، ويعد المغني الشهير صباح فخري هو أشهر مغني تراث سوري على الإطلاق.

وفي الوقت الحالي تشتهر الفنانة السورية أصالة نصري في مجال الغناء على مستوى العالم العربي، فهي تمتلك نبرة صوت حادة وممتازة لا يضاهيها أحد من المغنيات، أما عن الأدب في سوريا فهي لها باع كبير في ذلك وخير دليل أن البحتري والمتنبي وأبي تمام والأخطل ونزار قباني وأدونيس وغيرهم ينتمون إلى الجمهورية العربية السورية.