الأردن - التاريخ والثقافة

تاريخ دولة الأردن

من البديهي أن تكون الحياة التاريخية بدولة الأردن زاخرة وعامرة بالكثير من المحطات الهامة، ولابد أن المُطلع على حياة الأردن، أو الراغب في الاطلاع، سوف يكون لديه شغف بالتعرف على هذه المحطات التي تبدأ قبل التاريخ.

ما قبل التاريخ

الحياة في دولة الأردن بدأت قبل حوالي أربعة عشر ألف عام من التأريخ، ونحن هنا لا نتحدث عن مجرد تواجد دولة الأردن، وإنما تواجد الحياة البشرية نفسها، فقد بدأت بتوافد العمونيون الذين ينتسبون إلى أم عمان، فبسبب سقوط الكثير من الأمطار على هذه الدولة كان ثمة رغبة في المكوث بها وتكوين مجموعة من المستوطنات، فقد بدا واضحًا أنها مناسبة للزراعة وتربية الحيوان، وبالتالي عيش الإنسان، هذا قبل أن يأتي العصر الحديدي، وهو الذي يسبق التأريخ بثلاثة آلاف عام، وينتبه الغزاة بعد ذلك إلى وجود حياة مناسبة للغاية داخل دولة الأردن، وخلال هذه الفترة البسيطة تعاقب الكثير من الغزاة، والذين منهم الآشوريين والرومان واليونانيين، حتى الأنباط كان لهم نصيب من الكعكة، لكن مع بداية التأريخ الميلادي، وتحديدًا مرور ستة قرون منه، تغيرت الحياة الأردنية تمامًا بقدوم تلك الحضارة البارزة التي لا تزال مستمرة حتى وقتنا الحالي، الحضارة الإسلامية.

مرحلة الحضارة الإسلامية

عام 33 هجريا، أو 656 ميلاديًا، دخل الإسلام الأردن وحدث الفتح الأعظم بعد طرد الرومان، والذين كانوا يسوقون العذاب لأهل الأردن، وقد بقيت الأردن صامدة تحت الراية الإسلامية لفترة طويلة للغاية على الرغم من تخلل هذه الفترة الكثير من الحوادث العصيبة التي عاصمة بالأردن وكادت في فترات متباينة أن تُنهي الحكم الإسلامي تمامًا، وقد بدأ ذلك بالغزو الصليبي الذي تمكن فعلًا من عبور الأردن لولا أن أزاحه صلاح الدين الأيوبي عن المنطقة، بعد ذلك أتى دور المغول الذين تمكنوا من السيطرة على الأردن أيضًا في فترة من الفترات قبل أن يتوقفوا بسبب قوة قائد الجيش الإسلامي قطز، وقد بقيت الأردن تحت حكم المماليك فترة طويلة حتى جاء عام 1516 وشهد سقوط دولة الممالك على يد العثمانيين، والذين تمسكوا بالأردن على مدار أربعة قرون متتالية، انتهت ببداية التاريخ الحديث.

مرحلة التاريخ الحديث

يبدأ العصر الحديث في دولة الأردن مع بداية الحرب العالمية الأولى التي كانت بين دول المحور والحلفاء، فقد حاربت الأردن إلى جانب تركيا، ثم مع بداية هزيمة تركيا ضد الفريق الآخر في الحرب العالمية استغلت الحركات الثورية ذلك وبدأت في عملية نوعية ضد الأتراك، لكن هذا الأمر لم يمضي على نحو جيد، لأن النهاية جاءت في صورة سيطرة بريطانيا، باعتبارها منتصرة، على أغلب الدول التي كانت تخضع لحكم تركيا، ومن ضمنها طبعًا دولة الأردن، إلا أن هذا الوضع لم يستمر طويلًا، فقبل نهاية عام 1945، وتحديدًا في شهر مايو، أنهى المندوب البريطاني الوصاية على الأردن وأصبحت منذ ذلك التوقيت دولة مستقلة حكمها في البداية الملك عبد الله الأول، وبعد نهاية الخلاف والصراع السياسي بدأت الأردن في سعيها للتفوق الاقتصادي والثقافي بين دول الخليج والمنطقة.

الثقافة

لا تسير حياة أي دولة إلا بعد أن يكون لها عون من الثقافة، هذا العون يتمثل ببساطة في بعض الجوانب الخاصة بها، وهي جوانب مختلفة وكثيرة، لكنها في النهاية تُشكل الهوية الثقافية، وعلى رأس هذه الجوانب المطبخ.

المطبخ

لا شك أن المطبخ الأردني يُعتبر من أهم الأشياء المُعبرة عن الأردن، ولكي نكون واضحين فإن الطعام الرئيسي في الأردن هو الخبز، وهو الذي يُقدم بأكثر من الطريقة وبأكثر من شكل ومع أكثر من وجبة، بعد ذلك يأتي الخبز الذي يأخذ منزلة الأرز مع اللحوم والأطعمة من هذا القبيل، لكن لا يُمكننا طبعًا وضع هذه الأشياء وحدها ضمن أطباق الأردن الرئيسية، فهناك مثلًا المنسف والمقلوبة والبرياني والبندورة، أيضًا ثمة وجود لأطباق حلويات أردنية مميزة للغاية، وبشكل عام فإن الأردن تمتلك ملامح منفصله لمطبخها وطعامها، ولهذا هو جزء من ثقافتها.

الدين

بالتأكيد الدين واحدة من الأشياء التي توضع في الاعتبار كمُشكل للهوية الثقافية، وقد ظهر الدين في الأردن من خلال الديانة المسيحية، والتي لم تستمر طويلًا بسبب دخول الديانة الإسلامية مع قدوم المسلمين بالقرن السابع الميلادي، وقد أصبحت الأردن منذ ذلك الوقت حاضنة لكل المتغيرات التي مرت بها الديانة الإسلامية والخلافات وما شابه، وبالطبع ظهر تأثير هذا الأمر جليًا من خلال مجموعة من الأبنية مع مجموعة الآثار والمخطوطات وما شابه، فكل هذا طبعًا يضع الدين ضمن القوام الرئيسي في الهوية الثقافية.

العادات والتقاليد

تُعتبر العادات والتقاليد في الواقع لُب الهوية الثقافية، إذا أنها أساسًا تتحدد بناءً عليها، وقد كانت الأردن منذ بزوغها وحتى وقتنا الحالي حاضرة بمجموعة من العادات والتقاليد أهمها الكرم والنبل والشجاعة واحترام المرأة، كذلك الدفاع عن الوطن وعدم الاعتداء على الآخرين، كل هذا شكل في النهاية مجموعة من العادات والتقاليد، والتي ثمة جزء صغير جدًا منها يُمكن اعتباره عادات وتقاليد غريبة كالمهرجانات والاحتفالات البدوية مثلًا.

الرياضة

أيضًا من الأشياء التي تُشكل في نهاية المطاف هوية الأردن الثقافية الرياضة، فمنذ قديم الأزل تهتم الأردن بالشباب والرياضة وكل ما يتعلق بهذا الصدد، وقد اتضح ذلك الأمر من خلال مجموعة من المشروعات الشبابية الرياضية، وطبعًا اللعبة الشعبية الأولى في هذه الدولة هي كرة القدم، يليها بعد ذلك كرة السلة، ومن أشهر الأندية الأردنية في مجال الكرة الفيصلي والوحدات والأهلي، كذلك ثمة تواجد ليس بالقليل في الألعاب الفردية كالفروسية والقوس وألعاب القتال، لكن على الرغم من كل ذلك لا يُمكننا الجذم بوجود إنجاز دولي قومي للرياضة الأردنية.

العمارة

كذلك ضمن الصور البارزة للغاية والهامة في ثقافة الأردن تلك التي تُبرز العمارة كشيء رئيسي غاية الأهمية، فلمن لا يعرف فإن نهر الأردن كان منهلًا وبابًا لدخول الكثير من الحضارات المختلفة، تلك الحضارات فتحت الطريق أمام الكثير من الأشكال المتعلقة بالمعمار، وعلى الرغم من اختلاف هذه الأشكال إلا أن الأساس بقي واحدًا، حيث أن الأحجار كانت العنصر الرئيسي في البناء، ولا تزال حتى الآن تتواجد في دولة الأردن مجموعة من القصور والمسارح والبيوت العتيقة المبنية بالكامل من الأحجار، بل لن نبالغ إذا قلنا بوجود مثل هذه الأماكن تم نحتها في قلب الصخور، على العموم، الأدلة على نهضة العمارة الأردنية القديمة لا تزال موجودة ويُمكن التأكد منها بسهولة.

الأدب

على العكس تمامًا مما هو متوقع فإن الحركة الأدبية في دولة الأردن لم تكن مزدهرة قديمًا بقدر الازدهار الذي حظيت به في العصر الحديث، وتحديدًا القرن الماضي الذي شهد نهضة حقيقية في أكثر من مجال، ومن أهم هذه المجالات مجال المجلات الأدبية، حيث نشرت بغزارة في ذلك التوقيت، ثم ظهر كتب السيرة الذاتية والقصص والروايات، لكن الشيء الذي يبدو وكأنه كان صاحب التأثير الكبير فهو الشعر، حيث أن الشعر قد قطع أشواط كبيرة جدًا في التقدم والازدهار لدرجة أنه حرب الشعوب ودعا إلى الثورات ونجح بها، ومن أشهر شعراء مصطفى وهبي التل ومحمد صبحي، ثم جاءت بعد ذلك ظاهرة الأدباء المختلطين، وهم الأردنيون الذين يحملون كذلك الجنسية الفلسطينية، وهؤلاء اهتموا أكثر بالناحية الوطنية وكان لهم دور وتأثير لا يُستهان به على الإطلاق.

الفن

فيما يتعلق بمجال الفن فيُمكن القول إنه يُمثل كذلك جزءًا كبيرًا جدًا من الهوية الثقافية الخاصة بالأردن، وهو أيضًا يُمثل مجموعة من الملامح والأقسام، وأولها بالتأكيد الموسيقى.

الموسيقى

تُعد الموسيقى في الأردن من الأشياء المُلهمة فعلًا، حيث أنها تقريبًا تُستخدم في كل شيء، فالحرب لها موسيقى والترفيه له موسيقى والاحتفال له موسيقى والوقوف بجانب البحر لها لون موسيقى كذلك، وربما السبب الرئيسي الذي يُمكن إرجاع ذلك التقدم الموسيقي إليه هو وجود القبائل الشعبية، وتلك القبائل معروفة طبعًا بعشها الدائم للموسيقى والرقص، وهنا ظهرت الموسيقى البدوية الأردنية التي تُعرف باسم الدبكة، وهي التي كانت تُستخدم فيها آلات مثل المجوز والطبلة والبوق والقربة، والشيء الآخر الهام جدًا أن الموسيقى كانت جزءًا أصيلًا من تراث الشعب وطريقة تربيته لأطفاله، حيث أن الطفل كان يتعلم الرقص والموسيقى البدوية مع تعلمه للكلام، ومن الشائع الرقص في جماعات وفرق، وكل جماعة من الممكن جدًا أن تصل إلى أربعين شخص.

المسرح

إذا ما ذُكر المسرح في الأردن ذكر الفنان هاني صنوبر، فقبل النصف الثاني من القرن العشرين كان المسرح في دولة الأردن عبارة عن مجهودات هواة فقط لا أكثر، حيث أنه لم يكن هناك مسارح بالصورة الفعلية للمسرح، بل كانت مجرد أماكن يقوم فيها هؤلاء الهواة بعرض أعمالهم أمام جمهور معين، وكانت الهواية تدخل في كل شيء لدرجة أن الإخراج والكتابة والتمثيل كانوا أبوابًا للإبداع، وكتقييم عام كان مستوى المسرح ضعيف، لكنه على الأقل كان يحظى بالاهتمام، إلا أن الفنان هاني صنوبر قام في فترة الثمانينيات بفتح الباب أمام المسرح الاحترافي، وذلك بعد الدراسة في أمريكا والقدوم إلى الأردن من أجل افتتاح مسارح جديدة وأكاديميات تُعلم فن المسرح بشكل احترافي مميز.

السينما والدراما

لم تحظى السينما أبدًا بدرجة التميز التي حظي بها فن المسرح الأردني، فإذا أردنا وضع تصنيف عام لهذا الفن فسوف يكون تقييم الأقل من المتوسط مناسبًا جدًا، إذ أن السينما الأردنية أصلًا بدأت نهاية النصف الأول من القرن العشرين، ثم بعد ذلك اهتمت بالأفلام الإخبارية والوثائقية، أما الأفلام الروائية الطويلة أو القصيرة فهي لم تقفز بعد إلى المكانة المرجوة، وإن كانت هناك بعض المحاولات للحصول على هذه المكانة، وهي التي تستحقها الأردن في الحقيقة، خصوصًا مع التطور الدارمي، فالأعمال الدرامية، والتي تعرض على التلفزيون الأردني والعربي، تُقيم بأنها أكثر من مجرد جيدة، والدليل على ذلك غزارة الإنتاج بالشكل الملفت.