طبعًا عزيزي السائح لا خلاف على أن التعرف الكامل على أي دولة من الدول، مهما كانت هذه الدولة، يستدعي المرور بجانبين في غاية الأهمية، التاريخ والثقافة، فكلاهما من الممكن جدًا أن يُحددا الحاضر، كما أنهما في الأساس يُعبران عن الهوية الحقيقية للدولة، والتي ربما لا يُمكن التعرف عليها بأي طريقة أخرى، على العموم، إن كان هذا الكلام يتسم بالغموض فإن السطور القادمة ستكون كفيلة بإزالة هذا الغموض، والبداية ستكون مع الجانب الأهم، تاريخ أيرلندا العريق.
التاريخ في أيرلندا
لا يُمكنك عزيزي القارئ أن تبدأ تاريخ أيرلندا إلا في تلك النقطة التي يكون فيها السكان قد بدأوا بالتعرف عليها وقاموا بالفعل ببعض الهجرات إليها، وعلى هذا المنوال يُمكن القول إن سنة 6000 قبل الميلاد هي البداية الأصلية لأيرلندا، هذا على الرغم من الكثير من الهجرات قد تمت بعد ذلك وبأكثر من شكل، على العموم، بعد بداية القرن الميلادي أخذت أيرلندا في تشكيل هويتها ودولتها الأولى، وهنا يجب التنويه على أن التاريخ بهذه المنطقة كان شديد التأثر بالكثير من العوامل التي يقبع على رأسها الموقع الجغرافي، وسنعرف لماذا فيما بعد، وكذلك العداوة والصراع الأبدي مع إنجلترا، وأيضًا بعض الصراع الداخلي، على العموم، البداية الأولى لدولة أيرلندا جاءت في صورة إنشاء بعض الكنائس التي منها خرج الحكم الديني للدولة، وعلى هذا الأساس كانت هناك العديد من الصراعات والحروب الداخلية لكل أعداء الدين أو الغير مُخلصين لفئة دينية معينة، وقد وصل هذا الاضطهاد إلى أوجه في العصور الوسطى، أما الملك الأول الذي تمكن السيطرة على أرض أيرلندا بالكامل فهو الملك هنري الثالث، لكن ما الذي حدث بعد ذلك يا تُرى؟
بعد نهاية فترة حكم الملك هنري الثالث، وتحديدًا القرن الخامس عشر، بدأت أعين بريطانيا العظمى تنظر إلى أيرلندا بعين استعمارية بحتة، ومنذ ذلك التوقيت أصبحت خاضت أيرلندا الكثير من الحروب والصراعات مع هذه المملكة الكاسحة وكانت هناك محاولات ناجحة وأخرى فاشلة في السيطرة لدرجة أنه قد أصبح صراع القط والفأر الذي ربما بدأ ينتهي نهاية القرن المنصرم بعد أن خاضت الإمبراطورية البريطانية عدة حروب من أجل السيطرة على هذه الأرض المتمردة من وجهة نظرها، على العموم، قبل حوالي ستة عقود نالت أيرلندا استقلالها المبدئي وباتت الآن جمهورية واحدة، لكن بعد كل هذه الصراعات لابد أن الحياة الثقافية قد أخذت أكبر استفادة ممكنة من هذا التاريخ العظيم، فماذا عن ثقافة أيرلندا يا تُرى؟
الثقافة في أيرلندا
الحديث عن الثقافة بكل تأكيد لن يكون حديث مباشر يتضمن فقط الحديث عن الأدب والكتب وتلك الحياة، صحيح أن هذا طبعًا يُعتبر جزء هام من الحياة الثقافية لكنها ليس كل شيء يُمكن قوله بهذا الصدد، إذ أن الحياة الثقافية في أيرلندا تشمل كذلك العادات والتقاليد والحالة الدينية والمطبخ وبعض الأمور الأخرى الهامة قبل أن نصل أخيرًا إلى الأدب، والبداية طبعًا مع العادات والتقاليد التي تعج بها أيرلندا وأغلبها يدور حول احترام المرأة وتقديس الحياة الزوجية والحياة التعليمية، أيضًا هناك إيمان شديد جدًا بالعمل وما يُمكن أن يؤدي إليه من تقدم كُلي في البلاد، فأيرلندا تمتلك أكبر قوى عاملة مُقارنة مع المساحة وأعداد السكان، أما بالنسبة للحالة الدينية فإن أيرلندا تمتاز بالتمسك الشديد بالديانة المسيحية لدرجة أنه كانت السلطة مُقتصرة فقط على رجال الدين، ولا ننسى بالطبع أن نسبة تزيد عن التسعين بالمئة من السكان هناك مسيحيين بينما الديانات الأخرى بها نسب قليلة للغاية آخذة كل يوم في النقصان أكثر وأكثر، كذلك المطبخ في أيرلندا يُعتبر جزء من الثقافة لكنه ليس ذلك الجزء المؤثر للغاية بدليل أن أغلب الأطباق الرسمية في أيرلندا عبارة عن أطباق غير مُعقدة تعتمد على اللحوم وما شابه، بمعنى أدق، أطباق لا تمتلك علامة مميزة لها.
الجانب الثاني، والأهم طبعًا في الحديث عن الثقافة، هو ذلك الذي يتعلق بالأدب، وبالطبع عزيزي القارئ لا يُمكننا القول بأن الأدب في أيرلندا خاض رحلات الانتشار وكان له عظيم الأثر في الحياة العالمية، فهو في النهاية مجرد فن محلي بحت كان له انتشار داخلي، فأغلب الكتب العلمية والروايات كانت موجهة بالأساس إلى الأطفال والبراعم، والدليل على ذلك أننا لم نسمع من قبل عن رواية عالمية إيرلندية، على العموم، من أهم الأدباء الذين أثروا الحياة الأدبية وكان لهم عظيم الأثر جورج باركلي وبرنارد شو وأوسكار وايلد، فكل هؤلاء أدباء مشاهير عالميًا لكن تأثيرهم فقط محليًا.
الفن في أيرلندا
الجانب الفني في أيرلندا لا يُمكن أبدًا الحديث عنه بتلك القوة المُتوقعة، فإن أردنا الحقيقة يجب أن نُقر بكون أيرلندا دولة فقيرة جدًا من الناحية الفنية، وهذا الأمر راجع في المقام الأول إلى قلة أعداد السكان والصراعات الكثير التي خاضتها، وكل هذا لا يمنع طبعًا من وجود بعض النقاط المُضيئة في الحياة الفنية، على العموم، أهم وأشهر الفنون الأيرلندية فن الموسيقى، فهو الفن الأكثر شهرة وتميزًا لدرجة أن الموسيقى الإيرلندية لها باع طويل في المحافل الدولية، وبطبيعة الحال فإن الشعب الأيرلندي في الأساس عاشق كبير جدًا للموسيقى بمختلف أشكالها، ثم يأتي بعد ذلك الفن التشكيلي والفنون الأخرى المتعلقة بها كالرسم والنحت ومثل هذه الفنون الفردية التي تعتمد على موهبة فطرية في المقام الأول، وما يؤكد وجود هذه الفنون أنه ثمة بعض المعارض التي تُقام خصيصًا من أجلها بين الحين والآخر، أيضًا هناك وجود ليس بالقليل لبعض الفنانين والرسامين الأيرلنديين، لكن الحقيقة أن كل ما سبق ذكره من فنون لا يُرضي غريزة مُحب الفن لأننا لم نتحدث بعض عن الفنون الشعبية، فما هي حالتها في أيرلندا يا تُرى؟
الفنون الشعبية الجماهيرية تتمثل بالمقام الأول في السينما والمسرح، وبعدها بمسافة كبيرة يأتي فن الأوبرا الشهيرة، ودعونا نبدأ من النهاية ونقول أن فن الأوبرا يحظى بوجود معقول بعض الشيء، فالجميع يعرف أن دار الأوبرا الموجودة في دبلن تُعتبر من أشهر دور الأوبرا الموجودة في العالم، لكن هذا لا يعني أبدًا تميز الأوبرا الإيرلندية، إذ أنه ثمة ندرة في المواهب القادرة على تشغيل هذه الدور، وهذا الأمر يُمكن تطبيقه كذلك على المسارح العامة والخاصة، فهي لا تعمل بذلك القدر من الزخم الذين يُمكن معه القول بأننا نتحدث عن دولة فنية من الطراز الفريد، أصلًا المسارح شبه نادرة، وبالنسبة للسينما فهي آخر شيء قد يُفكر فيه الجمهور، إذ أن السينما هناك لا تحظى بذلك الإقبال الكبير الذي يقول بأننا نتحدث عن بطل وقصة ومثل هذه الأمور، شعب أيرلندا بطبعه غير عاشق للسينما، وهذه حقيقة لا يُمكن تغييرها، لذلك لا يُمكن وصف سينما هذه البلد إلا بكونها موجودة فقط لأنها يجب أن تكون موجودة، وبالنسبة للتقييم العام لفن أيرلندا فهو مقبول نسبيًا.