لا أحد بالطبع يختلف على أن هوية أي دولة لا تتشكل من تلقاء نفسها، وإنما تكون هناك بعض العناصر الهامة التي تُسهم بصورة أو بأُخرى في تشكيل هذه الهوية، وأهم هذه العناصر التاريخ والثقافة، إذ أن تاريخ وثقافة أي دولة يُعتبران الجزء الأهم بها، وبالنسبة لهنغاريا فإن الحياة التاريخية التي عاشتها هي التي أنتجت في النهاية المخزون الفني والثقافي، وكل هذا سنتعرف عليه بالتفصيل الآن، والبداية ستكون مع الأصل، مع التاريخ، فماذا عنه يا تُرى؟
تاريخ دولة هنغاريا
أول ما سيشغلك عزيزي السائح في أي دولة هو أن تعرف تاريخها، فهو بالتأكيد ما يُمكن من خلاله استنباط الحاضر، على العموم، ينقسم تاريخ هنغاريا إلى أكثر من مرحلة، وهذه المراحل التي يتكون منها التاريخ تتضافر في نهاية المطاف لتُكون دولة كاملة، وبكل تأكيد المرحلة الأولى هي تلك التي تبدأ قبل التاريخ الميلادي، وتحديدًا القرن التاسع قبل الميلاد، فهو بداية اكتشاف هنغاريا، تلاه القرن الرابع ما قبل الميلاد من حيث الشهرة في التعرف أكثر على الدولة، ومن بعد بداية التاريخ الميلادي كانت هنغاريا دولة مُستعمرة تتنقل من مملكة إلى أخرى، وقد بدأ ذلك التنقل من المملكة الرومانية حتى انتهى بالمملكة الروسية التي كانت الفترة الأخيرة ما قبل قيام الدولة المجرية الحقيقية، وذلك في مرحلة العصور الوسطى التي بدأت بالنسبة لهنغاريا في القرن التاسع ميلاديًا، وهنا يُمكن القول أن النصف الهادئ من تاريخ هنغاريا قد انتهى.
النصف الثاني من تاريخ هذه البلد يبدأ مباشرةً بعد مرحلة التشكل، فقد نشأت في سنة 1000 أول مملكة هنغارية تضم أكثر من دولة صغيرة بالقرب منها تحت حكم ملك موحد يُعرف باسم ستيفن، ثم جاءت بعد ذلك مرحلة الانضمام إلى الحكم العثماني الذي كان في أوج قوته بهذا التوقيت، وقد كان ذلك في القرن السادس عشر وتلاه بعد قرنين الحروب العالمية التي أضرت بالمجر كثيرًا قبل أن يأتي عام 1966 ويشهد تشكيل هنغارية بالشكل والنظام التي تتواجد عليه حاليًا، ببساطة، تبدأ هنغارية الحديثة في أبهى صورة ممكنة لها بعد هذا التاريخ الحافل.
الثقافة في هنغاريا
في البداية عزيزي القارئ يجب أن تعرف بأن الحديث عن الثقافة في هنغاريا لا يتمثل في الحديث عن الأدب فقط، وإنما الثقافة يُقصد بها العادات والتقاليد كذلك بالإضافة إلى هوية الشعب نفسه، وعلى رأس هذه الأمور التي يجب تناولها بهذا الصدد المطبخ الهنغاري، فالمهتم بالتعرف على ثقافة هذه البلد سوف يريد بالتأكيد التعرف على طعامها الأشهر، وهو عبارة عن قطع اللحم المخلوطة مع الفلفل الرومي، وهي المشهورة باسم غولاش، بعد ذلك يأتي الحديث عن ثقافة الشعب الدينية، فهنغاريا دولة مسيحية من الطراز الأول، وعلى هذا المنوال نجد أنه ثمة الكثير من الكنائس والكاتدرائيات التي تنتشر في كل مكان بالدولة، والواقع أن التعرض للثقافة الهنغارية يجعلنا نتناول كذلك الجانب المتعلق باحترام المرأة والكثير من الحقوق التي يتم منحها له، كذلك لا ننسى السباحة والاهتمام الشديد بها، فالشعب الهنغاري معروف باقترابه الشديد من السباحة وممارسته له بشدة، لكن هل هذا كل شيء يتعلق بثقافة هذه البلد؟ الإجابة بكل تأكيد لا.
الجانب الثاني من الثقافة هو ذلك الجانب الذي قد يشغل الجميع ويعتبره المُعرف الحقيقي للثقافة، والحديث هنا عن الأدب والفنون، فالأدب في هنغاريا ليس بالرواج الكبير على المستوى العالمي، صحيح أنه مهم جدًا في تثقيف الهوية الداخلية وزيادة الوعي، لكنه يبقى في النهاية تأثير داخلي، أما الانتشار الخارجي فيقف أمامه عائق اللغة الهنغارية وصعوبة تعلمها من الشعوب الخارجية الأخرى، فإذا تناولنا الأدب الإنجليزي مثلًا فسنجد أنه الأكثر انتشارًا في العالم، والسر الأول خلف ذلك أن اللغة الإنجليزية لغة سريعة الانتشار، ومن الناحية الأخرى، وهي تلك التي تتعلق بالمكتبات، ففي هنغاريا تتواجد أكبر عدد من المكتبات، والأمر لا يتعلق بالعدد فقط وإنما السعة كذلك والجودة، فمكتبات هنغاريا تُعتبر من أكبر مكتبات العالم وأشهرها، أما الفن، والذي قد يعتبره البعض جزء أصيل من الأدب، فهو يحتاج بالطبع حديث آخر منفصل.
الفن في هنغاريا
بالنسبة للفن الهنغاري فإن أول ما نتحدث عنه، وأهم شيء نتحدث عنه بلا أدنى شك في هذه البلد، الموسيقى، فالموسيقى هناك هي أهم شيء يُمكنك أن تفتخر به كمواطن هنغاري، إذ أنه منذ زمن بعيد برز هذا الفن ثم أخذ يتحسس خطواته شيئًا فشيئًا حتى وصل في الوقت الحالي إلى مكانة هامة بين موسيقى العالم بأكمله، بمعنى أدق، إذا كان لديك تصنيف أو ترتيب للموسيقى في هنغاريا فإنها سوف تكون ضمن أفضل عشر أنواع للموسيقى في العالم بأكمله، وهي هناك متواجدة في صورة كلاسيكية وشعبية مجرية وباروك، ولأن الفن الموسيقى رائح كان لابد من تواجد متميزين ورواد به، وهم متواجدين في فن العزف والإلقاء والتأليف، لكن الجميع يعرف بلا شك أن التأليف هو الشيء الأهم والأصعب، ولذلك فإن الرواد به هم الأكثر شهرة، ومنهم مثلًا بيلا بارتوك وفرانز ليست وآخرين غيرهما، لكن هل هذا كل شيء في فن هنغاريا؟
بالتأكيد الفن، ذلك الشيء الهام الذي نتحدث عنه في دولة هنغاريا، ما زال يشمل الكثير من المجالات الأخرى التي تُسمى بالمجالات الشعبية، والحديث هنا عن فن المسرح والأوبرا مثلًا، فإنهما يحظيان برواج معقول ولهما مكانة هامة بين مختلف الفنون الموجودة في هذه البلد، فالمسارح ودور الأوبرا كثيرة، والعروض التي تُقام بها أيضًا ذات قيمة فنية لا بأس بها، لكن فن السينما على سبيل المثال لا يأتي في مرتبة مماثلة للفن السينمائي في بقية دول العالم الأخرى، فهناك تكون السينما هي كل شيء، أما في هنغاريا فهي ضعيفة ومحدودة داخليًا وليس لها وجود قوي عالميًا، ومن ضمن الفنون التي لم نتحدث عنها حتى الآن وتلقى مكانة لا بأس بها في هنغاريا فنون الرسم والعمارة والبناء والتصوير، فهي فنون لها وضع معقول نسبيًا، لكنها ليست واجهة الفن في دولة هنغاريا بالكامل.
طبعًا من البديهي أن تُدرك عزيزي السائح أن كل ذلك الحديث في قسم الثقافة والتاريخ والفن ما هو إلا حديث إيجازي توضيحي في شكل نبذة قصيرة، بمعنى أننا لم نُجمل كل شيء يتعلق بهذا الصدد، ولا يُمكن لأي شخص أصلًا القيام بهذا الأمر إلا إذا كان مُتخصصًا، على العموم، ما هو مذكور يكفي لمن يريد الاقتراب أكثر من الحياة التاريخية والثقافية.