جمهورية التشيك

التشيك - التاريخ والثقافة

لا شك عزيزي السائح أن دولة أوروبية هامة مثل التشيك سوف تكون مشتملة على مخزون تاريخي كبير ساهم في وجود هذه الأهمية، وهذا التاريخ بالتبعية سوف يُخلف لنا قدر لا يستهان به من الحديث عن الثقافة والفن، وكل هذه الأمور تشغل الشخص الراغب في الاطلاع ومعرفة حاضر الدول، فالحاضر يبدأ من الماضي والتاريخ والثقافة، وهذا تحديدًا ما سنقوم بفعله سويًا في السطور القليلة المُقبلة، والبداية ستكون مع الأصل، مع التاريخ، فماذا عنه يا ترى؟

تاريخ التشيك

بدأ تاريخ دولة التشيك الحقيقي في القرن السادس عندما بدأت الأنشطة المُختلفة تُقام على هذه الأرض، ثم مع الوقت توافدت القبائل التي شكلت مزيجًا غير متناسق، ولم يكن هناك نظام حكم بخلاف القبلي حتى جاء القرن التاسع الذي استطاعت فيه أحد القبائل التشيكية السيطرة على الحكم في الدولة تحت اسم شهير وقتها يُعرف بوهيميا، وقد استمر ذلك الأمر حتى مطلع القرن الرابع عشر، وهو الذي سقطت فيه التشيك تحت حكم ملك النمسا الذي ضمها إلى مملكته، ثم مر الوقت وتوالت الممالك الذي كانت التشيك تنضم إليها رغبًا عنها حتى جاء وقت الحرب العالمية الأولى الذي شهد دخول التشيك مع دولة سلوفاكيا ضمن اتحاد واحد ومملكة واحد، هذا الاتحاد لم يستمر إلا إبان الحرب العالمية الثانية، حيث أعلنت سلوفاكيا انفصالها التام عن التشيك، وهو ما شكل ضربة قوية في ذلك الوقت لأن ألمانيا استغلت ذلك الأمر ووضعت دولة التشيك تحت سيطرتها المُطلقة، وهذا يعني فيما معناه أن المعاناة الحقيقية سوف تبدأ، لكن النهاية السريعة لألمانيا خلال الحرب أعادت الأمور إلى نصابها مُجددًا من خلال اتحاد سلوفاكيا والتشيك.

مع مطلع النصف الثاني من القرن العشرين بدأ الاتحاد بين التشيك وسلوفاكيا يتفتت بشكل جزئي حتى ذلك الوقت الذي انتهى فيه الاتحاد فعلًا تحت رعاية من الاتحاد الشيوعي وأصبحت سلوفاكيا دولة منفصلة رسميًا قبل أن تلحق بها التشيك في تسعينات القرن المُنصرم، على كلٍ، التاريخ الكبير الذي مرت به التشيك لم يمر أبدًا مرور الكرام، وإنما خلّف العديد من الآثار التي ترتبت عليه، وببساطة شديدة يُمكن القول إن هذه الآثار قد أصابت في المقام الأول الحياة الثقافية لهذه البلد، فما الذي يُمكن قوله بهذا الصدد يا ترى؟ دعونا نعرف ذلك سويًا.

الثقافة في التشيك

الناحية الثقافية في دولة التشيك كانت نتاجًا طبيعيًا ومنطقيًا لذلك التاريخ الممتد لهذه الدولة، وقد اشتملت الثقافة على أكثر من محتوى، أولًا المحتوى المعماري، فالمعمار الموجود في الشيك جزء لا يتجزأ من ثقافتها، إذ أننا نرى الأبنية الباروكية المختلفة والقصور التي بُنيت منذ القرون الوسطى ولا تزال حاضرة حتى الآن، وأبنية أخرى ليس لها وجود إلا في التشيك تحديدًا، فقد ذكرنا أن المعمار لم يكن عملًا أو مهنة بقدر كونه فنًا، أما المحتوى التالي في ثقافة التشيك فهو المحتوى الديني، حيث كان هناك التزام كامل بالجانب الديني في الحياة التشيكية لدرجة أن أعداد الكنائس الموجودة في هذه الدولة تفوق تلك الأعداد الموجودة في أي دولة أوروبية أخرى، أضف إلى ذلك طبعًا الكاتدرائيات، وكلها أبنية أصبحت الآن أبنية سياحية، وبمناسبة السياحة، جزء كبير من ثقافة التشيك يدخل في العدد الكبير للمتاحف المتواجدة داخل هذه البلد، ففي كل مدينة ثمة خمس متاحف على الأقل، والمتاحف الموجودة متنوعة أيضًا وشاملة لكل ما يُمكن شموله، ببساطة شديدة، كانت ثقافة المكان حاضرة من خلال كل ما سبق ذكره، وأيضًا كانت ثقافة الطعام لها وجود قوي ومكونة لجزء من الهوية التشيكية، لكن، ما إن يُذكر مُصطلح الثقافة حتى يتبادر بصورة تلقائية إلى الأذهان الأدب، فماذا عنه يا تُرى؟

بلا شك عندما تذكر الأدب في دولة التشيك فسوف تذكر الأديب العالمي فرانز كافكا، فهو ليس فقط أشهر أديب في التشيك، وإنما يُمكن القول ببساطة أنه الأشهر في العالم بأكمله، وبشكلٍ عام فإن الثقافة التي تشتمل على الناحية الأدبية لم تبرز في دولة التشيك إلا مع بداية القرن العشرين، فهو الوقت الذي شهد رواجًا كبيرًا من هذه الناحية ودشن ظهور الكثير من الأدباء الذين كتبوا في كل المجالات تقريبًا، وكان على رأسها الخيال العلمي والتراجيدي، ولأن جزء كبير من الثقافة يتعلق بالفن فمن الطبيعي كذلك التحدث عن الناحية الفنية في هذه الدولة، وهذا ما سنخصص له حديث منفرد في السطور القليلة المُقبلة لأن الفن في التشيك يستحق فعلًا.

الفن في التشيك

الفن الموجود في دولة التشيك يشمل الكثير من المجالات التي يُمكن التحدث عنها، والبداية طبعًا بالموسيقى التشيكية التي كان لها باع طويل منذ القرن السادس عشر، فمنذ زمنٍ بعيد أدرك العالم أن الموسيقى هي المتنفس الوحيد لهم في الحروب والدمار الذي طالهم، ولهذا قرروا محاربة كل هذه الصعاب من خلال الموسيقى، وقد عرفت التشيك أنواع مُختلفة وكاملة من الموسيقى القديمة والحديثة، وكان فيها بالطبع الكثير من الأساطير في هذا المجال، ثم بعد ذلك جاء دور المسرح بوصفه كذلك المتنفس الثاني لعشاق الإبداع البصري، ولو لاحظنا فإن دولة التشيك من الدول التي تمتلك أعداد كبيرة من المسارح ودور الأوبرا المُختلفة، أما الفن الثالث المُرتبط ارتباطًا وثيقًا بالفنين السابقين فهو الفن السينمائي، والسينما كما يعرف الجميع قد أصبحت في الوقت الحالي أداة الترفيه الأولى في العالم، وربما النوع الذي برعت فيه التشيك بهذا المجال هو نوع الإثارة والغموض والخيال العلمي، وفي الآونة الأخيرة أصبحت التشيك تحصل على جوائز هامة في الفن وأصبح لديها ممثلين ومخرجين كبار، لكن هل الفن يشمل هذه الأنواع المذكورة فقط؟ الإجابة بكل تأكيد لا.

الفن أيضًا يشمل الرسم والنحت والتصوير الزيتي، وهذه المجالات كذلك اقتحمتها التشيك وأصبح لها وجود قوي فيها، وربما هذا الأمر يتضح أكثر من خلال المعارض والأحداث التي تُقام بهذا المجال، على العموم، الفن التشيكي بالنسبة للقارة الأوروبية يُصنف في المنطقة الدافئة، بمعنى أدق، هو ليس في المكانة الكبيرة المتقدمة ولا في المكانة المُتأخرة، وهذا هو موضع التميز الحقيقي الذي يجعل التشيك في موقف جيد ومتميز في مجالات الثقافة والفن.