مما لا شك فيه أن وضع مسار لأي رحلة واحدة من أهم الأمور التي يعجز عنها السائح الغير مُطلع على الأمور، فالسائح يعتقد أنه كي يقوم برحلة إلى أي مكان، وبشكل خاص منطقة الكاريبي بما أنها موضع حديثنا، فإن كل ما سيحتاج إلى تواجده مجموعة من الأموال وتذكرة سفر، لكن الأمور تكون أكبر من ذلك بكثير لأننا سنحتاج إلى دراية كاملة بالمسار الذي سنقوم باتباعه لضمان خروج الرحلة على أفضل نسق ممكن، فهذا الأمر في الحقيقة هو الأصعب فيما يتعلق بالرحلات، ولذلك في السطور القادمة سوف نرسم مسارًا كاملًا للسائح العربي من أجل زيارة إلى منطقة الكاريبي مُقسمة على خمسة أيام، وذلك على اعتبار أن ثمة يومين إجازة في الأسبوع الواحد، عمومًا، دعونا نبدأ سريعًا باليوم الأول من هذا المسار، والذي سنقضيه في واحدة من أجمل مدن الكاريبي على الإطلاق، فما هي؟
اليوم الأول
في اليوم الأول من مسار رحلتك سوف تحتاج إلى زيارة مدينة جميلة تُنذر بأن بقية الرحلة سوف تكون جميلة كذلك، وهذا الأمر بالتأكيد لا يحتاج إلى تفكير، فمدينة باراماريبو هي خيارك الأمثل لهذا الهدف، فيكفي أن نعرف بأن هذه المدينة تُعتبر بالكاملة تابعة لمنظمة اليونسكو أو حفظ التراث، وذلك من عام 2002، وهي كذلك تُعتبر عاصمة دولة سورينام، وعلى الرغم من أن هذا الدولة تمتلك بداخلها نصف مليون نسمة فقط إلا أن مدينة باراماريبو تمتلك وحدها نصف هذه الكمية، وهي ربع مليون نسمة بالتحديد، أضف إلى ذلك أنها واحدة من المدن المُفضلة للسياح العالميين في منطقة الكاريبي، لكنك عندما تقوم بزيارة سياحية حسب المسار فسوف تحتاج بالطبع إلى زيارة بعض الأماكن الهامة، لكنك أولًا ستقوم بحجز غرفة لك في أحد فنادق العاصمة، وليكن هذا الفندق هو هوليداي إن، ثم بعد ذلك تبدأ مسارك من خلال جولة سريعة من المشي داخل المدينة لكي تتشبع بالمناظر الموجودة بها، وبعد هذه الجولة تبدأ مسارك الحقيقي من خلال زيارة مكانين متجاورين ومتناقضين في نفس التوقيت، وهما المعبد اليهودي الذي يقع بالقرب من مسجد سورينام، ثم بعد ذلك تتجه إلى كاتدرائية القديسين بولس وبطرس، وبهذا تكون تقريبًا قد قمت بزيارة أغلب الأماكن الدينية بالمدينة.
الجزء الثاني من مسارنا داخل هذه المدينة سوف يبدأ في تناول الأماكن السياحية الغير دينية، وهنا يُمكننا التحدث عن القصر الرئاسي المُبهر الموجود بالعاصمة ونُصب الأحجار الذي يُعتبر تخليدًا لأغلب الأحداث المأسوية التي وقعت على هذه الأرض، أضف إلى ذلك بالتأكيد المتحف الوطني للمدينة، وهي بالتأكيد أماكن سياحية بامتياز، أما ختام الزيارة فيُمكن أن يأتي من خلال زيارة واحدة من أكبر وأهم قاعات السينما في العالم، إنها قاعة الجوهرة الموجودة في باراماريبو، وفي النهاية يُمكننا المرور بحديقة الأمراء قبل أن نتجه سريعًا إلى الفندق من أجل النوم باكرًا أملًا في الاستيقاظ باكرًا أيضًا للحاق باليوم الثاني من أوله، ذلك اليوم الذي سنقضيه في مدينة أخرى لا تقل جمالًا عن سابقتها.
اليوم الثاني
مع بداية اليوم الثاني من رحلتنا لن نجد أنفسنا حائرين كثيرًا أمام اختيار المكان المناسب من أجل الرحلة، فتقريبًا كل الأماكن الموجودة في منطقة الكاريبي تصلح كي تكون مزارًا سياحيًا بامتياز، لكننا سنختار في هذا اليوم مدينة بورت أوف سبين، وهي العاصمة الأولى لدولة ترينيداد وتوباغو، وهي دولة صغيرة للغاية موجودة ضمن دول منطقة الكاريبي، لكن مساحتها لا تعنينا الآن على الإطلاق، فلم يكن الجمال من قبل مقصورًا على المساحة، وفي مدينة بورت أوف سبين يُمكننا زيارة أكثر من مكان جذب سياحي في هذا اليوم الذي قررنا أن نقضيه بها، ومن هذه الأماكن مثلًا حديقة وادي الإمبراطور، وهي حديقة حيوان مثل أي حديقة موجودة في أي مكان آخر في العالم، لكنها أكبر قليلًا وأكثر شمولًا من حيث نوعية الحيوانات الموجودة بها، أيضًا يُمكننا في هذا اليوم زيارة المتحف الوطني لترينيداد، وهو متحف يضم كل ما هو أثري ويتعلق بالدولة بأكملها وليس فقط المدينة، وهذا ما سنكون مترقبين جدًا لاستكشافه بالطبع، أضف إلى ذلك زيارة منتزه الملكة، وهو منتزه كبير وجميل كان تابعًا من قبل لإحدى الملكات في ترينداد، وربما كونه تابعًا لهذه الملكة قد أكسبه بعض الأهمية نظرًا لأن حياة الملوك تكون دائمًا محط استكشاف، لكن هل هذا كل شيء في المدينة؟
لا نزال في بورت أو سبين التي تزخر بالمزيد من الأماكن السياحية الهامة، وهذه المرة سوف نقوم بجولة المطاعم والمقاهي، فهي جولة تستحق القيام بها في هذه المدينة بالذات نظرًا للسمعة الكبيرة التي تحظى بها في مجال الطعام، لدرجة أنه ثمة أحياء كاملة لا يتواجد بها أي شيء آخر بخلاف تلك المحلات التي تبيع المأكولات، ولهذا فإن زيارة هذه الأحياء سوف تكون واحدة من الأشياء الممتعة التي لن تندم على القيام بها، المدينة كلها في الحقيقة لن تندم أبدًا على زيارتها، لكن كالعادة، عليك أن تنتهي سريعًا من هذه الجولة حتى تُصبح مستعدًا تمامًا لبداية اليوم التالي من المسار.
اليوم الثالث
في اليوم الثالث من المسار الذي وضعناه لكم سوف نوجه الدفة إلى مدينة سانت جورجز، وهي عاصمة غرينادا التي تُعتبر دولة هامة من دول البحر الكاريبي، لكن صدقوا أو لا تُصدقوا، هذه المدينة التي نتحدث عنها الآن لا يبلغ عدد سكانها سوى عشر آلاف نسمة فقط، أي أننا تقريبًا نتحدث عن مدينة بلا أي كثافة سكانية، لكن في نفس الوقت هي مدينة سياحية بامتياز وتستحق أن نقوم بقضاء يومنا الثالث بها، والبداية في مسارنا ستكون مع متحف غرينادا الوطني، وهو متحف هام جدًا يُرسخ لتاريخ المدينة التي نقوم بزيارتها كما أنه يحتوي كذلك على أشياء أخرى تتعلق بمنطقة الكاريبي بشكل عام، لذلك هو مكان غير قابل أبدًا للتفويت، بعد ذلك سوف نتوجه حي سان جورج، وهو حي عتيق وأثري سوف تتذوق فيه عبق التاريخ، ولا تنسى طبعًا المرور بالمركز الثقافي الشهير المعروف بغرينادا كرنفال، فهذا المركز يحمل ثقافة المدينة والمنطقة بالكامل، وهو شيء ستكون شغوفًا جدًا لاستكشافه بلا شك، أما حصن فريدريك فهو لا يحتاج أي حديث تحفيزي من أجل زيارته لأن أي حصن موجود في العالم بشكل عام يسعى الناس لزيارته، لكن هل هذا كل شيء؟
لا تزال مدينة سانت جورجز الصغيرة تعج بالكثير من الأماكن السياحية القابلة للزيارة في يومنا الثالث، ومنها مثلًا المكتبة العامة، وهي مكان مُخصص أكثر لعشاق الثقافة والقراءة والاطلاع، وداخل هذه المكتبة يُمكنك أن تقضي ساعتين ثقافيًا من أجمل ما يكون، وفي يوم مزدحم بالأماكن الثقافية مثل هذا لن ننسى أبدًا زيارة حديقة هيدا بارك التي ستهون كثيرًا من زيارتنا، ثم في نهاية اليوم يُمكننا قضاء ساعتين كاملتين في التسوق داخل أحد المولات التجارية الكثيرة الموجودة في هذه المدينة، ثم نعود سريعًا كالعادة من أجل الحصول على قسط من الراحة استعدادًا لليوم التالي في مسارنا ومدينة جديدة.
اليوم الرابع
في اليوم الرابع من مسارنا سوف نبتعد قليلًا عن دول المنتصف الكاريبي ونذهب إلى دولة غير شهيرة تُعرف باسم مونتسيرات، وتحديدًا في عاصمة هذه الدولة، وهي برادس، والحقيقة أن هذه المدينة لم تُصبح العاصمة إلى قبل عقدين فقط بعدما تعرضت العاصمة الأولى لبركان عظيم أنهى كل مظاهر الحياة بها، على العموم، في هذه العاصمة الجديدة يُمكننا أن نجد الكثير من الأماكن السياحية التي يُمكننا زيارتها في هذا اليوم الرابع، ولهذا أصلًا قمنا بوضعها على قائمة الترشيحات، ومن أهم هذه الأماكن الشارع الرئيسي، أجل كما تسمعون تمامًا، ثمة شارع رئيسي في هذه المدينة يُعتبر معلمًا يستحق الزيارة، ففي هذا الشارع ثمة العديد من المحلات التجارية العتيقة وبعض الصيدليات الفريدة ومكاتب البريد والهيئات الحكومية، والحقيقة أن الغريب حقًا في ذلك أنك ستشعر في الوهلة الأولى أنك في قلب لندن، فكل هذه الأشياء تمت على يد الاحتلال البريطاني الذي كان مسيطرًا على المدينة قديمًا، أضف إلى ذلك زيارة متحف برادس الذي يُعتبر من المتاحف الهامة التي تُرسخ للحياة في منطقة الكاريبي بشكل عام، ويُمكنك أن تجد هناك قطع أثرية نادرة وبعض متعلقات الصيادين والسفن التي كانت تُستخدم في البحر الكاريبي قديمًا، لكن هل هذا كل شيء؟
ما زلنا في اليوم الرابع والنقاط التي يُمكن زيارتها في هذه المدينة الصغيرة الجميلة، حيث يُمكننا توجيه بوصلتنا إلى مجلس السياحة، وهو مكان أشبه بالملتقى الذي يجمع بداخله مجموعة من الأماكن السياحية التي يُمكنك أن تقضي بها ست ساعات متتالية على سبيل المثال، لكن يجب أن تنتهي منه سريعًا حتى تتفرغ لزيارة المطاعم الجميلة التي تُعتبر من أهم الأشياء المتواجدة في برادس، والجميل حقًا في هذه المطاعم أنها تأتي على أشكال أكواخ صغيرة موجودة على الشواطئ الرئيسية في المدينة، ومنها مثلًا مطعم “بيبل بلايس”، وبمناسبة الأكواخ الموجودة على الشاطئ، يُمكننا كذلك الاستمتاع بممارسة بعض الرياضات الجميلة الممتعة على الشاطئ، وشواطئ برادس على جدال على جمالها، عمومًا، دعونا ننتهي سريعًا من هذا اليوم لكي نستعد لليوم الخامس والأخير من هذا المسار الممتع.
اليوم الخامس
في اليوم الخامس والأخير من ذلك المسار الذي قمنا برسمه لكم سوف نقوم بالحصول على المتعة بأغرب طريقة ممكنة، وذلك من خلال جزيرة صغيرة موجودة في منطقة الكاريبي تُعرف باسم جزيرة الكورن، وفي هذه الجزيرة الصغيرة يُمكننا أن نحصل على المتعة بأكثر من طريقة، لكن قبل أن نبدأ ثمة أمر يجب أن تعرفوه جيدًا، وهو أن هذه المدينة غير مسموح أبدًا فيها باستخدام وسائل النقل، والسر في ذلك أنه لا توجد وسيلة نقل بالأساس، أجل كما تسمعون تمامًا، ليست هناك ولو وسيلة نقل واحدة، أيضًا المسافة الكلية لهذه الجزيرة لا تسمح أصلًا بوجود وسائل النقل من أي نوع، فهي بالكامل عبارة عن مساحة لا تزيد عن ثلاثة كيلو مترات، وهي مساحة يُمكن أن تُقطع على الأقدام بلا مبالغة، وبالمناسبة، كوننا سنقطع الجزيرة بأكملها على أقدامنا أحد أهم الأسباب التي أدت إلى ترشيحها من أجل قضاء اليوم الخامس والأخير فيها، فمعنى ذلك أننا لن نفوت ولو شبر واحد في هذه الجزيرة دون أن نراه، وهذا ما نُريد حدوثه بالتأكيد، لكن ماذا عن السياحة؟
عندما نختار مكان ما فإننا نُراعي أنه في الأساس يعج بالأماكن السياحية الجاذبة، وفي منطقة الكاريبي، وفي جزيرة الكورن بالتحديد، فإن الجمال الطبيعي يكون حاضرًا وبقوة من خلال الشواطئ والمنتجعات والمنتزهات والفنادق وبعض أماكن الترفيه الأخرى، والحقيقة أننا لن نذكر أسماء هذه الأماكن لسبب بسيط جدًا، وهو أننا سنضطر لقطع مسافة الجزيرة بالكامل سيرًا على الأقدام، وبالتالي لن نفوت أي شبر، وبالمناسبة، الجولة الكاملة داخل هذه الجزيرة تأخذ سبع ساعات فقط، وهو وقت قياسي لجزيرة، لكنها بالتأكيد ليست أي جزيرة، بل قطعة من الماس حجمها ثلاثة كيلو مترات فقط.
إلى هنا ينتهي المسار الذي وضعناه من أجل هذه الرحلة التي ستنطلق في خمس أماكن متنوعة في منطقة الكاريبي، وقد راعينا في هذا المسار ذكر أماكن مختلفة، بعضها من المدن وبعضها من الجزر، وذلك كيلا نفوت أي جزء من المتعة، كما نعود وننوه أن ما ذكرناه الآن من أماكن لا يعني أبدًا أنها الوحيدة الممتعة، بل ثمة أماكن أخرى مختلفة كثيرة، لكننا فقط ذكرنا الأبرز والأكثر استحقاقًا للتجربة، وإن كانت منطقة الكاريبي بالكامل ينطبق عليها هذا الأمر.