أمريكا الوسطى

أمريكا الوسطى - التاريخ والثقافة

بلا شك ليس هناك شيء أهم من التعرف على التاريخ الخاص بدولة مُعينة، فما بالكم إذا كان الحديث عن منطقة هامة ومؤثرة في العالم مثل أمريكا الوسطى، أضف إلى ذلك أن الحديث عن التاريخ يستدعي المرور كذلك بالحياة الثقافية التي تشكلت عبر ذلك التاريخ، ولذلك دعونا في السطور المُقبلة نستعرض هذين الوجهين لتلك المنطقة الهامة لنعرف كيف وصلت إلى ما أصبحت عليه الآن، والبداية طبعًا ستكون مع التاريخ، فمن عرف تاريخ عرف حاضره.

أمريكا الوسطى والتاريخ

في البداية يجب أن نعرف بأن أمريكا الوسطى ليست سوى الحد الفاصل بين أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية، فهي تقع بينهما وتضم بداخلها سبع أو ثماني دول على حسب تعريف الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، والحقيقة أنه يُمكننا القول إن البداية التاريخية لهذه المنطقة كانت في عصر ما قبل كولومبي، وهو العصر الذي شهد تواجد السكان الأصليين لأمريكا في هذه المنطقة الوسطى، إذ أنه لم يكن هناك تواجد كثيف لهذه النوعية من السكان سوى في هذه المنطقة التي بدأ منها الانتشار إلى بقية أمريكا العظمى، الشمالية والجنوبية، وقد استمر ذلك الحال حتى مطلع القرن السابع عشر، حيث بدأت السيطرة الإسبانية في فرض نفسها على المنطقة وباتت أغلب أمريكا الوسطى تحت سيطرتها، والحقيقة أن ذلك الاستعمار هو الذي ساهم أكثر في تحديد المنطقة وتقسيمها بالشكل الموجودة عليه الآن، هذا قبل أن تبدأ مرحلة الاستقلال في القرن التاسع عشر، تلك المرحلة التي بدأت تؤتي ثمارها بعد أكثر من ثلاثة عقود اندلعت خلالها ثورتين تمت السيطرة عليهما بسهولة، لكن الجيد في الأمر أنه قد تم تحديد قيادة عامة وأولى لمنطقة أمريكا الوسطى بالكامل.

قادت دولة المكسيك حركة الاستقلال بأكملها وطالبت بانفصال أمريكا الوسطى عن أي كيان آخر، بما في ذلك الكيان الأوروبي الذي لا يعترف حتى الآن بتابعية المكسيك إلى أمريكا الوسطى ويعتبرها جزء منفصل تمامًا عنها، لكن ذلك الاعتراف لم يُعق أبدًا حركة الانفصال منذ بدايتها وتمكنت السبع دول من إنشاء حكومات خاصة وتشكيل استقلال لا يزال مستمرًا حتى الآن، ولذلك يُمكننا القول إن أمريكا الوسطى قد قضت أكثر من نصف تاريخها في محاولات جادة لنيل الاستقلال وكانت على مدار تاريخها بالكامل متوحدة، لدرجة أنه في وقت من الأوقات كانت هناك جمهورية خاصة تُعرف باسم جمهورية أمريكا الوسطى، وبالتأكيد تاريخ طويل وعريق مثل هذا لن يكون عاجزًا أمام تشكيل حاجز ثقافي بارز يُشبه الدرع بالنسبة لهذه المنطقة، فما الذي يُمكن قوله عن الثقافة يا تُرى؟

الثقافة والفن في أمريكا الوسطى

عند الحديث عن الثقافة الخاصة بمنطقة أمريكا الوسطى يجب أن نُكرر بأن الثقافة تأتي تباعًا للتاريخ، فمن لا يمتلك تاريخ لا يمتلك بالتبعية ثقافة، وقد بدأت هذه الثقافة من منظور ديني تمثل في الاهتمام بإنشاء الكنائس والكاتدرائيات على الرغم من أننا نتحدث في الأساس عن دول صغيرة نسبيًا وحديثة للغاية من حيث التواجد، لكن إنشاء الكنائس كان المسمار الأولى الذي دُق في أرض الثقافة، فبلا شك الهوية الدينية أحد أهم مفردات الثقافة، أضف إلى ذلك الاهتمام بالجانب المتعلق بالأطعمة، والتي تُشكل أيضًا جزء لا بأس به من الثقافة، فالطعام في أمريكا الوسطى أحد الأشياء التي تُعبر عن نفسها، يُمكنك أن ترى مجموعة من الأطباق ثم تنتقي منها ببساطة تلك الأطباق التي تنتمي إلى أمريكا الوسطى، ويجب التنويه على أن المكسيك بالذات تُعتبر من أهم دول المنطقة المتعمقة بهذا الصدد، وبما أننا ذكرنا المكسيك فيجب كذلك أن نذكر الرقص، فالرقص أصلًا جزء من الثقافة، لكن الرقص في المكسيك، والتي تُعتبر جزء أساسي في منطقة أمريكا الوسطى، أمر لا يُمكن تفويته نظرًا لتفرده وعظمته، بل هو أسلوب حياة إن جاز التعبير.

لا نزال مع الثقافة في أمريكا الوسطى وكيفية تشكلها، ومن الطبيعي أن نتطرق إلى الجزء المتعلق بالأدب، والأدب في أمريكا الوسطى كان له نصيب ليس بالقليل أبدًا، فإذا ما ذكرت الحياة الأدبية في هذه المنطقة ذُكر الكاتب الكبير أوجوستو، وهو كاتب من هندوراس له الكثير من الإسهامات في هذا المجال، وإن كنا سنتابع الحديث عن الثقافة فيجب علينا ألا ننسى الفنون، فهي أيضًا تحظى بجزء لا بأس به من الاهتمام، وإن كان فن السينما طبعًا هو المسيطر بوصفه الفن الشعبي الأول في أي مكان في العالم، ثم على مسافة بعيدة يقف فن المسرح، لكن هذا لا يحذف الدور الكبير لفن النحت والفنون المتعلقة به كالرسم والتصوير الزيتي، فكل هذه الفنون حاضرة بقوة في أمريكا الوسطى، وإذا أردنا النماذج على ذلك فهي كثيرة وتؤكد نفس المعنى الذي نُريد التأكيد عليه، وهو أن أمريكا الوسطى كانت حدثًا ثقافيا بحد ذاته.

طبعًا كل ما سبق ذكره فيما يتعلق بمجالي الثقافة والفنون لا يُعبر عن المخزون الكامل الذي يُمكن أن نركن إليه، لكننا فقط نتحدث عن الجوانب الأكثر إضاءة في هذين المجالين، وإن كان المُطلع أصلًا على هذا الدليل لا يُريد التعمق أكثر لأننا ببساطة لسنا بصدد دراسة تحليلية تفصيلية، ومن المُرضي جدًا أن تعرف ما تم ذكره الآن وتكتفي به.