عاصرت البرتغال الكثير من الأحداث التاريخية الهامة، ومرت هذه الدولة بالكثير من الفترات التي اختلفت فيما بينها في طريقة الحياة على أراضي البرتغال وأيضاً طريقة الحكم ومدى قوة وسيطرة البرتغال على أراضيها والأراضي التي كانت تحت هيمنتها، بلا شك تعتز أي دول بتاريخها الماضي خلال مر العصور والأزمنة، ولا شك أن بعض السطور لن تعطي تاريخ البرتغال حقه، بل ستحتاج إلى كتب ومجلدات لتوثيق كافة الأحداث والفترات الزمنية التي مر بها تاريخ البرتغال، وسوف نذكر في السطور القادمة بعض أهم الفترات والأحداث التاريخية التي تخص هذه الدولة.
فترة التاريخ المبكر للبرتغال
التاريخ المبكر للبرتغال، حيث فترات ما قبل الميلاد، كانت دولة البرتغال بأراضيها الكاملة تشترك مع الجزء المتبقي من شبه الجزيرة الأيبيرية، وكانت الكثير من المجموعات استوطنت هذه المناطق كالسلتيون والغاليسيين والسلتيسيين ومجموعات أخرى كثيرة، وكانت المنطقة خاضعة للحكم الروماني منذ عام 45 قبل الميلاد وحتى حوالي عام 298 ميلادية، واستوطنت بعد ذلك مجموعات أخرى لأراضي البرتغال، وفي وقت لاحق قام المسلمون بفتحها لتبدأ فترة جديدة وعصر جديد للمنطقة وللبرتغال.
فترة سقوط الأندلس
خلال فترة سقوط الأندلس وهي من أهم الفترات التي حدثت على مر التاريخ، حيث كان للأندلس سيطرة كبيرة وهيمنة على الكثير من الأراضي، إلا أن ذلك لم يستمر وقام المسيحيون الأوروبيون بالاستيلاء على كامل شبه الجزيرة الأيبيرية، حيث كان المسلمون يرابطون على أراضيها، وقد حدثت الكثير من الحروب والمعارك التي خاضها المسلمون، والتي من أهمها معركة أوريكي التي أُنتصر فيها على المسلمين وتحولت بعدها البرتغال من إقطاعية خاصة بمملكة ليون إلى مملكة مستقلة، ووقعت بعد ذلك معارك أخرى مثل معركة ساو ماميد في عام 1128 حيث هزم “أفونسو أنريكي” البرتغال وأصبح زعيماً وملكاً لها، وقام أنفونسو هذا بطرد المسلمين من أراضي البرتغال وقام بعمل توسيعات للأراضي التي يسيطر عليها حتى وصلت إلى حدود البرتغال إلى ما هي عليها الآن.
عصر الاستكشاف في البرتغال
كانت البرتغال أحد الدول التي سعت إلى محاولة استكشاف العالم، وقامت البرتغال بالفعل بالكثير من التحركات في هذا المسعى، حيث سيطرت على مدينة سبتة والتي كانت أول الأراضي التي تستعمرها البرتغال خلال هذه الفترة، وكانت مدينة سبتة مركزاً تجارياً تابعاً للمسلمين في شمال أفريقيا، واستمرت البرتغال في حركاتها الاستعمارية هذه وتابعت محاولتها في اكتشاف العالم بما في ذلك المحيط الأطلسي وجزر الأزور ومناطق أخرى عدة، وقد أقام المستكشفون البرتغاليون مراكز تجارية على طول ساحل أفريقيا، تنوعت بين السلع المختلفة كالذهب وأيضاً تاجروا في العبيد، وفي عام 1498 وصل البرتغاليون إلى الهند لتبدأ أحد أكثر فترات البرتغال رخاءً من الناحية الاقتصادية.
اتحاد البرتغال مع أسبانيا
خضعت البرتغال لنفس الملك الذي كان يحكم أسبانيا، حيث حدثت أزمة عرفت باسم أزمة خلافة البرتغالية وذلك خلال عام 1580، فاستولى ملك إسبانيا “فيليب الثاني” على البرتغال وجعلها خاضعة لحكمه، لكن رغم ذلك فإن البرتغال لم تفقد الاستقلال الرسمي الخاص بها، ولكن كان ذلك في صيغة اتحاد بين المملكتين لكن لصالح ملك إسبانيا، وقد تورطت البرتغال في هذه الفترات في حرب السنوات الثمانين والتي كانت من أصعب الفترات التي مرت بها البرتغال حيث أن هذه الحرب كانت بين إسبانيا وهولندا وأدت لتدهور علاقات البرتغال مع الكثير من حلفائها القدامى وأهمهم إنجلترا، وبسبب هذه الحرب سعت الكثير من المؤسسات الهولندية إلى مهاجمة سفن الشحن البرتغالية وكافة المصالح الخاصة بهم والتي كانت منتشرة في أفريقيا والهند والبرازيل، ليتم تفكيك التجارة البرتغالية وتسقط مستوطنات البرتغال واحدة تلو الأخرى.
استقلال البرازيل واستعمار البرتغال لأفريقيا
تم حصار العاصمة البرتغالية لشبونة في عام 1807، وذلك من قبل جيوش نابليون التي أجبرت الأمير الحاكم “جواو” على الفرار إلى البرازيل التي كانت ضمن نطاق سيطرة البرتغال وهيمنتها، واختيرت ريو دي جانيرو عاصمة جديدة للإمبراطورية البرتغالية وبدأت حالة من الاستقرار تعم المنطقة وتطورت حالة البرازيل في العديد من النواحي منها الناحية الاقتصادية والعسكرية، وعاد ملك البرتغال مرة أخرى إلى البرازيل بعد مطالبته بذلك خلال الثورة الليبرالية عام 1820، وترك ابنه بيدرو حاكماً للبرازيل والذي بدوره أعلن استقلال دولة البرازيل تماماً عن البرتغال.
كانت البرتغال في فترة القرن الـ 19 قد خسرت كافة الأراضي التي كانت تسيطر عليها في قارة أمريكا الجنوبية والتي كانت بلا شك من مصادر القوة لدى البرتغال، وفي نفس الوقت كان الاستعمار الأوروبي على أشده فقد توسعت أوروبا في استعمار الكثير من البلدان والمناطق وفرض سيطرتها على الكثير من الأجزاء الجديدة بهدف توسيع نطاق سيطرتها، لتبدأ البرتغال بعد ذلك في محاولة منافسة أوروبا والدول الأوروبية، فقد ركزت حركاتها الاستعمارية على الكثير من الأراضي الأفريقية وقامت بتأسيس العديد من المدن هناك منها مدن ساحلية، وبدأت أيضاً بعمل خطوط سكك حديدية تربط المناطق التي تسيطر عليها ببعضها البعض.
انضمام البرتغال للاتحاد الأوروبي
تأسست ما تسمى بالسوق الأوروبية المشتركة خلال عام 1986، وانضمت البرتغال إليها وأصبحت واحدة من أهم الدول الموجودة في هذه السوق، لتتحول بعد ذلك إلى ما يعرف حتى هذه اللحظة بالاتحاد الأوروبي، ولا يخفى على أحد دور الاتحاد الأوربي عالمياً، ومدى تأثيره على الكثير من القرارات العالمية التي تخص دول العالم الأخرى، وانضمت البرتغال أيضاً إلى دول منطقة شنغن في حوالي عام 1995، فقد بدأت بتنفيذ كافة القواعد ضمن اتفاقية شنغن والتي كان أهمها إنهاء أي نوع من أنواع مراقبة الحدود مع الدول الأعضاء في اتفاقية شنغن، وقامت أيضاً البرتغال بالمشاركة في تأسيس مجموعة خاصة بالدول التي تتحدث البرتغالية وأصبح مقر هذه المجموعة في لشبونة، وفي عام 1999 شاركت البرتغال في تأسيس منطقة اليورو لتصبح بهذه الخطوات واحدة من أهم الدول الأوروبية التي تؤثر عالمياً.
الثقافة في دولة البرتغال
هناك ارتباط وثيق بين التاريخ وبين الثقافة، فلا شك أنهما نتاجان لبعضها البعض، ففترات التاريخ المختلفة ومعاصرة البرتغال للكثير من الأحداث التاريخية جعل لها ثقافة مميزة أنتجت الكثير من نتاجات الفن والثقافة التي تم تصديرها لمناطق مختلفة حول العالم، نظراً لكون هذه الثقافة تستحق أن يتم تصديرها إلى العالم، فرغم أن البرتغال كانت واحدة من الدول التي تأثرت بالكثير من الحضارات المختلفة من قارة أوروبا والحضارات التي مرت على الأراضي المختلفة حول البحر الأبيض المتوسط، إلا أنها استطاعت بشكل فريد أن تكون ثقافتها الخاصة، وتبدع في الكثير من مجالات الثقافة والتي كان أبرزها فنون العمارة والسينما حيث أنتجت البرتغال منتجات سينمائية برتغالية أصيلة، فضلاً عن إبداع البرتغال في الفنون الأدبية والأعمال الكتابية المميزة، وكان لها أيضاً تأثيراً كبيراً في فنون الطهي، فظهر المطبخ البرتغالي بأكلاته الخاصة ونكهاته الفريدة بين مطابخ دول العالم كلها، ولم تنسى البرتغال حظها من الموسيقى فأبدعت فيها وأنتجت موسيقيين وفرقاً موسيقية كثيرة فضلاً عن تميز الموسيقى البرتغالية نفسها، ولنبدأ من حيث انتهينا وهي الموسيقى في البرتغال.
الموسيقى في البرتغال
أبدع البرتغاليين في الكثير من فنون الموسيقى، فأنتجوا أنواعاً خاصة من أنواع الموسيقى والتي أشهرها هو موسيقى الفادو، وهي أحد أنواع الموسيقى المميزة والتي تميل إلى الحزن وهي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالآلة الموسيقية المعروفة وهي الجيتار البرتغالي، وليس ذلك وحسب، بل يوجد أيضاً الموسيقى الشعبية البرتغالية أو كما يسمونها البرتغاليين الفولك، وقد أحب هؤلاء البرتغاليين أيضاً الأنواع الأخرى المعروفة من الموسيقى كالبوب والأنواع الأخرى، ويعتبر من أشهر الفنانين في مجالات الموسيقى في البرتغال الفنان “كارلوس باريديس”، وأيضاً “أماليا رودريغز”، و”خوسيه أفونسو” وهم فناني لهم شهرة عالمية كبيرة، وبالإضافة لذلك فقد برزت فرق موسيقية من البرتغال والتي حصلت على شهرة كبيرة على مستوى العالم وفي أوروبا بالتحديد وهي فرصة سمت نفسها “مون سبيل”، كما تشتهر البرتغال أيضاً في هذا الصدد بمهرجانات موسيقية مميزة وخصوصاً في فصل الصيف، أشهر هذه المهرجانات هي مهرجان “دي باريديس”، ومهرجان سودو إيستي”، اشتهرت البرتغال ببعض الرقصات الرائعة أيضاً كرقصة “فاندانغو” وغير ذلك من نتاجات الموسيقى في البرتغال.
السينما والأدب في البرتغال
برع مجموعة كبيرة من البرتغاليين في التمثيل السينمائي فضلاً عن الإخراج الرائع الذي ظهر من بعض المخرجين البرتغاليين خلال فترات مختلفة من تاريخ البرتغال، فالسينما البرتغالية بدأت تزدهر بشكل واضح منذ القرن الـ 19، وقد ظهر ممثلين برتغاليين وحازوا على شهرة عالمية أبرزهم الممثل “دانييلا روا” والممثل “جواكيم دي ألميدا”، وأيضاً “ديوغو إنفانتي” وغيرهم الكثير ممن كان لهم منتجات سينمائية مميزة، كما اشتهر بعض المخرجين مثل “أنطونيو لوبيز”، و”بيدرو كوستا” وغيرهم، لتكون السينما البرتغالية واحدة من السنمات المعروفة بتقاليدها الخاصة، أما عن الأدب فقد كان الأدب البرتغالي هو بداية لظهور الأدب في دول أوروبية وغربية عديدة، وقد تطور هذا الأدب البرتغالي بشدة ونتجت قصائد شعرية وأدبية رائعة، وقد تأثرت معظم المناطق الموجودة في شبة جزيرة إيبيريا بالشعر البرتغالي والأعمال الأدبية التي أنتجها برتغاليين مبدعين في الأدب، وقد حصل بعض الكتاب والمؤلفين البرتغاليين على جائزة نوبل للأدب وهو “جوزيه ساراماجو”، وكان ذلك في عام 1998، ويشتهر في مجال الأدب البرتغالي أيضاً “جيل فيسنتي”، والشاعر “لويس دي كامويس”.