أكبر وأهم الأمور التي تجعل البلد تفتخر بماضيها هو أن يكون لها تاريخ عريق، وما أعرق تاريخ إيطاليا، هذه البلد التي نمت بها الكثير من الحضارات والإمبراطوريات التي سيطرت على أجزاء ومناطق كبيرة من العالم، لتفرض هيمنتها وسيطرتها وتسعى في عمل نهضة شاملة على كافة المجالات والمستويات، فتلقيب إيطاليا بأنها مهد الحضارات والثقافات الغربية ليس مجازاً، بل هو واقع وتاريخ عظيم، ظهر في المباني والمنشئات التي استمر وجودها أو حتى بقايا منها إلى هذه اللحظة، ورغم تعرض إيطاليا للكثير من الاعتداءات والغزوات إلا أنها استطاعت أن تحفظ على تاريخها وثقافتها وسيطرتها بشكل كبير، لتكون في هذه المرحلة الحالية أحد أكثر دول العالم تقدماً ونهضة، كما أن لإيطاليا تأثير كبير ومساهمات ضخمة في مساعدة الدول الأخرى ودفع نهضتها بشكل رائع.
العصور القديمة في إيطاليا
تعتبر هذه الفترة أحد أكثر الفترات طولاً، وهي التي شكلت الطابع الأساسي لإيطاليا وللشعب الإيطالي، فحسب علماء الآثار فإن الكثير من الحفريات والأدلة الأثرية قد أثبتت وجود الإنسان على أراضي إيطاليا في العصر الحجري القديم، وهو العصر الذي كان قائماً منذ ما يقرب من 200 ألف سنة، وقد بدأت المستعمرات وتحديداً المستعمرات اليونانية في الظهور خلال القرن السابع والقرن الثامن قبل الميلاد، وكانت هذه المستعمرات على ساحل صقلية، وكان جنوب شبه الجزيرة الإيطالية يسمى باليونان الكبرى.
وفي فترة القرن الثامن قبل الميلاد تلك كانت إيطاليا عبارة عن أراضي زراعية محدودة، لكنها تطورت ونمت بعد ذلك لتبدأ في تأسيس أحد أكبر الإمبراطوريات على مر التاريخ، وقد ساهمت هذه الإمبراطورية بشكل كبير في دمج ثقافات حضارات أخرى مع بعضها، وقد تدرجت قوة إيطاليا والتي كان عاصمتها روما، فقد تحولت من من مملكة ضخمة إلى جمهورية، وظلت تتوسع حتى تراجعت في فترة القرن الثاني الميلادي حيث انقسمت إلى قسمين غرباً وشرقاً، ففي الغرب كانت الإمبراطورية الرومانية، وفي الشرق كانت الإمبراطورية البيزنطية، لتنهار الإمبراطورية الرومانية بعد ذلك ويتم تقسيمها إلى ممالك صغيرة، ليصبح شرق إيطاليا هو الجزء الذي حافظ طويلاً على تاريخ الحضارة الرومانية في إيطاليا.
العصور الوسطى في إيطاليا
كانت فترة العصور الوسطى من أسوأ فترات إيطاليا، حيث تعرضت للكثير من الهجمات ومحاولات الاعتداء بشكل كبير من قبل مجموعة من القوى المختلفة، ورغم محاولة الإمبراطور البيزنطي المعروف باسم “جستنيان الأول” إعادة بناء وإحياء إيطاليا من جديد إلا أنه فشل بسبب تكرار الهجمات الجرمانية والتي كان يشنها جماعة اللومبارديون، ولكن رغم ذلك فقد ظهرت دولة جديدة في شمال جبال الألب وسيطرت على الأراضي المحيطة به، ليكون المسيطر الأكبر في هذه المرحلة هو التناحر بين مجموعة من المدن وبين الغزو الأجنبي، وبين الاستبداد المحلي، والذين ساهموا مجتمعين في تأخر إيطاليا وتفككها بشكل كبير وفشل أي محاولات للنهضة أو لإعادة الإحياء، لكنها بعد هذه الفترة كانت قوية لمنع الاعتداءات والغزوات من الإمبراطوريات الأخرى، لكن أن تقوم إيطاليا بتوحيد المنطقة من جديد وفرض الهيمنة، فقد كان ذلك شبه مستحيلاً.
وحتى القرن التاسع عشر فإن إيطاليا ظلت مفككة يحكمها إمبراطوريات مختلفة من الإمبراطوريات المجاورة، ليتم بعدها ظهور بعض الحركات التي تطلعت إلى إنقاذ الدولة، فقد رأى الشعب الإيطالي أن بلدهم تذهب إلى الهاوية بشكل متسارع، ليتم اختيار مجموعة من الأفراد الذين تم تصنيفهم كأقوياء يمكنهم إنقاذ الدولة مما يحدث لها من انهيار وتفكك، وبالفعل اختيرت عائلة ديلا سكالا في مدينة فيرونا، كما اختيرت عائلة فيسكونتي في مدينة مسلانو، وأيضاً عائلة ميديشي في مدينة فلورنسا، لتبدأ بعدها إيطاليا في التوسع والنهضة تجارياً، حيث ظهرت جمهوريات تجارية مختلفة وازدهرت حركة التجارة مع وجود بعض من الحرية التي استطاع الشعب الإيطالي لمسها وممارستها، وأشهر هذه الإمبراطوريات التجارية هي بيزا وجنوة والبندقية وأيضاً أمالفي، فقد توسعت تجارة الحرير والمجوهرات والزجاج البندقي وبعض الأعمال المصرفية.
عصر النهضة في إيطاليا
كان عصر النهضة في إيطاليا من أهم الفترات التي ساهمت في تقوية وكتابة تاريخ عريق يحفل بالكثير من الإنجازات، ليس في التاريخ الإيطالي وحسب، بل في التاريخ الأوروبي أيضاً، حيث أصبح لإيطاليا دور كبير على المستوى الأوروبي وكان لها تأثير كبير في العديد من الإصلاحات المختلفة سياسياً وثقافياً ودينياً واجتماعياً، فبعد فترة صعبة من التفكك والانقسام إلى دويلات ومدن صغيرة في الجنوب وفي وسط إيطاليا وفي الشمال والغرب وفي كافة مناطق إيطاليا، أصبحت بعدها أحد أقوى وكثر الدول تقدماً على مستوى العالم، وقد سميت هذه الفترة من تاريخ إيطاليا باسم عصر “النهضة” لأنها كانت بالفعل نهضة شاملة وتغيير لأفكار كثيرة تقليدية.
وحسب بعض الروايات فإن اكتشاف بعض النصوص العربية واليونانية وترجمة هذه النصوص إلى اللغة اللاتينية هو ما ساعد إيطاليا على النهضة والبدء في إعادة الإعمار والبناء من جديد، وقد تم نقل هذه المخطوطات والنصوص من قبل التجار الإيطاليين الذين كانوا يسافرون إلى شرق البحر الأبيض المتوسط وخصوصاً اليونان، وبعد فترة من بداية حدوث النهضة في إيطاليا ظهر مرض الطاعون الذي قتل حوالي ثلث سكان الدولة، ولكن رغم ذلك بدأت بعدها إيطاليا في التعافي وذلك في فترة القرن الخامس عسر والقرن السادس عشر، لتثبت إيطاليا نفسها بقوة كمركز للحضارة الغربية والأوروبية.
أما عن مركز نهضة إيطاليا، فقد كانت فلورنسا هي مركز النهضة الإيطالية خلال هذه الفترة من تاريخ إيطاليا، وتميز اقتصاد هذه المدينة عن غيرها من المدن الإيطالية بالازدهار والنمو بشكل قوي، لتكون فلورسنا هذه المدينة الإيطالية أحد أقوى وأعظم المدن الأوروبية خلال فترة عصر النهضة تلك، وقد زاد بناء القصور والمتاحف المختلفة وأيضاً الكنائس، لتكون هذه المباني في حد ذاتها إلى هذه اللحظة أعمال فنية وتاريخية يقصدها السياح من كل مكان بالعالم حتى الآن، وكانت مدينة فلورنسا مكاناً يتجمع فيه فناني إيطاليا والعالم مثل الفنان الشهير ليوناردو دا فينش، وأيضاً ساندرو بوتيتشيلي وغيرهم من الفنانين الآخرين، لتظهر بعد ذلك مدينة روما في الصورة، وتبدأ هي في احتلال مكان فلورنسا، حيث تأثرت روما كثيراً بنهضة إيطاليا خلال هذه الفترة، وقد ظهرت قوة روما بشكل واضح خلال فترة حكم البابا “يوليوس الثاني”، وقد تحولت روما فيما بعد إلى واحدة من أكبر المراكز الفنية على مستوى العالم.
توحيد إيطاليا وبداية عصر الجمهورية
تم توحيد إيطاليا وبناء مملكة إيطالية واسعة وذلك على أيدي القوميين في إيطاليا ومجموعات من الملكيين الموالين لأحد أشهر عائلات إيطاليا وهي عائلة “سافوي”، فقد قاموا بتأسيس مملكة إيطالية متحدة والتي بدورها ضمت شبه الجزيرة الإيطالية بشكل كامل، وقد قاد حملة التوحيد هذه “جوزيبي غاريبالدي” وتحديداً في جنوب إيطاليا، فقد حظي هذا الرجل بشعبية واسعة في منطقة الجنوب وهو ما ساعده على ذلك، وظهرت حركات توحيد أخرى في كافة مناطق إيطاليا، لتنتهي هذه الحركات بدولة إيطاليا موحدة وقوية ومستعدة لنهضة تشمل كافة المستويات والأصعدة وهو ما حدث بالفعل، وذلك خلال فترة الثمانينات.
وأصبحت إيطاليا بعد فترة من الزمن جمهورية قوية بأمر من الشعب، حيث تم عمل استفتاء كبير اختار فيه الشعب الإيطالي أن تكون دولته إيطاليا جمهورية، وكان ذلك في 2 يونيو عام 1946، وهو تاريخ يحتفل به الإيطاليون بهذه المناسبة حتى وقتنا هذا، والجدير بالذكر أن هذا الاستفتاء كان أول مرة يتم فيها منح المرأة حقها في التصويت مثلها مثل الرجل، وكانت إيطاليا قد بدأ دورها يظهر عالمياً حيث أصبحت خلال فترة الخمسينيات عضواً في حلف شمال الأطلسي وهي خطوة هامة دعمت مركزية إيطاليا وقوتها عالمياً، فضلاً عن تحالف إيطاليا مع الولايات المتحدة، وبدأ اقتصاد روما ينتعش وينمو بطريقة كبيرة، وتعاقبت الانتخابات في هذه الفترة وحدثت تحالفات سياسية داخل إيطاليا، وأحد أهم القرارات والتحالفات التي قامت بها إيطاليا هو انضمامها إلى تحالف عسكري كانت الولايات المتحدة تقوده في العراق.
ثقافة إيطاليا
رغم أن إيطاليا لم يتم توحيدها إلى في وقت متأخر على مر تاريخها الطويل، إلا أنها استطاعت أن تترك إرثاً ثقافياً ضخماً، وتمكنت من تكوين تراث ثقافي وتاريخي مميز على المستوى الأوروبي والغربي، فوفقاً لإحصائيات منظمة اليونسكو العالمية، فإن إيطاليا هي أكبر دولة تمتلك مواقع تراث عالمي لليونسكو، فضلاً عن الأعمال الفنية والتاريخية العريقة والتي تتمثل في أعمال أدبية وأخرى ثقافية، ويقدر وجود ما يصل إلى 100 ألف من الآثار التاريخية والتي تتمثل في التماثيل والمتاحف والقصور والكنائس وغير ذلك من المباني التاريخية، وقد كان للشعب الإيطالي تأثيراً كبيراً في نشر هذه الثقافات في مختلف أنحاء العالم، فقد انتشرت الكثير من حركات الهجرة الإيطالية إلى دول عدة من إيطاليا، والذي ساهم بشكل غير مقصود في نشر ثقافات إيطالية أصيلة.
العمارة واللوحات الإيطالية
وقد تنوع دور إيطاليا الثقافي فقد تميزت في الكثير من المجالات والتي أبرزها مجال العمارة، فقد تركت إيطاليا تراثاً معمارياً مميزاً للغاية، فالمباني الإيطالية تم بناؤها على النمط الروماني الكلاسيكي، وغيرها تم بناؤه على الطراز القوطي والباروكي وغير ذلك من أنماط العمارة الإيطالية، وقد أنتجت إيطاليا أشهر المهندسين المعماريين على مستوى العالم، ومنهم من كان له تأثيراً كبيراً على مستوى العالم مثل المهندس “أندريا بالاديو”، و”برنيني” وغيرهم الكثير، وبرز تفوق إيطاليا الثقافي في اللوحات الإيطالية التي كان لها طابعاً خاصاً، فقد كانت مميزة من حيث الألوان والأضواء، فقد أشرقت الكثير من لوحات فناني إيطاليا عالمياً، وأشهر هؤلاء الفنانين هم “ميكيلانجيلو” و”دوناتيلو” و”برنيني” وغيرهم من الفنانين الذي اشتهر صيتهم عالمياً وتم تخليد الكثير من لوحاتهم الفنية التي لا مثيل لها.
الأدب الإيطالي
وقد ساهمت إيطاليا أيضاً في مجال الأدب العالمي، فقد كان الأدب الإيطالي أحد أهم نتاجات الأدب في أوروبا بالكامل، وقد برزت الكثير من أمال الشاعر “دانتي أليغييري”، والتي من أهمها “الكوميديا الإلهية”، وكثر الفلاسفة الإيطاليون مثل “جوردانو” و”مارسيليو”، واستمر شعراء إيطاليا وأدبائها في إنتاج مقطوعات شعرية وأعمال أدبية حتى وقتنا هذا، وقد حصل منهم الشاعر “جيوسي” على جائزة نوبل وذلك في عام 1906، والمؤلف المسرحي “لويجي” وذلك في عام 1936، فقد كان للمسرح الإيطالي تأثيراً كبيراً أيضاً، وقد تأثر المسرح الروماني بالمسرح اليوناني بشكل كبير، وتم إنتاج العديد من المسرحيات الكوميدية، كما انتشرت المسرحيات الارتجالية في إيطاليا أيضاً في فترة القرن الثامن عشر، ولم تنسى إيطاليا حظها من الموسيقى، فقد ظهرت الموسيقى الشعبية والكلاسيكية، كما تم ابتكار الكثير من الآلات الموسيقية التي تم تصديرها باقي مختلف أنحاء العالم، مثل البيانو والكمان وغير ذلك.