آسيا

آسيا - مناطق الجذب السياحي

مما لا شك فيه أن قارة أسيا تمتلك الكثير من مناطق الجذب السياحي، هذه المناطق هي التي كونت في النهاية القوى الكُبرى بهذه القارة وجعلتها من أهم القارات في العالم بالإضافة طبعًا إلى الأسباب التاريخية والثقافية التي تحدثنا عنها، عمومًا، وجود الكثير من مناطق الجذب السياحي أمر جيد، لكنه في نفس الوقت صعب الحصر نظرًا لأن هذه الأماكن تتوزع على مناطق كثيرة في القارة، ولذلك فإن الحل الأمثل لهذه المُعضلة أن يتم التطرق إلى أهم المدن في القارة مع التركيز الكامل على بعض المناطق الرئيسية الموجودة بهذه المدن، هذه المناطق بالتأكيد سوف تكون أماكن سياحية في المقام الأول وتحظى بنسبة جذب كبير، والحقيقة أننا إذا أردنا البدء بمدينة بها كل المواصفات السالف ذكرها فلن نجد أفضل من مدينة كوالالمبور، عاصمة ماليزيا والمدينة التي تُعتبر الأشهر في قارة أسيا بالكامل.

كوالالمبور، مدينة معمارية من الطراز الأول

بدايةً ثمة أمر هام يجب معرفته فيما يتعلق بالمدينة التي سنتحدث عنها، وهو أن عمر هذه المدينة الشهيرة لا يزيد عن القرن ونصف، وهو عمر صغير للغاية مقارنةً مع المدن الأسيوية العريقة التي قد يصل أعمار بعضها إلى العشرة قرون، لكن العمر ليس كل شيء، والدليل على ذلك أن كوالالمبور التي نتحدث عنه تحظى بشهرة كبيرة وتُعتبر كما ذكرنا أحد أهم مدن قارة أسيا، والأمر المدهش الثاني في هذه المدينة أنه عندما تم تأسيس المدينة عام 1850 على يد أحد الملوك وقتها، استعان ذلك الملك بعمال من الصين، وهذا يعني أن مدينة كوالالمبور الماليزية قد بُنيت بسواعد صينية، وذلك في مساحة تصل إلى مئتين وثلاثة وأربعين كيلو متر، كما أن السكان في المدينة لا يتجاوزون المليون ونصف نسمة، وبالرغم من كل هذه الإحصائيات القليلة في تاريخ التأسيس والمساحة وأعداد السكان إلا أن كوالالمبور قد أصبحت اليوم عاصمة دولة أسيوية هامة مثل ماليزيا، بل والمركز الاقتصادي والثقافي لها، فكيف يُمكن ذلك يا تُرى؟

إجابة هذا السؤال ببساطة تكمن فيما تملكه مدينة كوالالمبور بداخلها، فمن المعروف للجميع أن الشيء الجديد يحظى بكل ما هو جديد ومتوافر لحظة تأسيسه، وهذا ما حظيت به كوالالمبور، حيث أنها قد حظيت ببنية تحتية حديثة للغاية أعطتها الإمكانيات كي تكون الآن العاصمة الاقتصادية والثقافية للدولة بالكامل، وقد تبدى هذا الأمر في صورة بعض أماكن الجذب الموجودة داخل جدران هذه المدينة، وهذا بالطبع ما يشغلنا معرفته، وعلى رأس هذه الأماكن مثلًا برجا التوأمان.

برجا التوأمان

لا يُمكن بأية حال من الأحوال وصف الشعور الذي سيشعر به كل من يرى برجا التوأمان الموجودان في مدينة كوالالمبور، والشعور الأكبر والأصعب في الوصف هو شعور دخول هذين البرجين، فمنذ أن تم تأسيسهما ضمن الصيحة المعمارية التي مرت بها أسيا والبرجان يُعاملان مُعاملة التحفة الفنية، وهما كذلك بالفعل، فمهما كان وقت رؤيتك لهما، سواء حدث ذلك ليلًا أو نهارًا، سواء كان الأمر من مسافة بعيدة أو قريبة، فإن المتعة في النهاية سوف تبقى واحدة، والأكثر متعة من ذلك أن تعبر من جسر السماء الذي يربط بين البرجين، تخيلوا أن السياح من كل مكان في العالم يقطعون آلاف الأميال فقط من أجل زيارة هذا البرج؟ تخيلتم؟ حسنًا، لكن لن يكون بإمكانكم تخيل المتعة التي يحظى بها هؤلاء السياح، إن استطعتم أن تُحاربوا فحاربوا من أجل زيارة برجا التوأمان، ولن تندموا.

الأوركسترا الماليزية

ولأن مدينة كوالالمبور تهتم بالثقافة والفن بنفس درجة اهتمامها بالاقتصاد والمعمار كان من الطبيعي أن تتواجد واحدة من أهم المعالم في الفن، وهي تلك التي تتمثل في الأوركسترا الماليزية الموجودة في قلب العاصمة، وهي أوركسترا عالمية تُقام بها أهم العروض في العالم ويأتي إليها عشاق هذا الفن من كل بقعة في الأرض، وربما لهذا السبب نجد أن الحفلات يتم حجزها قبل فترة طويلة من عرضها وبعد فترة قصيرة للغاية من الإعلان عنها، وهي تُصنف طبعًا كمكان مثير للاهتمام.

كهوف باتو

من الأماكن المُثيرة والجاذبة جدًا للسياح في مدينة كوالالمبور مكان يُعرف باسم كهوف باتو، وهذه الكهوف أماكن قديمة للغاية تُعرف بداخلها بالهدوء والعراقة، كما أنه بداخلها يتم إقامة الكثير من الأنشطة بقصد استخراج أقصى استفادة ممكنة منها، حتى الرعب يجد له مكانًا داخل هذه الكهوف من خلال بيت مُصغر للرعب، وكذلك الأطفال يجدون غايتهم، إجمالًا، تُعد هذه الكهوف من أهم الأماكن الجاذبة في البداية ونادرًا ما يذهب أحد إلا كوالالمبور أو ماليزيا أو حتى قارة أسيا دون أن تكون كهوف باتو على رأس قائمة الزيارات الخاصة به.

متحف الفنون الإسلامية

نبقى كما نحن مع الأماكن المُضيئة في مدينة كوالالمبور، والتي من ضمنها أيضًا متحف الفنون الإسلامية، وطبعًا كما هو واضح من الاسم فنحن نتحدث عن مكان يختص بكل شيء يتعلق بالتراث الإسلامي لأن ماليزيا في الأساس دولة إسلامية، صحيح أنها ليست بنفس درجة الالتزام بالدين مثلما هو الحال في دول إسلامية أخرى لكنها تُعبر عن ذلك من خلال بعض المساجد الهامة وهذا المتحف الذي يضم بين جنباته الكثير من التراث الإسلامي المُشكل من كل مكان في العالم، أو تحديدًا، كل مكان زاره الإسلام في يومٍ من الأيام.

الدوحة، الركض نحو المقدمة

عندما تستعرض تاريخ مدينة الدوحة التي تشغل الآن منصب عاصمة دولة قطر فسوف تُلاحظ أمرًا لا يُمكن أبدًا التغاضي عنه، وهو أن الدوحة ليست مجرد مدينة عادية موجودة في قطر أو دولة أسيا أو حتى العالم، وإنما هي حصان يركض باستمرار نحو المُقدمة، تلك المقدمة التي استطاعت الدوحة بالفعل الوصول إليها وما زالت كما هي في طريقها نحو ما هو أكبر ذلك، فمن يُصدق أن الدوحة التي كانت مجرد مدينة صغيرة وعادية قبل عقدين من الزمن قد أصبحت الآن تُصنف ضمن أهم عشر مدن في أسيا وأهم مئة مدينة في العالم بشكلٍ عام، أما بالنسبة للعالم العربي فالدوحة بلا شك توضع في خانة واحدة مع مدينة دبي، فهاتين المدينتين هما فرس الرهان للوطن العربي ومن المُسلّم به أنهما قد أصبحا بالتأكيد ضمن المُدن المُصنفة عالمية وقدوة لبقية مدن الوطن العربي، لكن لماذا يا تُرى وصلت مدينة الدوحة إلى هذه المكانة الكبرى؟ الإجابة ببساطة تكمن في امتلاكها للعديد من مناطق الجذب.

داخل مدينة الدوحة يُمكنك أن ترى ببساطة مزيج كبير بين أشهر وأفضل المدن الأوروبية، ذلك المزيج مقصود بالطبع وتم السعي لإيجاده من أجل ضمان جذب السياح، وقد نجح هذا المزيج في تصنيف مدينة الدوحة تصنيفًا عالميًا مثلما هو الحال مع مدينة دبي بالتأكيد، عمومًا، سوف نقوم بذكر أبرز أماكن الجذب السياحي لنتوقف بالضبط على نقاط القوة الجاذبة في المدينة، ومن أهم هذه النقاط على سبيل المثال متحف الفن الإسلامي.

متحف الفن الإسلامي

على الرغم من أن مدينة الدوحة مدينة حديثة بعض الشيء إلا أنها تمتلك بداخلها متحفًا إسلاميًا يُعتبر بلا شك أحد أهم المتاحف التي توثق للتاريخ الإسلامي، فبداخل هذا المتحف ثمة الكثير من المخطوطات الإسلامية التي تم جمعها من كل مكان في العالم تقريبًا، كما أن المتحف يُراعي كذلك عرض هذه الأغراض باللغتين، العربية والأجنبية، إذ أنه من الوارد جدًا أن يكون المهتم بما يتواجد داخل ذلك المتحف مسلم غير عربي، أو ربما شخص غير مُسلم أيضًا، وفي إحصائية خرجت قبل حوالي خمس سنوات تم اعتبار متحف الفن الإسلامي الموجود بالدوحة المكان الأهم على الإطلاق بين كل الأماكن التابعة للهوية الإسلامية في أسيا، وثالث أهم الأماكن على مستوى العالم.

كورنيش الدوحة

شاطئ الدوحة تم استغلاله كذلك استغلالًا أمثل من خلال إقامة كورنيش كبير، وعلى هذا الكورنيش قامت العديد من المشروعات الهامة والحيوية التي جعلت من الكورنيش مزارًا سياحيًا لا غنى عنه، ومن ضمن الأشياء التي تم إيجادها على كورنيش الدوحة سلسلة مطاعم فاخرة ومدينة للأطفال، كما أن الشاطئ وممارسة رياضات مثل الغوص والسباحة أشياء أخرى ممتعة يتم الاستفادة منها، والحقيقة أنه لو كان هذا الكورنيش مكانًا عاديًا لما تم اعتباره أحد أهم أماكن الجذب في المدينة والدولة والقارة بأكملها، فلابد أنه ثمة شيء جديد ومُختلف به، شيء يجب أن تذهبوا وتكتشفوه بأنفسكم.

حي كتارا الثقافي

على نفس المنوال السابق في متحف الفن الإسلامي نجد أن مدينة الدوحة تولي اهتمامًا كبيرًا بشيء في غاية الأهمية، ألا وهو التراث الثقافي والأدبي والفني، ومن أجل هذا تم تدشين حي كتارا الثقافي، وهذا المكان أصبح الآن قِبلة كل المُثقفين على مستوى العالم، سواء المثقفين العرب أو الأجانب، ففي النهاية سوف يجد الزوار ما يحوز على رضاهم نظرًا لتنوع أنواع الأدب الموجودة داخل الحي، وبعيدًا عن الأدب نجد اهتمامًا كذلك بأحد فنون المسرح الشعبي من خلال مجموعة مسارح ذات قيمة كبيرة، هذه المسارح، وتلك المكتبات التي تحوي مئات الآلاف من الكتب، تم حصرها في حي واحد يُطلق عليه حي كتارا الثقافي، وهو اسم على مُسمى بلا أدنى شك.

دلهي، المدينة الهندية العريقة

في مساحة تتجاوز الألف ونصف كيلو متر مربع تقع مدينة دلهي بنظامها العجيب والغريب، فعلى الرغم من كونها العاصمة السياسية الأولى لدولة الهند إلا أن هذه المدينة لها حاكمها الخاص وحكومتها الخاصة وبرلمانها الخاص، وربما هذا الجنون موجود في كل مكان داخل الهند لدرجة أن صناعة السينما مُختلفة واللغات داخل البلد الواحدة مُختلفة أيضًا، وهناك من يتوقع أن تنقسم الهند في الفترة المُقبلة إلى أربع أو خمس دول، عمومًا، مدينة دلهي التي نتحدث عنها، وبغض النظر عن الجنون السياسي الموجود بها، إلا أنها تبقى المدينة الأهم في الهند وأحد أكثر المدن جذبًا في العالم وليس فقط في قارة أسيا، حيث يُقال أن هذه المدينة، على الرغم من صِغر مساحتها نسبيًا، إلا أنها تُعتبر واحدة من أكبر عشر دول في العالم من حيث الكثافة السكانية، فهي تمتلك بداخلها ما يتجاوز الأربعة عشر مليون نسمة، أضف إلى ذلك أن المدينة سياحيًا تستقطب ما يتجاوز الأربعة ملايين نسمة سنويًا، لكن لماذا تجذب دلهي السياح يا تُرى؟

لا يعني التخبط السياسي الذي تحدثنا عن وجوده في مدينة دلهي أنها مدينة فقيرة سياحيًا، بل على العكس تمامًا نجد أن أماكن الجذب الكثيرة الموجودة داخل حدود هذه المدينة قد عوضت كل هذا، لدرجة أن الهنود أنفسهم، وعلى الرغم من تمسك كل واحدٍ منهم بمدينته الأم، تجدهم يتنقلون داخل دلهي وينجذبون إليه، سياحة داخلية بالمعنى الأدق، حتى الذين لا يأتون بغرض السياحة تجدهم ملتزمين بالهيئات الحكومية والغير حكومية الهامة داخل دلهي، لكن ما يهم الزوار من أجل السياحة أن يعرفوا طبعًا أهم أماكن الجذب، والتي على رأسها مثلًا القلعة الحمراء.

القلعة الحمراء

كان ثمة إمبراطور هندي قديم يُعرف باسم شانجهان، هذا الإمبراطور ربما لم يفعل شيء طوال فترة حكمه سوى تشييد القلعة الحمراء في مدينة دلهي، تلك القلعة التي أهم ما يميزها على الإطلاق الطريقة المعمارية الغريبة التي بُنيت من خلالها، أيضًا لا ننسى اللون الأحمر الذي تأخذه تلك الأحجار التي بُنيت القلعة من خلالها، ولذلك نجد في الختام تحفة معمارية رائعة ما تزال صامدة وتجذب ملايين السياح سنويًا، بل إنها تُعتبر أحد أهم عوامل الجذب داخل دلهي بشكلٍ عام، كما لا ننسى أن هذا الإتقان لم يأتي أبدًا من فراغ، فقد استمر العمل على هذه القلعة لأكثر من ثماني سنوات مُجهدة.

ضرح هماميون

قلنا نعرف طبعًا أن الهند في يوم من الأيام كانت تحت راية الإسلام وحكمه، وفي هذه الفترة تم بناء ضريح أو قبر لوالد أحد الملوك الإسلاميين الذي مات بعد فتح الهند مباشرةً، ولذلك يتم اعتباره أول بناء إسلامي على الأراضي الهندية، على كلٍ، يُعتبر هذا الضرح من أهم المعالم الهندية الموجودة في مدينة دلهي، والتي سبق وذكرنا أنها عاصمة سياسية وليست العاصمة الأصلية للهند، فهي مدينة أخرى تُعرف باسم مومباي، لكن وجود أماكن هامة مثل ضرح هماميون تجعل الكثير من السياح، الأوربيين بشكل خاص، يُفكرون ألف مرة قبل اختيار المكان الذي يُفضلون السفر إليه، مومباي أم دلهي.

منارة قطب

في القرن الثاني عشر ميلاديًا، وعلى يد سلطان مُسلم شهير يُدعى قطب الدين أيبك، تم بناء منارة قطب الذي يتضح للجميع أنها تحمل اسم الحاكم الذي قام ببنائها، وهي لا تزال حتى الآن تُعتبر أكبر منارة في الهند بأكملها على الرغم من مرور أكثر من ثمانية أعوام على بنائها، لكن مثل هذه الأماكن تكون أشبه باللوحات الخرافية أو التُحف، من الصعب جدًا، بل من المستحيل، أن يُعاد إنتاجها مرةً أخرى، وهذا ما حدث بالضبط مع منارة قطب التي لا يتواجد لها مثيل داخل الهند أو خارجها، كما أنها تُعتبر كذلك من أهم معالم الجذب الموجودة في قارة أسيا بالكامل.

طبعًا مناطق الجذب التي ذكرناها الآن ليست كل مناطق الجذب السياحي المتواجدة في قارة أسيا، أو تلك المدن الثلاث تحديدًا، وإنما نحن فقط قمنا بذكر الأشهر والأكثر إقبالًا من قِبل السياح، وإن كانت طبعًا هذه الزيارات تتوقف في المقام الأول على ذائقة الزائر ونوعية الأماكن التي يفضل زيارتها، ولعلكم قد لاحظتم بالتأكيد أن الأماكن التي ذكرناها تكتسي بالصبغة الإسلامية، وربما يكون ذلك لسبب رئيسي يتعلق بأننا نوجه الحديث في المقام الأول للسائح المسلم العربي.