لعل تاريخ مدينة روما يحفل بالعديد من الأحداث العظيمة والضخمة على مر العصور، فطبقاً لبعض الأدلة الأثرية التي تم اكتشافها فإن منطقة روما كان بها حياة منذ ما يقرب من 14.000 سنة، ومن هذه الأدلة الأثرية بعض الأدوات والأسلحة الحجرية، وأيضاً الأواني الفخارية والتي بدورها تؤكد على وجود حياة بشرية منذ 10.000 سنة على أقل تقدير، ومع وجود أدلة واختلاف بعض الروايات، فإن بعض الأساطير المعروفة تميل إلى تجاهل تاريخ تأسيس روما، وذلك لأنه -وفقاً لبعض الأساطير- أقدم كثيراً من الروايات الموجودة، كما أن وجود طبقة كبيرة الحطام منع دون الوصول إلى المواقع والأدلة الخاصة بعصرين مهمين في تاريخ روما وهما العصر الحجري القديم والعصر الحجري الحديث.
أسطورة تأسيس مدينة روما
ويعج تاريخ روما بالعديد من الأساطير القديمة، والتي من أهمها الأسطورة الخاصة بتأسيس المدينة على يد رومولوس، حيث كان لرومولوس شقيق آخر يدعى رموس، وقد حدثت بينها مشادة كبيرة، قتل على إثرها رومولوس أخيه رموس، وقد كانا اتفقا وقررا تأسيس مدينة روما قبل حدوث ذلك، وأحد أكثر مؤيدي هذه الأسطورة هو الشاعر فيرجيل، ووفقاً للأساطير أيضاً فإن روما قد نمت في بدايتها من مستوطنات رعاة، وكانت التلة البلاتية تجمعهم، وهي المكان الذي تم فيه بناء المنتدى الروماني بعد ذلك، وقد تم تطوير منطقة روما هذه التي توصف بأنها كانت مجرد مستوطنة، وأصبحت عاصمة للملكة الرومانية، هذه المملكة التي حكمها مجموعة من الملوك وصل عددهم إلى سبعة، بعدها تحولت إلى الجمهورية الرومانية ثم إلى الإمبراطورية العظمى.
حضارات روما وتوسعها في الهيمنة
وقد استوعبت الإمبراطورية الرومانية حينها مجموعة من الحضارات التي كانت تجاورها كالحضارة الإغريقية وحضارة الأتروسكان، وهو ما ساعد الإمبراطورية على التوسع والنجاح وتحقيق هيمنة كبرى على الكثير من الموارد التجارية، فضلاً عن الغزو العسكري الذي قام به الإمبراطور، ورغم ذلك كانت هناك بعض الخسائر التي أصابت روما فقد تم احتلالها في أحد الفترات عام 386 قبل الميلاد، وكان ذلك على يد شخص يدعى “الغال” وقد طلب الحصول على 1000 باوند من الذهب، لكي يقوم بإعادة المدينة إلى أهلها، لكنهم رفضوا ذلك تماماً واستعادوها بقوة السلاح، فلم ينجح هذا “الغال” في احتلال المدينة إلا لفترة وجيزة واستعادها شعبها في نفس العام، ليثبت الشعب الروماني قوته وعظمته وحبه لمدينته العظيمة روما والتي سعى خلال مختلف العصور على تقويتها ونهضتها، لتكون أحد أقوى المدن على مستوى العالم، وهو ما قد كان لتستمر نهضة روما ومحاولتها دفع عجلات الإنتاج في إيطاليا بالكامل.
وصول نفوذ روما إلى ما وراء البحار
استغرقت روما عدة قرون حتى تحقق تقدماً كبيراً وتصبح بهذه القوة والشعبية بين باقي المدن والمناطق الأخرى حينها، فقد أصبحت إمبراطورية عظيمة خصوصاً بعد حكم أوكتافيان، لتكون روما مدينة قوية وذات شعبية كبيرة في شبه الجزيرة الإيطالية، وكان ذلك في القرن الـ 3 قبل الميلاد، فقد غزت روما حينها مجموعة من المستعمرات والمناطق والتي نجحت في الاستيلاء عليها، مثل المستعمرات اليونانية الموجودة في كامبانيا وصقلية، فضلاً عن مجموعات الأتروسكان والسامنيين وغيرهم ممن هزمهم روما وسيطرت على مناطقهم، وأكثر ما ساعد روما على تحقيق شأن كبير هو أنها أصبحت عاصمة للمرة الأولى لإمبراطورية وصل نفوذها إلى ما وراء البحار، بعد حروب عظمى حدثت بين روما وبين الإمبراطورية القرطاجية.
زيادة هيمنة وقوة روما عالمياً
بعدها بدأت توسعات روما أكثر وأكثر لتقوم بالهيمنة على العديد من المناطق في أوروبا الغربية، وأيضاً تمكنت من السيطرة على الكثير من أنحاء شواطئ البحر الأبيض المتوسط، ليصل عدد سكان روما إلى حوالي مليون شخصاً يعيشون بها، بالإضافة إلى الولايات والمناطق الأخرى التابعة لها والتي تسيطر عليها روما بشكل كامل، وكانت روما في هذه الفترة أغنى مدينة على مستوى أوروبا والعالم الغربي بالكامل، فضلاً عن دورها السياسي العظيم تجاه باقي المدن والمناطق الأخرى، ولكن كعادة الكثير من المدن والبلاد القوية فإن روما لم تسلم من التقسيم والمؤمرات، فقد تراجعت الإمبراطورية الرومانية وتم تقسيمها، لتفقد المدينة مكانتها كونها عاصمة، فقد انتقلت العاصمة من روما إلى مدينة ميلان ثم بعد ذلك انتقلت إلى رافينا.
العصور الوسطى في تاريخ روما
أما عن العصور الوسطى لروما، فقد علت مكانة أسقف روما سياسياً ودينياً في الوقت الذي كان الإمبراطور قسطنطين الأول يحجم الإمبراطورية، وهو ما جعله يمنح أسقف روما بابوية الكنيسة الكاثوليكية، وكان ذلك بعد حدث نهب روما والذي كان في عام 410، على يد شخص يدعى “ألاريك الأول”، بعدها بدأت روما تفقد سكانها حيث تناوب على حكمها البيزنطيون وأيضاً الجرمان، وأصبح عدد سكان مدينة روما حوالي 25 ألف شخصاً فقط، بعد أن وصل إلى أكثر من مليون واستمر لذلك فترة كبيرة، ليتم منح البابا وقتها ما يعرف بالولاية الزمنية على مدينة روما، وهو ما ساهم في خلق ولايات بابوية، وكان ذلك في عام 756، ليغزو بعدها العرب مدينة روما خلال عام 846، وقد قام العرب بنهب كنيسة القديس بطرس التي كانت أحد أهم المعالم الرئيسية للمدينة وقتها.
العصور الحديثة في تاريخ روما
تأتي بعد ذلك العصور الحديثة لروما، حيث بدأت روما تستعيد مكانتها من جديد، لتعود عاصمة ومقراً للنهضة الإيطالية، بعد أن كانت مدينة فلورنسا تحتفظ بهذا اللقب، وكانت البابوية تسعى إلى إعادة روما من جديد وتحقيق نهضة عظمى لهذه المدينة، فبدأت ببناء الجسور والطرق والكنائس والكثير من الأماكن العامة واحداً تلو الآخر، وكان أهمها الكاتدرائية الجديدة للقديس بطرس وساحة نافونا الشهيرة، وبعدها بدأت روما تظهر بوجه جديد، هو وجه النهضة الحديثة والإبداع في الكثير من المجالات، فقد أصبحت روما منذ بداية عام 1503 واحدة من أكبر وأهم المراكز الفنية الموجودة على مستوى العالم، واستضافت المدينة الكثير من الفنانين والمبدعين ممن أنتجوا أعمال فنية تم تخليدها إلى هذه اللحظة، مثل جرلاندايو وبرامانتي وغيرهم.
الفترة المعاصرة من تاريخ روما
وفي الفترة المعاصرة لمدينة روما، استمرت الأحداث التاريخية العظيمة التي تقوم بها روما سواء داخل المدينة أو خارجها، فقد كانت أحد أكثر المدن تأثيراً حول العالم، ولكنها خلال بداية هذه الفترات منذ حوالي عام 1798 بدأت بعض الاضطرابات تصيب روما، فقد انقطع حكم البابوية لفترة من الزمن، وبعدها تم ضم مدينة روما لتكون تحت سيطرة الإمبراطورية الفرنسية في عهد “نابليون”، وعادت من جديد روما تحت حكم البابا في عام 1814، وقد كانت إيطاليا تمتلئ بالخلافات والانقسامات، لتصبح روما مركزاً هاماً يعتمد عليه الكثيرين من أجل توحيد إيطاليا، ليتم إعلان روما في عام 1861 عاصمة لإيطاليا من جديد، لكن الأمر لم يستقر عند ذلك أيضاً، فقد صعد شأن فاشية إيطالية كانت يرأسها شخص يدعى “بنيتو موسليني”، الذي تحالف بدوره مع ألمانيا النازية، ولكن لحسن الحظ فقد نجت روما من المصير الذي أصاب باقي المدن الأوروبية الأخرى خلال الحرب العالمية الثانية.
استقرار روما والبدء في نهضة شاملة
وفي نهاية الأمر، وبعد انتهاء هذه الحروب التي لا يأتي من ورائها إلى دماراً لأي نهضة، وخراباً لأي عُمران، تمكنت روما من النمو تحقيق نهضة فعلية سريعة، فقد تم إعادة إعمار المدينة لتساهم هي بدورها بعد ذلك في دفع نهضة إيطاليا بالكامل والمساهمة في إعادة إعمارها، وقد أصبحت روما أحد أكبر وأهم المدن الرائدة خلال فترة الخمسينيات والستينيات أيضاً، وبدأ الاستقرار يملأ أرجاء روما وإيطاليا، لتظهر الإبداعات من جديد، فقد تم تصوير عدة أفلام كلاسيكية رائعة، وتم تسمية هذه الفترة بسنوات الحياة الحلوة، نظراً للنهضة والاستقرار الكبير الذي عاصرته روما من وقتها، وبدأ عدد سكان المدينة يزداد يوماً بعد يوم حتى وصل في فترة الثمانينات إلى ما يزيد عن 2.8 مليون شخصاً يسكن حدود روما.
الثقافة في روما
لا شك أن مدينة كمدينة روما لن تكون ثقافتها تقليدية، بل على العكس تمثلت ثقافة روما في الكثير من المجالات والأمور، فمع اختلاف الحضارات والفترات الزمنية المختلفة التي مرت بها روما، صنع ذلك ثقافات متعددة ومختلفة تمتلئ بالكثير من الكلاسيكيات الجميلة، فضلاً عن الفن والموسيقى والأدب الذين بدورهم حققوا مستويات عالية من الإبداع، فقد تركت روما تراثاً ثقافياً وفنياً لا مثيل له، فضلاً عن التراث المعماري الذي يكاد ينطق بثقافة روما التاريخية العظيمة، فقد تم الاهتمام بالكثير من التفاصيل المعمارية في عدد من المباني التاريخية، والتي تظهر مدى الإبداع الذي مورس من أجل بناء مثل هذه المباني المعمارية والأثرية العريقة، لذا فإن الثقافة في روما كانت ذات طابع يملأه العظمة والإبداع في كافة الجوانب، وهي ثقافات تم تصديرها للكثير من المدن الأخرى في العالم نظراً لعظمة ومكانة هذه الثقافات الرومانية الأصيلة.
أهم لغات شعب مدينة روما
تظهر ثقافات الشعوب من خلال لغتهم، فقد كانت اللغة اللاتينية هي اللغة القومية لشعب روما، وهي لغة تعتمد في بنيتها قليلاً على ترتيب الكلمات، كما أن أبجدية هذه اللغة تعتمد بشكل كبير على أبجدية اللغة الإتريورية، لذا فسوف تجد أن معظم الأدب في روما مكتوبٌ باللغة “اللاتينية الكلاسيكية”، وهي لغة تختلف كثيراً عن اللغة “اللاتينية العامية” سواء في القواعد اللغوية أو حتى في طريقة النطق، وقد كانت هذه اللغة التي ينطقها شعب روما بشكل فعلي، وبجانب هذه اللغة اللاتينية، كانت اللغة اليونانية هي اللغة التي ينطق بها النخبة في روما، وقد تم كتابة الكثير من المؤلفات باللغة اليونانية.
الفن والأدب والموسيقى في روما
أما عن الفن والأدب والموسيقى، فقد كان لهم مكانة كبيرة في جوانب الحياة للشعب في روما، فقد بدأ ظهور الكتابات الشعرية والكوميدية أيضاً، فضلاً عن الموسيقى الرومانية التي كانت شيئاً أساسياً في حياة شعب روما، فقد تم استخدام العديد من الآلات الموسيقية مثل البوق في إنتاج مقطوعات فنية رائعة، وكان الاعتماد في الكثير من الطقوس الدينية على بعض العروض الموسيقية، حيث يرى بعض المؤرخين المهتمين بتاريخ وثقافة روما أن الموسيقى عرفت بشكل كبير في الحياة اليومية لشعب روما وتم استخدامها في الكثير من الاحتفالات العامة، وليس الموسيقى وحدها بل عرفت بعض الفنون الأخرى كالكتابة على الجدران وعمل الرسومات الفنية الإبداعية، وأيضاً نجح الرومانيين في مجال النحت ولهم الكثير من المنحوتات التي لا مثيل لها في كافة أنحاء العالم.